لاقى مشروع قانون استرداد الأموال المنهوبة ارتياحاً وتفاعلاً كبيرين، ورحبت منظمات رقابية واقتصادية بمشروع القانون الذي رأت فيه لبنة أساسية لبنى دولة النظام والقانون التي ينشدها كل اليمنيين، وكذا خطوة مهمة نحو بناء اقتصادي متين يحقق الطموحات الجمعية، ونشرت وزارة الشؤون القانونية في 30 مارس من العام الحالي نص مشروع القانون في مسعى لعرضه على الرأي العام والحصول على ردود وملاحظات بشأنه, ويهدف القانون إلى تعقب الأموال المنهوبة في الداخل والخارج واستردادها لصالح الخزينة العامة ويقترح القانون تشكيل لجنة استرداد الأموال المنهوبة برئاسة وزير الشؤون القانونية، على أن يكون وزير العدل نائباً، وتشمل ممثلين عن النيابة ورقابة البنوك والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ووزارة الخارجية وجهاز الأمن القومي ووزارة الداخلية. مشروع وطني لا حزبي وقال وزير الشؤون القانونية الدكتور محمد المخلافي أن مشروع القانون جاء تلبية لضرورات المرحلة الحالية ومساندة لمخرجات الحوار الوطني، كما أنه لا يمثل أي جهة ولا يستهدف أخرى، مشدداً على ضرورة رفض إدخال مشروع استرداد الأموال المنهوبة في طبيعة الصراعات والمكايدات السياسية التي يعيشها البلد. وبين أن المقصود بالأموال المنهوبة في مشروع القانون هي الأموال الناتجة عن عملية فساد بالاستيلاء ونهب المال العام، سواءً من قبل مسئولي الدولة، أو مراكز النفوذ التي استطاعت الاستيلاء على المال العام. وأوضح أن اليمن لديه قوانين تتعلق بمكافحة الفساد وتتبع وملاحقة المشتبه بهم بارتكاب جرائم نهب للمال العام، لكن قانون استرداد المال العام يتميز بإمكانية أخذه بالتجارب الدولية والقواعد الحديثة المتعلقة بهذا الشأن، موضحاً أن مشروع القانون يكمن من ملاحقة المال دونما أحكام جنائية أو إدانة لمن استولوا على هذا المال، لذلك سيتم ملاحقة المال بدعاوى مدنية. وأردف “ الأموال المقصودة في القانون قد تكون بصورة نقود وأوراق مالية كالسندات وأسهم الشركات أو بنوك أو عقارات أو أي نوع من أنواع المال التي تحوّل فيه المال العام إلى صورة يستثمر من خلالها، وما يعني الدولة هنا هو استعادة أموالها “. مخرجات الحوار وكان مؤتمر الحوار الوطني الشامل أقرّ إلزام الدولة اتخاذ إجراءات وآليات قانونية عاجلة لاستعادة كل الأراضي المنهوبة، منها تلك المستولى عليها من قبل قيادات عسكرية وأمنية ومدنية, ويشمل ذلك أيضاً إعادة أموال وممتلكات الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني المنهوبة، وإعادة النظر في الأراضي المصروفة تحت مسمى الاستثمار، ومعالجة آثار الاستخدام السيئ والانتقائي للقانون.وأقرّ مؤتمر الحوار الوطني أيضاً إلزام الدولة تسريع إعادة الأراضي المستَولى عليها بدوافع سياسية أو مذهبية أو غيرها من الأسباب من جانب الدولة، وأُحيلت على إدارة الوصايا والترب في وزارة الأوقاف، والموثقة في السجلات، وإعادتها إلى أصحابها, مشدداً على أن قضايا الأموال والأراضي المنهوبة لا تسقط بالتقادم. مؤشر إيجابي من جانبه اعتبر مصطفى نصر رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مشروع القانون مؤشراً إيجابياً وأول إجراء عملي لاسترداد الأموال المنهوبة منذ أحداث الثورة الشبابية السلمية عام 2011. وأوضح أن المقترح الأخير من قبل وزير الشؤون القانونية بشأن قانون استرداد الأموال المنهوبة، يأتي منسجماً مع المطالب الشعبية ومنظمات المجتمع المدني المعنية، باتخاذ إجراءات عاجلة في هذا الملف, مشيراً إلى أن الحكومة اليمنية لم تتخذ أي إجراءات عملية بشأن استرداد الأموال المنهوبة، قبل مناقشة هذا المشروع، منوهاً إلى أن الأمر يتطلب تشكيل فريق وطني مؤهل للشروع في إجراءات استعادة تلك الأموال، ومخاطبة الدول التي توجد لديها الأموال الخاصة بمسؤولين سابقين، عقب إجراء تحقيقات محلية مع ناهبي المال العام. وبين أن استعادة الأموال المنهوبة ستحل جزءاً من المشكلة الاقتصادية التي يعانيها البلد، لاسيما وأن التقديرات تشير إلى أن الأموال المهربة تزيد عن 30 مليار دولار، مطالباً الحكومة بالاستفادة من المبادرات الدولية في هذا الجانب في الضغط على الدول التي تتواجد فيها تلك الأموال المهربة. زوبعة سياسية إلى ذلك أصدر مجلس الأمن الدولي في 25 فبراير الماضي قراراً في شأن اليمن حمل الرقم 2140، رحّب فيه بعزم الحكومة اليمنية استحداث قانون استعادة الأصول، وأكّد دعم التعاون الدولي في هذا الشأن، من خلال مبادرة دوفيل . وفي هذا السياق كان لابد لنا من وجهة نظر قانونية لمعرفة رأيها حول مشروع القانون، وهنا يؤكد الدكتور عبدالكريم سلام الباحث والمستشار القانوني أن مشروع قانون استرداد الأموال المنهوبة ليس بعصا سحرية يمكن أن تعفي الإدارات والهيئات المعنية من ملاحقة ناهبي الأموال العامة, إذ لا يمكن للقوانين أن تتصدى للمفسدين بدلا عن نيابة الأموال العامة ومحاكم الأموال العامة والمحاكم الضريبية وعن هيئة مكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والرقابة والتفتيش في وزارة المالية ومجلس النواب ...إلخ من الهيئات والمؤسسات الدستورية وغير الدستورية. وأضاف: أنه بالحديث عن القوانين فهناك الكثير والكثير من القوانين التي تجرم الأعمال والأفعال المرتبطة باستغلال النفوذ والوظيفة العامة وتعاقب عليها بعقوبات مشددة في قانون الجرائم والعقوبات ولائحة الجزاءات المالية والإدارية، وقانون مكافحة الفساد والخدمة المدنية، وقانون الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة, وقانون المالية العامة وغسيل الأموال, والأوقاف. وأوضح سلام أن المشكلة ليست في قصور التشريعات والقوانين بل في قصور أداء المعنيين باحترام القوانين وبحماية الأموال العمومية والذي سيبقى على ما هو عليه مشلولاً وعاجزاً، و دليل فشله وعجزه أن يتقدم خطوة نحو القصور المنيعة لتحصيل قيمة فواتير الكهرباء والماء وغيرها. وتمنى أن لا يكون الأمر زوبعة سياسية تفتقد للجدية والمصداقية وان يكون هناك استعداد ذاتي أو مؤسسي أو قيمي لدى كل الأطراف السياسية بعيداً عن انشغالها بأسبقية الجماعة والفئة أكثر من انشغالها بأسبقية الدولة الوطنية، إذ إن القوانين بذاتها لا تقدم ولا تؤخر طالما لا توجد إرادة صادقة لفرض نفاذها. رأي أخير وتطالب وفاء عوض وهي موظفة حكومية أن يشمل القانون أيضاً الأوقاف المنهوبة.. وتشير أنها أيضاً بحاجة إلى الاسترداد و التجميد والمصادرة والحجز قبل أي من الأموال العامة.. وتتساءل: «كيف يمكن السكوت عن أوقاف احتسبها أصحابها لوجه الله فكانت النتيجة التعدي عليها لتصبح ملكاً خاصاً ؟».