في ثمانينيات القرن الماضي كتب نبي الشعر «البردوني» وهو يقترب من توصيف ثورة كان يرقبها في العقد الثالث من قيامها وهو يتأمل ملامح النظام المشوه الذي لم يحلم به ثوار الستينيات. قال البردوني في كتابه “اليمن الجمهوري”: كان سبتمبر الخمسينيات إمكانية تحاول تحقيق واقعها، وكانت سلطة الخمسينيات تحاول استجابة تحقيق الممكن.. كان السبتمبريون يحلمون بالستينيات ويعاركون الخمسينيات وكانت السلطة تحاول أن تتشكل بشكل الظروف. ويمكننا الآن بعد ثلاث سنوات من ثورة فبراير أن نستعير من البردوني ما كتبه عن الواقع الذي تشكل بعد الثورة بثلاثة عقود لنصف به ما نراه اليوم في ثورة فبراير. نحلم بوطن نتحسسه في أحلامنا ولكن الواقع يقهرنا بصوره المتناقضة. إذ إن العملية السياسية تكاد تكون مشلولة دون حراك.. لقد انتهى مؤتمر الحوار الوطني وليس في أيدينا غير وثيقة حالمة كتلك الأحلام التي في رؤوسنا. لكن ماذا عن شكل الواقع ؟ ومن الذي يملك إمكانية تطبيق هذه المخرجات غير دولة قوية تستطيع الضرب على أيدي الخارجين عن سلطة النظام والقانون. يحمل الشعب اليمني بداخله بذور التقدم والتطور ويتوق إلى نظام سياسي ينتشله من واقع الفقر والجهل والمرض.. هذا الثالوث المرعب الذي أقلق اليمنيين، ناهيك عن ما يحدث حالياً من أزمات مفتعلة تزيد الخناق أكثر على الشعب.. فأزمة الكهرباء والمياه والمشتقات النفطية تكاد تفوق كل التوقعات وتتخطى كل إمكانيات الصبر والتعقل، وقد تكون له عواقب وخيمة إن لم تتدارك الجهات المعنية بحلول عاجلة يتم فيها خلاص اليمن من هذا الواقع المزري. إنه شعب عظيم ولا يستحق كل هذه الآلام !! ثم إنه وبمقارنة بسيطة بين ثورة الستينيات وثورة فبراير يتجلى لنا فارق مهم.. فبعد شهرين من قيام ثورة 62 م اعترفت أمريكا بالنظام الجمهوري أما فرنسا وبريطانيا فلم تعترفا بالنظام الجمهوري إلا بعد التصالح في بداية السبعينيات.. أما عن السلطة الناتجة عن ثورة فبراير فإن تأييداً إقليمياً ودولياً يساندها منذ الوهلة الأولى ومع ذلك نرى كل هذه العثرات وهذا الواقع المغلوط.. ناضل آباؤنا كثيراً ليأخذوا شكلاً مميزاً ومكاناً لائقاً في الخارطة السياسية وها نحن اليوم نقف على أنقاضهم تائهين كعجوز قديم يتحسس البوصلة.