قد يكون الانتحار أحد الظواهر التي تنتج عن فقدان مشاعر الأمن وبروز مشاعر الإحباط واليأس من قبل المنتحر ذاته لكن ربما في اليمن قد يكون المنتحر كغيره مصاباً بحالة عزلة قد لا تكون طبيعية ومنكمشاً وقلقاً وغير قادر على الخروج من تيهان يغريه، إن الموت هو شيء طبيعي ونهائي لمثل حالته، أحد المختصين النفسيين أكد أن الانتحار قرار سريع قد لا يستغرق بضع دقائق، لأن التفكير الطويل قد يخلق تراجعاً وتحسراً لو اختار المنتحر مثل تلك المراجعات ،إذاً فالانتحار حالة جنونية قاتلة وأحيانا موجعة. غياب التكيّف لدى المنتحر ظاهرة الانتحار تكشف عن واقع حياتي للكثير من الأشخاص والذين يجدون صعوبات في التكيّف مع محيطهم، هذا الإحساس الغريب يجعل الشخص المنتحر يعاني من سلوك يجعله غير قادر على الخروج من زاوية متعصّبة للحكم على كل تلك الظروف التي يعيشها بسوداوية وتتشكّل تلك الحالة العقيمة في تفكيره وفي تعاملاته وعلاقاته وطريقة بناء خياراته التي يعتمد عليها أحياناً كما أن ظاهرة الانتحار تعتمد على تغيب مرتكزات الإيمان في الالتزام بسلوك الصبر والإحساس بوجود الله، فكلما كان الشخص أكثر قرباً من معتقده الإيماني الذي يعطيه حق الابتعاد عن الأشياء التي تلحق الضرر به وبغيره وتكون نتائجها وخيمة كلما أحسّ أن الأمور ليست بتلك السهولة وأن الارتباط في الحياة التي يغيبها. المنتحر يتعصّب لتدمير ذاته تتعمق حالة اليأس أو كما يسميها أحد المختصين النفسيين حالة عزلة كبيرة واكتئاب واضح لمن ينجر في الأخير إلى تحقيق ظروف مأساوية يسلكها المنتحر لتدمير كل شيء في حياته، ويلخص تجربة مريرة تظل تجسد عمق الأزمة النفسية والاجتماعية والمادية التي يعيشها ليقرر في لحظة ما أن يُنهي حياته بشكل أكثر وحشية، لذلك تشكّل حالة الانتحار جزءاً من أزمة تلخص الفوارق والخيارات التي تختلف من أشخاص إلى آخرين وكلها ترتبط بمدى القدرة على إيجاد الحلول والتكيف مع المتغيرات والإيمان بمدى القدر والابتلاء وهذا يعزّز الثقة ويخلق جواً من الحلول في حال كان هناك من يفكر بما يجب أن يفعله ويحققه دون إبراز حالة الإضرار الذاتي التي تكون البداية في اتساع حالة التفكير المنغلق والذي يعزّز حالة الخيار الانتحاري الذي يؤدي إلى إنهاء كل شيء لمجرد أفكار غير واضحة وقاصرة وغير عقلانية يعيشها الشخص الذي يختار الانتحار وتتسع مثل هذه الفجوة ويستبعد الشخص اليائس والمحبط أي خيار يساعده للخروج بأفكار بنّاءة تجعله أكثر ثقة ونشاطاً علاقاتياً وحلول واضحة مرتبطة بمدى ما يجب أن يفعله على الجانب الاجتماعي والاقتصادي. مواجهة الضغوط والنمط الشخصي يعزو الأستاذ سامي عبد الجبار - ماجستير علم نفس في جامعة تعز والمتخصّص في الجانب الكلينكي أن ظاهرة الانتحار تتزايد في اليمن نتيجة تفاقم الوضع المعيشي فيما هناك جانبان يرتبطان بالشخص في خلق مثل هذه الظاهرة هما الجانب الخارجي والجانب الذاتي فيما يرتبط الثاني بالوضع الشخصي للمنتحر حسب توصيف الأستاذ سامي وطريقة تعامله مع الضغوط المحيطة به، وكذلك نمط الشخصية، وقد تتطوّر حالة هذا الشخص ليصبح من الأشخاص المكتئبين، ومثل هؤلاء الأشخاص حسب رأي الأستاذ سامي ينظرون بسوداوية وبتشائم شديد إلى كل شيء محيط بهم. ويتناول الأستاذ سامي الجانب الخارجي المتعلّق والمرتبط بأي شخص وهو الجانب الخارجي الذي يحيط بأي فرد ويتكون من مجموعة الضغوطات المختلفة، وهناك ضغوط اجتماعية واقتصادية وضغوط مهنية وأسرية تلك الجوانب حسب ما يؤكد الخبير النفسي تؤدي إلى إنهاك الشخص وإصابته ببعض الاختراقات النفسية، فيما يلعب ضعف الجانب الديني جزءاً من هذه الأزمة وتطوّرها عند من يُقدم على الانتحار، وهناك الكثير من إقدام من المنتحرين على تنفيذ مثل تلك الخطوات وقد يفشل بعض من المنتحرين في تحقيق تلك المحاولات. مشاكل اجتماعية ومادية وراء تنامي الظاهرة فيما يرى الدكتور محمود البكاري - المختص في علم الاجتماعي السياسي - جامعة تعز، إن ظاهرة الانتحار تعد من الظواهر الخطيرة والطارئة على مجتمعنا اليمني، حيث بدأت بالانتشار وخاصة في أوساط الشباب والفئات الاجتماعية الفقيرة. وعلّل الدكتور البكاري سبب انتشار الانتحار في اليمن إلى تنامي ظاهرة الفقر بشكل أساسي وغياب وجود البدائل والحلول لهذه الظاهرة وأوضح الدكتور محمود أن ظاهرة الفقر هي التي تنتج عن ظاهرة البطالة وغياب فرص العمل والعيش الكريم، ونوّه إلى أنه يمكن التفريق بين نمطين يؤديان إلى حدوث الانتحار نمط يرتبط بحالات الفقر ونمط آخر يرتبط بحالات الغنى والترف المعيشي الذي يوصل بعض الحالات إلى الاكتئاب ومن ثم الانتحار ومن هذا المنطلق يمكن تصنيف ظاهرة الانتحار في اليمن بأنها ترتبط بشكل أساس بظاهرة الفقر. ارتفاع حصيلة الانتحار في عام 2012 أعلنت وزارة الداخلية أنها رصدت وقوع 120حالة انتحار خلال النصف الأول من العام ذاته، وكانت حصيلة شهر نوفمبر وهو الشهر الأخير من نهاية العام هي حدوث 30 حالة انتحار نجم عنها وفاة كل تلك الإحصائية كان بينهم 8 أطفال و5 نساء، وأوضح تقرير عن مركز الإعلام الأمني في تلك الفترة أن 16 شخصاً من المتوفين في حالات الانتحار تراوحت أعمارهم بين 18 و 35 عاماً بينما تراوحت أعمار ثمانية آخرين بين 11 عاماً و 17 عاماً، والستة المتبقون كانت أعمارهم ما بين 36 و 55 عاماً وفي ذلك العام وطبقاً للحالات التي تم رصدها من شهر يناير إلى شهر يونيو جاءت محافظة الحديدة في المرتبة الأولى بعدد 24 حادثة تلتها محافظة تعز ب19 حادثة ثم أمانة العاصمة ب 14 حادثة وكان نصيب محافظة حجة هو 13 حالة، فيما محافظة مأرب حلّت في المرتبة الخامسة في مستوى الذين انتحروا خلال ذلك العام. أما في عام 2013 فقد زاد عدد المنتحرين حسب إحصائية رسمية وذلك بعد أن سجلت 251 محاولة انتحار، وهو حسب التقرير الرسمي يعد ثاني أعلى مستوى بعد العام 2012 ، حيث قام 253 من الأشخاص بإنهاء حياتهم، وحسب التقرير الصادر عن وزارة الداخلية فإن من بين المنتحرين 62 من الإناث و 47 من الأطفال و13 من حاملي الجنسية الأجنبية. وأكد التقرير أن تلك الحوادث وقعت في 20 محافظة من أصل 21 محافظة، حيث جاءت أمانة العاصمة في المرتبة الأولى بعدد 45 حادثة تليها محافظة تعز والتي حملت 36 حادثة، ثم محافظة الحديدة ب33 حادثة، وتوزّعت بقية الحالات على العديد من المحافظات، وكانت محافظة المهرة هي الاستثناء والتي لم تسجّل أي حالة انتحار. وفي عام 2014 تطرّقت منظمة الصحة العالمية إلى أن حوادث الانتحار وصلت إلى 800 ألف من الأشخاص الذين ينتحرون سنوياً حول العالم، أي أن هناك شخصاً ينتحر خلال كل 40 ثانية، وقالت المنظمة إن الانتحار بلغ 75٪في البلدان المنخفضة والمتوسطة في الدخل وكشفت المنظمة أن أكثر الأساليب شيوعاً هي شرب المبيدات الحشرية والشنق والأسلحة النارية وأن أكثر الفئات العمرية الأكثر توجهاً إلى الانتحار هي لمن تخطون سن السبعين والشباب ما بين 15 إلى 29 من السنوات، واللافت في ذلك التقرير كونه تطرق إلى حالات الانتحار في اليمن والذي نشرته المنظمة على موقعها الإلكتروني حيث لقي ما يقارب 733 شخصاً في اليمن حتفهم جرّاء الانتحار، حيث بلغت نسبة حالة الانتحار في أوساط الذكور (413) أما في وسط الإناث فكان العدد (320)، وتشير بعض الإحصائيات والتقارير إلى أن حالات الانتحار في اليمن في تزايد مستمر، فمنذ منتصف التسعينيات إلى العام ما قبل الأخير فإن معدلات اختيار الانتحار أصبح لافتاً، حيث بلغت نسبة الانتحار ما بين 1995 إلى عام 2011حوالي 1211، وتبين أن 120 حالة انتحار وقعت خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2001 وذلك من خلال استخدام الرصاص والشنق، وكذلك إحراق النفس وتناول السموم والعقاقير الطبية، وكانت نسبة عدد حالات الانتحار بين النساء قد وصلت إلى 41.7% ضعف الوازع الديني وسوء التقدير يعتقد الدكتور فؤاد البناء - المتخصّص في الفكر الإسلامي السياسي أن ظاهرة الانتحار هي من أعراض الأزمة الإيمانية والتي يُعاني منها المجتمع حديثاً، وأن الانتحار حسب ما يؤكده الدكتور البناء مثله مثل بقية الكبائر والتي يُشير إليها العلماء على أنها كل ذنب توعد الله صاحبه بالنار ، أي من فعل كذا فله النار ومن ضمنها المتردّي أو المنتحر. وقال الدكتور البناء “التردي أو الانتحار هو انعكاس واضح لضعف الاتجاه الإيماني وهو وصول الإنسان إلى حالة من اليأس وبذلك يكون الانتحار داخلاً في إطار الكبائر التي حدّدها العلماء والذين أوضّحوا أن الكبائر هي أقرب للسبعين منها إلى السبعة. وأضاف البناء: إن المؤمن هو الذي يتجنّب مثل تلك المنزلقات وخاصة الانتحار، لأنه لا يمكن لإنسان أن يكون مستحضراً لله في عقلة وقلبه وبنفس الوقت يرتكب أية كبيرة من الكبائر والتي وعد الله عزّ وجل فاعليها بالنار، والانتحار حسب رأي البناء هو تعبير عن اليأس الموجود ولذلك فاليأس كفر كونه يوصل صاحبه إلى ارتكاب الجنايات الكبيرة بحق نفسه وبحق مجتمعه. واعتبر البناء أن وجود أزمات اجتماعية وسياسية واقتصادية تسيطر على المجتمع قد تكون مؤشراً على اختيار الكثير للانتحار وهناك أيضاً أزمة أخلاقية حيث تتضافر كل تلك العوامل وتُوجد حالة من اليأس والإحباط في وسط عدد من الناس ولا يمكن الابتعاد عن تلك العوامل إلا من خلال الإيمان بالقدر. الترابط والانسجام يحمي الأفراد من الانتحار ويُرجع الخبير النفسي، الأستاذ سامي عبدالجبار إقدام البعض على الانتحار إلى عدم نضوج الشخصية وتهوّرها، فهي شخصية لا تستطيع أن تحل مشاكلها بشكل سليم وهو يعمل على الحل لكن عن طريق إلحاق الضرر بالنفس ويتبع أسلوباً غير عقلاني ومنطقي كما أن اختيار هذا الأسلوب يدل على وجود اضطرابات نفسية حسب تعبيره في الشخص الذي يفكر في الانتحار أو يُقدم عليه من خلال وجود أعراض الاكتئاب وبشكل كبير من خلال النظرة الدونية وعدم المبالاة بالحياة وكذلك عدم الرغبة في العيش والشعور بالذنب دائماً ودائماً ما يعود الشخص المضطرب والتي يتناوب عليه مؤشر الانتحار إلى الماضي وتكون حياة ذلك الشخص كلّها سلبية وترى أن الاستمرار في الحياة ثقيل عليه وعلى المجتمع الذي يعيش فيه. ويختلف الخبير النفسي في كون ظاهرة الانتحار مرتبطة بالمجتمع الريفي لوجود حالة من التخلف والجهل الذي يصيب الكثير من الأفراد في تلك المناطق بل ويعتقد أن المجتمع المدني هو الذي قد يكون عرضة لحالة الانتحار بكثرة، كون المجتمع الريفي يتصف بالانسجام فيما المدنية لا تحمل مثل هذا التوجه، فالفرد في المدينة كل واحد يعيش بمفرده لكن المجتمع الريفي يتصف بالترابط والتكامل الاجتماعي ووجود عامل المساندة وهذا يجعل الفرد بعيداً عن الضغوطات الشديدة التي تتعرّضه. ويُطالب الأستاذ سامي بضرورة أن تكون هناك توجهات من المدرسة من خلال وجود الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين وذلك لتوعية المعلمين في الصفوف الأولى لتؤهلهم لمعالجة الكثير من الجوانب المتعلقة بالمجال النفسي للطفل لأن المراحل الأولى تقوم على حشو المعلومات ويرى الدكتور سامي أن هناك العديد من الجوانب التي يمكن أن تدخل في جانب التنشئة الاجتماعية الحديثة ويجب أن يتعلّم المعلمون تحاشي الكثير من الجوانب وذلك ضماناً لاستمرار الصحة النفسية للطفل وفتح مداركه لمعالجة الكثير من المشاكل والظروف والضغوطات. خلل اجتماعي وتمزّق أسري ويرى الدكتور محمود البكاري، الأكاديمي في علم الاجتماع أن الظاهرة وانتشارها في بنية المجتمع اليمني تعكس وجود خلل اجتماعي كبير في بنية المجتمع، لأن الفرد هو جزء من المجتمع يؤثر ويتأثر سلباً وإيجاباً بالواقع المجتمعي المحيط به وهذا يهدّد النسيج الاجتماعي الكلي بالتمزّق. ويحذّر البكاري من نتائج الانتحار، لأن الفرد المنتحر وفي الغالب يترك خلفه أسرة بدون عائل وهكذا ومع توسّع هذه الظاهرة تزيد حالات التمزّق الأسري الذي يؤدي إلى نتائج كارثية أهمها تشرّد الأبناء وخاصة في حالة عدم وجود عائل، ما يجعل الأسرة عرضة للضياع لا سيما وأن مؤسسات الرعاية الاجتماعية وكذلك سياسات الضمان الاجتماعي لا تحقق الدور المناط بها في حماية الفئات الاجتماعية من التصدّع والانهيار. ويُطالب البكاري الدولة بأن تقوم بدورها لأن الإنسان أغلى ثروة ورأسمال، وهو الرأسمال البشري ولذلك فإن السياسات الرسمية في المجال الاجتماعي لا تخدم ولا تهدف إلى تحقيق التنمية البشرية التي يمثّل الإنسان هدفها ووسيلتها، ويتهم البكاري المجتمع على أنه يتعامل بطريقة سلبية مع المنتحر حيث ينظر إليه على أنه شخص فاقد الأهلية في حين لا ينظر إلى الجانب الأهم وهي الأسباب التي أدت أو دفعت بالشخص إلى أن يتخذ القرار بإنهاء حياته، وهو من أصعب القرارات لكنها في لحظة تصبح الخيار الصعب لدى المنتحر للتخلّص من ضغوطات وأعباء الحياة، ويتفق البكاري على أن هذه الظاهرة تعد من المحرمات شرعاً كونها تؤدى إلى إزهاق نفس لكن ربما أن أغلب المنتحرين لا يعلمون عن ذلك شيئاً وهذا ناتج عن جهل بأحكام الدين أو أنها تكون كما أشرنا خياراً اضطرارياً.