لا شك أن ظهور وسائل الاتصال التكنولوجية الحديثة أحدث طفرة في المجتمعات الإسلامية بشكل عام والأسرة العربية بشكل خاص، فقد نتجت عنه سلوكيات اختلفت إيجابية وسلبية على المجتمع الحديث، فيرى البعض أن تأثير استخدام التكنولوجيا على المجتمع يعود إلى الكيفية التي تُستخدم فيها، بينما يرى آخرون أنه بالرغم من إيجابيات وسائل الاتصال الحديثة إلا أن سلبياتها طغت على إيجابياتها، وبالتالي هل كان لأثر هذا التطوّر العلمي والتقني ووسائله فائدة من اقتحامه لبيت الأسرة العربية، أم أن إفساده طغى على كل إيجابياته من خلال تأثيره على منظومة القيم والأخلاق؛ مما تسبّب في تفكُّك الأسرة الواحدة..؟!. في هذا الصدد يرى الدكتور - محمد السعيد - الباحث في علم النفس الاجتماعي: إن التكنولوجيا الحديثة أصبحت سلاحاً ذا حَدَّين، حيث إن الفارق بين إيجابية التكنولوجيا وسلبياتها في العصر الحديث، يتوقف على مدى استخدام الفرد لها، فإذا استخدمها الفرد كنوع من المعرفة، ومسايرة الواقع، ومعرفة ما يدور خارج النطاق الذي يعيش فيه، كأن يتابع الأخبار العالمية عبر التليفزيون، أو يحادث أصدقاءه على الإنترنت، أصبح إيجابيًّا، والعكس، إذا لم يستخدمه بالشكل الصحيح، يصبح سلبيًّا؛ بحيث يستخدمه في غير موضعه، كتضييع الوقت، أو ما شابه، أو أصبح إدمانًا لدى هذا الشخص، ولا يستطيع الإقلاع عنه فإنها تنعكس على الشخص بانعكاسات سلبية، وتنشئ اضطرابات في السلوك الإنساني. واقع يفرض نفسه وفي نفس السياق أكد الدكتور محمد الزواوي - استاذ علم الاجتماع في جامعة بنها: إن الواقع الآن لا ينكر أن أدوات التكنولوجيا الحديثة من شبكات عنكبوتية، وألعاب إلكترونية حديثة، وتليفونات حديثة، أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الواقع الحقيقي، بل أصبح الكثير من الناس لا يستطيعون الاستغناء عنها؛ لأنها أصبحت بالنسبة لهم أساسية كالطعام والشراب والنوم، بالإضافة إلى أن هذه الأدوات الحديثة جعلت العالم قرية صغيرة؛ حيث سهلت التواصل بين الأشخاص، كما سهلت الحصول على المعلومات، ومتابعة الأخبار المحدثة. عالم افتراضي يطغى على الاتصال الحقيقي ويضيف الزواوي : كما أن للتكنولوجيا الحديثة إيجابيات، فإنها تؤثِّر تأثيرًا سلبيًا على المجتمع أيضًا؛ حيث إن الشباب، وخاصة في مرحلة المراهقة، أصبحوا منهمكين بمتابعة القنوات الفضائية، والجلوس أمام التلفاز لساعات، والحديث في التليفون لساعات متواصلة، كما أنهم أصبحوا يستخدمون الإنترنت بشكل فظ، أدى بنتائجه السلبية إلى انعدام التواصل بين أفراد العائلة، كما يؤدي إلى انعدام ثقافة الاتصال المجتمعي الحقيقي لدى الفرد، وميوله دائمًا إلى العزلة والبعد عن الناس، وميوله إلى التواصل على العالم الافتراضي الذي لا يراه فيه أحد، ولا يعرفه. التكنولوجيا.. إدمان وانعزال إن الإنترنت تؤدي إلى العزلة الاجتماعية للشباب، وتختلف في ذلك بحسب مدة وعدد ساعات الاستخدام اليومي له. فهؤلاء الشباب لا يتواصلون مع أهلهم؛ حيث أصبح كل واحد منهم مكتفياً بلوحة المفاتيح والشاشة وهاتفه المحمول، ولم يعودوا أفراداً مشاركين اجتماعياً، يبحثون عن عالم خاص بلا مشكلات، عالم يهربون فيه من ضوابط التربية التي يقررها الأب والأم، وتقاليد المجتمع وأعرافه، ولم يصبح هناك وقت لممارسة التواصل الاجتماعي. حلول ومعالجات لانتشال الشباب من الانعزال وأشار الدكتور الزواوي إلى أنه في هذا الوقت الراهن يأتي دور أولياء الأمور، وأصحاب الآراء الحكيمة في المنازل، والذي أصبح شبه مفقود حاليًّا، فعليهم أن يهتموا بالمسؤولية التي على عاتقهم؛ فيقومون بالتحدث إلى أولادهم، ويقومون بنقل خبراتهم السابقة في الحياة إليهم، والتحدث معهم بشكل سليم، فلابد أن تكون لهم قدرة في تعديل سلوكهم إلى الأفضل، كما يقومون دائمًا بتوعية أولادهم بإيجابيات التكنولوجيا الحديثة، وأنها سلاح ذو حدين، تنفع وتضر، حسب استخدام الفرد لهذه التقنية الحديثة.. من جانبها تقول الدكتورة منال خليل- دكتورة علم النفس الاجتماعي بجامعة حلوان: لا يستطيع أحد أن ينفي استخدام وسائل الاتصال الحديثة من قِبَل معظم الشباب، وخاصة مَنْ هم في سن المراهقة، أصبح من المشكلات الخطيرة التي يواجهها المجتمع في الآونة الأخيرة، وبالتالي فإنه يعكس انطباعاً سيئًا لدى الشباب، وخاصة في سن المراهقة؛ لأنه أصبح بديلاً للتفاعل الحقيقي بين الأصدقاء والأهل والأقارب، بل تخطى هذه الحدود فأصبح هَمُّ الشخص الوحيد الجلوسَ أمام الإنترنت أو التلفاز، لساعات طويلة تمتد لأيام؛ حتى تصل إلى مرحلة الإدمان؛ بحيث لا يستطيع التخلص من هذه العادة القاتلة.. وتابعَتْ: لا نستطيع أن ننكر فضل التكنولوجيا في عصرنا الحديث؛ حيث إنها سهلت كثيرًا حياتَنا اليومية وجعلتْها مُيسرة؛ فالفرد يستطيع أن ينجز الكثير من الأعمال في أوقات قليلة، وبسرعة فائقة، كما أنها جعلت العالم يبدو كقرية صغيرة؛ حيث إنك تكون في أقصى الشمال، ومن الممكن أن تتصل بشخص في أقصى الجنوب، وفي نفس الوقت لا نستطيع أن نَغْفل عن آثارها السلبية العديدة، فعلى الآباء مساعدة أبنائهم في التعرّف على أهمية التكنولوجيا الحديثة، وكيفية استخدامها بشكل إيجابي. حياة منعزلة وأكد الدكتور السعيد، على أن الأكثر استخدامًا للتكنولوجيا الحديثة أو كما تُسمى، يُصبح أكثر عرضة للدخول على المواقع المحرمة، كما أنه عادة ما يسير على درب مدمن المخدرات؛ حيث يعمل على أن يؤسّس حياة منعزلة خاصة به، بعيدة عن الناس، ويهرب من واقعه الحقيقي؛ ليعيش في واقعة الافتراضي، وبالتأكيد هذا يؤثر في حياته الواقعية، ويزيدها صعوبة وتعقيدًا، ويجعله يكره حياته الحقيقية، وبمجرد دخوله في مشكلة لا يستطيع الخروج منها مهما حدث؛ بل يزيدها تعقيدًا وسوءًا.