موجة التجديد والحداثة وما بعد الحداثة وما وصلت إليه صناعة الرواية في الغرب والبلدان العربية تتطلب من الروائي الخروج من الكتابات التقليدية إلى عالم التجريب, الابتعاد من التفاصيل المملة المترهلة إلى حيث الاختزال والتنوع في الطرح, عليه أن يمسك خيوط التنوع لخدمة النص الأدبي, هذا ما نجده واضحاً في رواية (فندق كويستيان) للروائي خضير فليح الزيدي, الذي فتح باب التجديد على مصراعيه ليدخل في عالم الرواية الحديثة, والتي تبيح للروائي أن يتناول أساليب متعددة وجديدة حيث اقتضت الحاجة إلى ذلك, إضافة إلى أنه ضم بين دفتيه روايته طرقا من الاختزال في أسلوب كتابتها حيث استطاع أن يخرج من التناول القديم في جعل الحوار منفصل عن السرد بل أن السرد والحوار في سياق متصل, إضافة إلى الرموز والدلالات الكبيرة التي تشير إلى تاريخ طويل من الحروب مثل(فوق السبعة, تحت السبعة) فتحت السبعة تعني حرب الثمان سنوات وفوق السبعة تعني الحرب الطائفية المقيتة التي حدثت بين الإخوة السنة والشيعة في البلد بعد عام 2007. وقد كانت الميتا سردية واضحة جلية في نص الرواية إذ أن هناك مخطوطة رواية (حديث الريم ) في سياق النص الروائي وهي محور من المحاور الرئيسية للأحداث, وكذلك استخدم الروائي الميتا لغة في السرد حيث ادخل اللغة العامية ضمن المتن العام وجاء ذلك بطريقة ذكية وفي خدمة النص, إذ أن هذا التناول لم يقلل من قدرة الرواية في التناول المتجدد بل جعلها أكثر تماسكاً , اكثر متعة, أكثر تشويق, واستطاع أيضاً أن يتخلص من عشق البطل الواحد. وكانت مهمة السرد بالتناوب بين ناصر رشيد فوزي وعلي هادي أو (علي أبو الجرايد) وبالرغم من أن إحساسنا يشير إلى أن بطل الرواية هو ناصر رشيد فوزي إلا أنه جعل كل من في الرواية أبطال ولم يميز في ذلك بين أبطاله, لأن غايته في التناول أن تكون الثيمة هي المحور الرئيسي البارز في الرواية وتنوعت الأساليب فتارة يلجأ إلى (الفنتازيا) وأخرى يلجأ إلى السخرية المؤلمة وتارة إلى فن المقامة وحتى أسلوب التحقيق الصحفي وهذا التنوع خلق حساً متجانسا متناسقاً ومنظم في التناول ليضع أمامنا أحداث ممتدة لأكثر من 23 سنة فناصر رشيد فوزي وصديقه علي هادي كانا في أتون الحرب ثم تحولاً إلى الخدمة غير المسلحة وانتقلاً إلى مركز تسليم الشهداء وكانت مهمتهما عسيرة وصعبة في استلام وتسليم الموتى, ولصعوبة الحياة وسط الموتى, في رصهم في البرادات, أو عمل التوابيت, والدماء, ورائحة الجثث المتعفنة التي تشبه رائحة التفاح العفن يقرر ناصر وهو كردي الجنسية الهرب إلى ألمانيا ,(كانت حرب الثمان في عامها الخامس وعلى أوجها, اخبرني في ليلة عجفاء من ليال مركز الجثث وبسرية تامة. بعد أن دثر جسمه وراسه معي بنفس البطانية قال لي بهمس مخيف صديقي علاوي أنا يروح غدا في إجازة بعد ما أرجع) ويعيش هناك إلا أن في داخله الحنين للعودة لأسباب عديدة أهمها حب الوطن وشوقه الذي بقي متأججاً لتلك المرأة (رباب حسن) التي شاءت الصدف أن يجلس جنبها في سيارة (الريم) المتوجهة من بغداد إلى البصرة وما حدث بينهما جعله يكتب مخطوطة رواية اسماها (حديث الريم) فهذه السيدة قدمت إلى البصرة للبحث عن زوجها الذي فقد أثناء الحرب, وبالرغم من النصائح في ألمانيا عن العدول عن قراره في العودة إلى بغداد حيث كان الصراع محتدم وفي أوجه عام 2007 بين الإخوة الشيعة والسنة لأنه سوف يلقي بنفسه وسط بركان نار ملتهب إلا أنه لا يحيد عن قراره لأن الإشارة في مدخل الرواية يشير إلى أن هذه السيدة تركت أثار حب ووئام وعشق روحي ولا يمكن أن ينساها (لوجودها في عالمي الصغير نكهة مميزة كطعم نكهة قهوة الصباح. أما وجودها في عالم أوراقي كفضاء فسيح ابيض راقص, رغم أزيز الرصاص قرب نافذتي) وهذا التنوع في التناول يجعل المتلقي في غاية الدهشة وهو يحث خطاه في فضاء الرواية, وعند عودة ناصر إلى بغداد يتصل بصديقه علي هادي ويصل إليه ويساله عن مخطوطة روايته وقد علم أنه سلمها إلى مكتبة حنش وصاحب المكتبة كريم حنش وتشاء الصدف أن يحصل هذا الانفجار الهائل في شارع المتنبي تلك الواقعة المؤلمة التي احترقت فيها آلاف الكتب وتجدر الإشارة إلى أن في مدخل الرواية قصيدة عن انفجار شارع المتنبي للشاعر الأميريكي (براين ترنر) مترجمة (المباني تحترق, والمقاهي, والقرطاسيات, ومكتبة النهضة، عمود هائل من الدخان, راس سندان اسود يتدفق صاعداً) فيتوجس خيفة من ضياع مخطوطة روايته ويصل إلى صاحب مكتبة حنش كريم حنش فيجده ويبحث عن المخطوطة ويعثر عليها ولان هذا الشارع الصرح الثقافي الكبير في بغداد معروف من قبل الأدباء فقد استطاع الروائي مرافقة المتلقي في دواخل هذا العالم الثقافي كما أنه يصف لنا وبشكل ممتع الاتفاق الذي يتم بين الأديب والناشر حيث يطلب منه حذف فصل كامل من روايته ويصر ناصر الاستمرار في محاولة طبع روايته ويسكن في البتاويين في فندق كويستيان الذي كان اسمه موسوماً للرواية وهو متطابق تماماً ومتناسق مع الأحداث السردية في الرواية ويشكل العنوان محوراً أخر مهماً من المحاور المتناولة لغرابته وخطورة الحياة فيه إذ أن هذه المنطقة من بغداد تعج بفوضى غريبة من الحياة فيها أنواع كثيرة من الجرائم التي خلفتها الحروب, الاختطاف, القتل (العلاسة) كما أشار إليها الروائي, إضافة إلى غرابة الزبائن في هذا الفندق, ونعيش في عالم كبير وسط فضاء الرواية البلد بكل ما فيه وما يحدث فيه من كوارث, ولم يستكين أو يهدأ ضل دائم البحث عن رباب حسن حتى عثر على العنوان وقد كانت في أكثر مناطق بغداد سخونة وحرباً فالذي يذهب إلى منطقة حي الجهاد في ذلك العام لن يعود إلا إذا كتبت له حياة جديدة، إلا أنه يقرر الذهاب بعد أن يتصل برباب ويعرف العنوان وهذه كانت نهاية ناصر رشيد فوزي الذي لم يعد بعد. وقد بحث عنه صديقه علي هادي, رواية فندق كويستيان للروائي خضير فليح الزيدي إضافة متجددة لعالم الرواية العراقية الجديدة, وهي التجربة الثانية في مجال اشتغالاته في الحداثوية إذ كانت تجربته السابقة في رواية الباب الشرقي, وأن تجربة الروائي هي موجة جديدة متتابعة في فن صناعة الرواية في العراق.. [email protected]