إن الصراع الطائفي الديني لا يولّد سوى الدمار والخراب للمجتمعات، هذا ما يسرده التاريخ على صفحاته، وهو ما يعانيه اليوم المواطن العربي على أرض الواقع. موجات العنف ذات الصبغة الطائفية الدينية ترتفع وتيرتها في المنطقة العربية خاصة في «العراقسوريا ليبيا»، مع محاولة جر «اليمن» إلى ذلك من قبل بعض القوى الإقليمية بحسب وصف المحللين السياسيين، مع أنهم يرجحون تفوق حكمة وعقلاء اليمن، رغم التحريض الإعلامي الخارجي لتدمير اليمن أرضاً وإنساناً. وتشير الإحصائيات التقديرية بأن عدد ضحايا العنف الطائفي في العراق فقط، خلال العام 2013م بلغت نحو «9.200» مواطن عراقي معظمهم من المدنيين، والمصابون بجروح ما يزيد عن «15.000» شخص، هذه إحصائية لعام واحد فقط، مما يعني ارتفاع عدد الضحايا إلى عشرات الآلاف من المدنيين خلال العشرة الأعوام الماضية. منظمة الصحة العالمية أكدت أن أعمال العنف الطائفية في المجتمعات تترك أمراضاً نفسية بين أوساط الناس متباينة الحدة يكون أغلبها ناتجة عن الإجهاد النفسي لما بعد الصدمة، وتعتقد المنظمة بحسب تقديراتها للعام 2008م، بأن «6» ملايين عراقي يعانون من أمراض نفسية؛ بسبب الصراع والعنف الطائفي، ويُرجح ازدياد الرقم مع تواصل العنف حتى اليوم. وذكرت منظمة «أطباء بلا حدود» العالمية في تقرير موسع لها عن الصحة النفسية في العراق أن العنف قد دمر العراق والمجتمع العراقي بالمجمل، مبينة أن عدد السكان المتضررين من وفيات العنف، جراء الإصابات أو فقدان الأحباء، أو مشاهدة أحداث العنف الأليمة يزيد عن الأرقام التي تُذكر أضعافاً مضاعفة. هذه الأرقام المفزعة لعدد ضحايا العنف والاقتتال والتفجيرات في العراق هي إحدى أوجاع الأمة العربية التي تتكرر اليوم في «سوريا وليبيا» بشكل مفرط وقاسٍ، وكذلك تعاني «اليمن ومصر» ولو بشكل أقل حدة ولكنها مؤلمة، ومازالت بعض المشاهد الدموية عالقة في أذهان اليمنيين كحادثة مجزرة العرضي التي وقعت في صنعاء مطلع ديسمبر من العام 2013م، وأسفرت عن سقوط «56» شهيداً من المواطنين الأبرياء من الأطباء والمرضى، وإصابة «176» آخرين بجروح، ثم تلتها مشاهد مأساوية خلال العام الجاري من ذبح للجنود بحضرموت وتفجيرات انتحارية في صنعاء.. كما أن أم الدنيا «مصر» أيضاً لم تسلم من العنف والتفجيرات التي تستهدف جنوداً وضباطاً؛ استشهدوا على إثرها بين الفينة والأخرى. هذا العنف الذي يغذيه ضعفاء النفوس تحت صبغة الإسلام لا ينطلي إلا على الجاهل، والدين الإسلامي بريء من قتل الناس. ويشير علماء الدين إلى أن التطرف وإزهاق الأنفس لا يمت للدين الإسلامي بصلة؛ كون الإسلام دين إعمار للأرض ورحمة بين المسلمين أنفسهم، وبيّن حتى مجتمعات الديانات الأخرى؛ لأن الدين الإسلامي دين الدعوة بالرفق والتعايش، ودين الإرشاد والنصيحة، دين حرص على عدم قطع شجرة، فكيف بدم المسلم، وحريص على حياة الذمي والمعاهد الذين هم ليسوا بمسلمين. موضحين بأن حرمة الدماء في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة لم تميز بين دم إنسان وآخر، ولم تنظر إليه حسب الجنس واللون والانتماء وإنما نظرت إلى الإنسان بكونه ذلك المخلوق الذي فضله الله على سائر المخلوقات. ويستوجب على المسلم التأمل في آيات كتاب الله وكذلك في طريقة منهج نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.. مشددين على عدم الانجرار وراء دعاة الفتنة والاقتتال بسبب الخلاف في الفكر والمعتقد؛ كون أبرز ما يميز هذا الدين هو حرصه الأكيد على تأمين خلق الله كافة وعدم ترويعهم. ويرى الباحثون والأكاديميون في علوم التاريخ أن الصراع والحروب الطائفية دمار للشعوب والأخلاق الإنسانية، وليس فيها منتصر أو مهزوم، ولا يمكن للحرب أو العنف أن يجتث فكراً أو معتقداً، وكذلك لن تستطيع أية فئة أن تمحو فئة أخرى. منوهين بالكوارث المأساوية التي حدثت في السابق للمنطقة العربية أو في مجتمعات أخرى كالمجتمع الأوروبي الذي أشبع تراب أراضيه دماً؛ جراء الصراع الطائفي للديانة المسيحية «المنقسمة إلى ثلاث طوائف رئيسة كبرى، مع ما لا يحصى من الطوائف الصغيرة الفرعية»؛ حين نشبت بينهم حرب أطلقت عليها ب«حرب الثلاثين عاماً» كانت هي الأعنف والأكثر وحشية في تاريخ الانقسام الديني في العالم أجمع. وقد تخللتها حروب وعمليات إبادة لملايين الناس الأبرياء بصورة تفوق الوصف مزقت أوروبا بين عامي 1618 و 1648 م التي وقعت بين البروتستانت والكاثوليك.. وكذلك الحرب الأهلية اللبنانية التي بدأت بين قوى مسيحية وإسلامية ثم تطورت لتشمل بقية الطوائف ودامت لمدة أكثر من «16» عاماً، ارتكبت على إثرها العديد من المجازر الوحشية بحق المدنيين الأبرياء كمجزرة «الكرنتينا» التي قامت بها مليشيا مسيحية راح ضحيتها «1500» شهيد من المدنيين.. وأيضاً مجزرة «صبرا وشاتيلا» الواقعة في العام «1982م» وهي تُعد من أبشع المذابح في تاريخ البشرية، ويتراوح عدد الشهداء في هذه المجزرة حوالى 4 آلاف شهيد من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين العزل من السلاح، التي كانت بقيادة عديم الرحمة آرييل شارون عندما استغل الصهاينة العنف في لبنان كما تستغله اليوم في الوطن العربي. ويدعو الباحثون والأكاديميون إلى الاستفادة من قراءة التاريخ للشعوب والمجتمعات وإعادة خطابنا الإعلامي لتوحيد الصف اليمني والعربي والإسلامي وتصحيح المفاهيم الدينية بعيداً عن الاقتتال بين أبناء البلد الواحد والدين الواحد. الكثير من الشباب اليوم يأملون بأن تكون اليمن النواة الأولى في نموذج التعايش وتوحيد الصف للأمة العربية بعيداً عن ثقافة التعصب والعنف التي لا تبني وطناً.