السقلدي يدعو لاعتصام جماهيري امام بوابة القصر الرئاسي بعدن    تغاريد حرة .. حقبة ملعونة بالغباء والجهل    زيارة لجنة البركاني لابين لفتح طريق ثرة هدفها تسهيل دخول الحوثي والقاعدة وداعش    مايجري في عدن ليس أزمة عابرة بل إنهيار ممنهج وعقوبة جماعية    انتقالي شبوة يرفض لجان البركاني اليمنية ومجلسه المنتهي الصلاحية    نادية الهمداني تناشد القضاء ومحافظ صنعاء ضبط متلاعبين بقضيتها    مصافي عدن تكشف عن اعمال صيانة واعادة تشغيل وحدات حيوية ورفع القدرة التخزينية    الأمم المتحدة تعلن عن اتفاق طرفي الصراع في تعز لإدارة منظومات إمدادات المياه    عناقيد العطش… ومآذن الجوع في وطنٍ يُصلب كل يوم    لماذا امتنعت إيران ومحور المقاومة عن قصف مفاعل ديمونة في حين قصفت إسرائيل منشآت نووية إيرانية..؟    ما هي "مهمة الرب" التي قال ترامب إنه مرسل لتنفيذها، وإنه لا يمكن لأحد إيقاف ما هو قادم؟    عفرا حريري ومها عوض نجمتان في سماء عدن    احتجاز الناشط سند العبسي في ظروف سيئة بصنعاء وشروع في ترحيله إلى تعز    صرخة في الفضاء الفارغ    الجرادي: القرآن يهدم خرافات الحوثي لذلك يشنون حملات ضد معلميه    الضالع: وفد من منظمة "سيفيك" الدوليةيزور النقاط الأمنية المؤمّنة لطريق الضالع–صنعاء في منطقة مريس    الهيئة السياسية تثمّن تحركات الرئيس الزُبيدي الدبلوماسية لتعزيز قضية شعب الجنوب في المحافل الدولية    - صحفي يمني يتحدى محافظ ريمة الحباري ان يصل جبل ظلملم بسيارته ويراهنه فما قصته ؟    الإسناد اليمني باق والرعب الصهيوني يتمدّد    شرطة المهرة تضبط 129 مطلوبًا وتفكك شبكات تهريب خلال النصف الأول من 2025    نذر انفجار شعبي في عدن.. غليان بسبب حرب الخدمات    الحميري .."مقاوم مع سبق الإصرار" !    المنتخب المكسيكي يتأهل لنهائي الكأس الذهبية لكرة القدم    هيئة المواصفات تنفذ حملة تفتيش مفاجئة للمنشآت الغذائية وغير الغذائية    تصعيد خطير في لبنان.. عدوان إسرائيلي مكثف بعد عملية اغتيال    الرئيس المشاط يعزي في وفاة الحاج محمد ذياب المقراني    العثور على ترنيمة بابلية عمرها 2100 عام    - 36 ألف دولار للمشاريع الفائزة في اختتام النسخة الثانية من مختبر الابتكار الاجتماعي اقرأ عن المشاريع الفائرة!    عدن تغرق في الظلام والحر.. والحكومة تقر جلسة استثنائية "قادمة"!    بعد وفاة جوتا.. من هم الرياضيون الذين رحلوا بحوادث سير؟    فكري الحبيشي يسدل الستار على 18 عاماً من التألق: مهرجان اعتزال يكرّم أسطورة الهجوم اليمني    حكيم العرب "أكثم بن صيفي" يصف رسول الله وهو الرابعة عشر من عمره الشريف    هيئة التامينات تعلن صرف نصف معاش    الأمانة العامة للانتقالي تختتم ورشة تدريبية حول مهارات التواصل وإدارة الحوار الدعوي    وزير التربية يلتقي مدير أمن عدن لمناقشة التعاون والعمل المشترك    الخسارات الضافرة    مصرع ديوغو جوتا مهاجم نادي ليفربول    وفاة وإصابة 23 مدنيا إثر قصف طيران حوثي مسير محطة وقود في تعز    ريال مدريد على موعد مع أرقام قياسية جديدة في كأس العالم للأندية    انفجارات تهز مدينة تعز والكشف عن السبب الحقيقي والضحايا    دخول 150 إرهابي أجنبي إلى لبنان للتخريب بتكليف من نظام الجولاني    إن لم يُنصَف الأكاديمي والمعلم اليوم، فأي جنوب سنبنيه غداً؟    - خلاف حاد بين الغرفة التجارية ووزارتي الاقتصاد والمالية في صنعاء اقرا السبب    حمد الله تاسع مغربي يحمل الشعار الأزرق    بندر عدن.. ومآسي الزمن    هل يكتب عبدالرزاق حمدالله فصلاً جديداً من المجد مع الهلال في كأس العالم للأندية؟    "النمر" يكشف خطأ شائعًا: خفض الكوليسترول لا يقي من الجلطات والوفيات إلا باتباع طرق مثبتة طبيًا    "ملائكة السيدة ماريا" رواية جديدة ل"عبد الفتاح اسماعيل"    دراسة : ممارسة الرياضة تساهم في التغلب على مرحلة ما قبل السكرى    التعليم في جحيم الصيف وعبء الجوع    مونديال الاندية : ريال مدريد يتخطى يوفنتوس الايطالي بصعوبة ويتأهل للدور المقبل    الجوبة وماهلية ورحبة في مأرب تحيي ذكرى الهجرة النبوية    الكثيري يشيد بجهود وزارة الاوقاف والإرشاد في تنظيم موسم الحج ويؤكد أهمية ترشيد الخطاب الدعوي الديني    تصورات خاطئة عن الآيس كريم    استخراج 117 مسمارا من بطن مريض في لحج (صور)    - والد زينب الماوري التي تحمل الجنسية الأمريكية ينفي صحة اتهامها لابن عمها؟    الحديدة: صرف 70 مليون ريال مساعدات للنازحين    شركة النفط والغاز تنظم فالية بذكرى الهجرة النبوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعض المستويات الأخرى من القيم والمقاصد
إسقاطات التراث على الواقع
نشر في الجمهورية يوم 09 - 01 - 2015


(2)
هناك مستوى آخر يتفرّع عن القيم والمقاصد العليا تندرج فيه:
القيمة الأولى: الكرامة الإنسانيَّة: قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (الإسراء:70)، وهذا المقصد يقتضي أولًا: احترام آدميَّة الإنسان؛ فلا يكْرَه على شيء؛ لأنَّ الله جل شأنه قد سبق منه الإذن لهذا الإنسان المكرّم أن يأتمنه على حريّته في الاختيار، في اختيار الدين، فلا إكراه في الدين {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}(هود:28)، {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ}(الغاشية:22)، {..وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ ..}(ق:45)، وحين أبدى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حرصًا شديدًا على إنقاذ الناس بالإيمان، قال الله له (جل شأنه) معاتبًا:{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} (الكهف:6)، {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}(الشعراء:3)، ثم قال له: {..أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ}(يونس:99)، وحين يمنح الله (جل شأنه) الإنسان هذا الحق وهو أهم حقوقه (جل شأنه) عليه أن يؤمن به ويعطيه الخيار:{وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ...}(الكهف:29)، فلا يمكن أن يسمح لأحد آخر أن يكرهه على الولاء له مهما كان مركزه أو درجته أو مكانته.
ثانيًا: حق التعبير: وقد ضرب الله لنا مثلًا رائعًا في قوله تعالى:{ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ، الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ، وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}(النحل:75-76)، فالله (جل شأنه) يعطي العبد حريّته في التعبير عمّا يريد، ويرد عليه حين يخطئ، فإذا قال اليهود: يد الله مغلولة، يرد عليهم: بل يداه مبسوطتان يُنفق كيف يشاء{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ؛ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء...}(المائدة:64)، وكل ما قاله المشركون والكفار ردّ عليه بطريقة مماثلة.
ثالثًا: الحق في الخصوصيَّة: فليس لأحد أن ينتهك خصوصيَّات الإنسان، ففي جسده سواء أكان ذكرًا أم أنثى أجزاء سمّيت ب«العورة» ليس لأحد أن يكشف سترها، إلا بحقها، وفي ظل قيود خاصَّة، ولبيته حرمته لم يبح الله لأحد أن ينتهكها، أو يجترئ عليها بحال؛ ولذلك فإنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين دخل مكّة وفيها أعداؤه وأعداء أصحابه الذين طالما عذّبوهم وأهانوهم وسلبوا أموالهم، قال: «... من أغلق عليه بابه فهو آمن ...»، فبالرغم من كونهم مقاتلين لم يمنح أحدًا من أصحابه حق اقتحام أي بيت من تلك البيوت أو انتهاك حرمتها؛ وذلك لإعلاء شأن حق الخصوصيَّة.
ورُوي أنَّ رجلًا اطَّلع من جُحرٍ في بابِ رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ) ومع رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ) مُدرًى يُرَجِّلُ به رأسَه، فقال له رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ): “لو أعلمُ أنك تنظر، طعنتُ به في عينِك؛ إنَّما جَعلَ اللهُ الإذنَ من أجلِ البصرِ”[1] دليلًا على حق الإنسان في الدفاع عن خصوصياته، كما رُوي أنَّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - كان يعس في المدينة من الليل، فسمع صوت رجل في بيت يتغنّى، فتسوّر عليه، فوجد عنده امرأة، وعنده خمر، فقال: يا عدو الله، أظننت أن الله يسترك وأنت على معصيته..؟! فقال: وأنت يا أمير المؤمنين، لا تعجل عليّ؛ إن أكن عصيت الله واحدة فقد عصيت الله في ثلاث، قال الله تعالى: {..وَلَا تَجَسَّسُوا..}(الحجرات:12)، وقد تجسّست، وقال الله عزّ وجل: {...وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى، وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا...}(البقرة:189)، وقد تسوّرت عليّ ودخلت عليّ من ظهر البيت بغير إذن، وقال الله عزّ وجل: {... لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا...}(النور:27)، فقد دخلت بغير سلام، قال عمر - رضي الله عنه: فهل عندك من خير إن عفوت عنك..؟! قال: نعم، والله يا أمير المؤمنين؛ لئن عفوت عنّي لا أعود لمثلها أبداً، قال: فعفا عنه، وخرج وتركه”.
والخصوصيَّات كثيرة، فالمكالمات التليفونيَّة والمراسلات بين الناس جزء من خصوصيَّاتهم إلا إذا أباحوها بأنفسهم وتبرّعوا بها على طريق قول كسير عزة:
هنيئًا مريئًا غير داء مخامر
لعزة من أعراضنا ما استحلت.
أمَّا إذا لم يفعلوا؛ فليس لأحد أن ينظر في رسائل أحد، أو يتنصّت على نجواه أو مكالماته أو يتتبع عوراته، وسورة «الحجرات» تعد من السور المتخصّصة في بيان تلك الحقوق تقريبًا، وأمراض الناس أيضًا يعتبر كثير منها من خصوصيَّاتهم، وليس للطبيب الذي يطّلع على تلك الخصوصيَّات أن يكشفها لسواه إلا بإذن صاحب ذلك المرض؛ بل إنَّ طعام الإنسان في بيته يُعد من خصوصيَّاته؛ فليس لأحد أن يدخل منزل أحد فيخرج ليتكلّم عن فراشهم وطعامهم وما رأه في منزلهم، ولقد طرد داود بن علي الظاهري، مؤسّس المذهب الظاهري أحد أصدقائه وطلب منه ألا يزوره في منزله مرة أخرى حين أخبر الناس أنَّ داود بن علي زاهد من كبار الزهّاد، وأنَّه قد بلغ من زهده أنَّه دخل عليه وهو يأكل الخبز اليابس بالماء، وظنّ الرجل أنَّه بذلك سوف يخدم سمعة داود من خلال إشادته بزهده؛ لكن داود قال له: لا تدخل لي بيتًا بعد الآن، فأنت رجل لا تُؤتمن على ما ترى، ولم يشفع له عند داود أنَّ الرجل كان يريد مدحه والإشادة بزهده، فقال له: إنَّك تعلم أنَّي ما أردت إلا الخير..؟! قال: نعم ولكن من يذيع الحسن اليوم قد يذيع السيّئة غدًا، فلا تدخل لي بيتاً.. فالخصوصيَّة حق شديد الأهميَّة وهو جدير بالاعتبار والاهتمام به وتحقيقه، كفله القرآن وشرحته السنة المطهّرة ومواقف الصحابة الكرام الذين تربّوا على مائدة القرآن الكريم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.