تبدو علاقة السياسي اليمني مع الآخرين علاقة مبهمة ومتغيرة بتغير الظروف المحيطة بالواقع السياسي؛ فثمة من تكون علاقته بالآخرين علاقة تعاون وتكافل و احترام متبادل، إلا أن هذه العلاقة قد يشوبها الفتور الكبير نتيجة بعض المسببات التي تعتري طريق السياسة اليمنية؛ فالعلاقة بين السياسي اليمني والآخرين تبدو وكأنها علاقة لا تنم عن صلة وثقة متبادلتين خاصة أولئك المناقضين لفكرته أو منهجه أو حزبه إن لم نقل شخصه. السياسي اليمني قد ينظر إليه من قبل الجميع نظرة احترام وتعظيم كبيرين من قبل المجتمع ومن قبل الحزب أو الجماعة التي ينتمي إليها إلا أن هذا التصور قد يتحول بدرجة مناقضة إذا قمنا بتقييم السياسي اليمني مع نقيضه الفكري والإيديولوجي والحزبي..فلعل الكثير من المتابعين لواقع السياسي اليمني يؤكدون أن المصلحة هي من تسيطر على علاقته مع الآخرين ومن ثم الولاء للفكرة والحزب أو الجماعة وتختلف هذه التراتبية باختلاف تفكير هذا السياسي. الفصل بين السياسي والشخصي نبيل البكيري باحث وصحفي قال: إن العلاقة بين نخب المشهد السياسي اليمني تندرج في خضم متناقضات هذا البلد ومفارقاته التي لا تنتهي، مشيراً إلى أن خصوم السياسة أصدقاء المقيل و«التخزينة» ، وهذا شيء جميل وأضاف البكيري» لا شك أن الفصل بين السياسة كموقف والعلاقات الشخصية كشأن شخصي لا ترتبط بالمماحكات السياسية . وأردف الباحث البكيري “ما أريد أن أقوله هو:إن نخبة السياسة اليمنية تجمعهم مصالح الوطن، ولكن تفرقهم مصالحهم الشخصية التي تفرضها إرادة الواقع اليمني وتعقيداته الناتجة عن اختلال بل وانهيار منظومة العلاقات الطبيعية على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية”. مقيل القات عبد السلام محمد – صحفي- “يقول: إن السياسي اليمني يتأثر كثيراً بالبيئة، ولذا فإن علاقاته الأخرى تكون في حدود مجتمعه، وقد يكون المجتمع السياسي اليمني عبارة عن مقيل القات وقد يكون حزبه الذي ينتمي إليه وقد تكون وظيفته التي يشغلها”. ويضيف محمد “المهم هنا أن علاقات السياسي اليمني محدودة تؤثر فيها عدة عوامل أبرزها المصلحة، والتوجه الحزبي، والمكان الوظيفي”. ضعف الثقافة السياسية وأشار محمد إلى: أن السياسي الذي تربطه علاقة مع الناس من حوله مصلحة انتخابية غير السياسي الذي تربطه قيم حزبية، فعلاقة الأول تكون أوسع مع العامة أما علاقة الثاني فهي أضيق لأنها قد تكون في إطار الحزب وتضيق العلاقة حتى تصل إلى الموظف في حدود عمله، وأوضح من “إدارة التحقيقات في وكالة الأنباء اليمنية سبأ” أن ضعف علاقات السياسي اليمني بمن حوله مقارنة بالسياسيين الآخرين في دول الانفتاح الديمقراطي يعود إلى ضعف الثقافة السياسية وتحويرها إلى مخزون وإرث يقتات من خلاله، إلى جانب عوامل أخرى كالانكفاء الذي يعانيه السياسي اليمني إضافة إلى ضعف العملية الديمقراطية بشكل عام، فعلاقة الصحفي اليمني بالسياسي تبدو شبه متناقضة من خلال التصريحات السابقة، فالصحفي يؤكد على أن المصالح السياسية هي من تحكم العلاقة بين نخب المشهد السياسي في البلد من مختلف أطيافه، والصحفي اليمني قد يبدي امتعاضاً كم هذا الواقع الذي يعيشه الفرد اليمني بكافة شرائحه، وتبدو علاقة السياسي بعامة الناس شبيهة أيضاً بالمصالح خصوصاً في أيام الانتخابات كما قال الصحفي عبد السلام محمد أي أن “عامل المصلحة عامل مؤثر بدرجة كبيرة على السياسة اليمنية بشكل عام”. علاقة متناقضة آراء العامة من الناس قد تتباين حول تقييمها لواقع السياسي اليمني إلا إن قمنا بأخذ عينة من الناس خصوصاً الجامعيين، وفي هذا الإطار يتحدث هشام قائد “طالب جامعي” حيث قال: إن علاقة السياسي اليمني بالداخل مليئة بالتناقضات والتجاذبات مع عدم قبول الآخر لعدم وضوح السياسة بمنظور الفكر اليمني الذي يعتبرها أنها مجرد مصالح وأشار إلى أن السياسة مرتبطة بقوة القبيلة. الخط السياسي ثمة من لا يريد التحدث عن السياسة وعن منتسبيها، ولا يريد الخوض في هذا الإطار الذي يعتبره شائكاً ولا ينتج عنه إلا بوجع الرأس كما يقول المهندس عبدالكريم عوض الذي وصف الواقع السياسي الحالي بأنه واقع غير مميز ويكفينا الذي فينا على حد قوله، وأضاف عوض: الناس يجعلون من سياستهم إلى تطوير البلاد وإلى خرابها. أما عن علاقة الأحزاب بغيرها فيردف عوض “علاقة الأحزاب بغيرها علاقة فيها كثير من العنصرية فحرية الأحزاب لا تنتشر في اليمن وتنتشر قوة الحزب الواحد والولاء للأشخاص أكثر من الولاء للفكرة والمنهج من قبل السياسي اليمني”، واختتم عوض قوله بنصيحة “أنصح السياسي اليمني أن يعرف السلم والفكرة الصحيحة تبعاً للشريعة الإسلامية، وليس تبعاً للعقول والأشخاص، وحول ماهية الولاء من قبل السياسي اليمني فيقول الصحفي عبد الله دوبلة : إنه بالنسبة لي أكيد مؤمن بالفكرة والخط السياسي الذي انتهجه، وإلا فلا يوجد ما يجبرني على السير مع الحزب الذي أنا منضم إليه وأشار إلى أنه قد توجد بعض الملاحظات الإجرائية في الأداء..لكنها لا تمثل مشكلة كبيرة قد تبرر الابتعاد عن جماعتك. عبده سيف القصلي - صحفي في صحيفة الناس قال “أن العلاقة بين السياسي اليمني والآخرين سواء خصومه السياسيين ام حلفاءه ام غيرهم، لا يمكن أن ننظر إليها من زاوية واحدة، فهي متشابكة بقدر تشابك العلاقات والمصالح، والولاء للمصلحة أولاً ثم للقبيلة والمنطقة يغلب في كثير من الأحيان – إن لم يكن كلها- على الولاء للحزب أو الفكرة والمنهج، ويعود ذلك إلى طبيعة المجتمع اليمني والذي يغلب عليه الولاء للمصلحة أولاً أينما وجدت ثم للقبيلة أكثر من الولاء للدولة، فما بالك بالحزب والمنهج، ويؤكد ذلك – مثلاً- ظهور مصطلحات مناطقية مثل برلمانيي الحديدة وبرلمانيي صنعاء على خلفية مشادة بين بعض النواب في البرلمان، فالخلافات بين السياسيين يغيب فيها الحزب وتحضر المنطقة أو القبيلة سواء كان المختلفون من نفس الحزب أم من أحزاب مختلفة، وكان يفترض أن يكون الأمر شخصياً، أي خلاف بين نائبين، وليس بين محافظتين، وهذا يعود بالطبع لتأثير البيئة، ويستوي في ذلك المواطن العادي والسياسي، وهذه الثقافة طبعاً تمثل انعكاساً للجهل السائد في أوساط الكثير من السياسيين. الولاء للفكرة لكننا لا نستطيع تعميم هذه الحالة على كافة السياسيين، فلاشك أن هناك نخباً سياسية يغلب عليها الولاء للفكرة والمنهج وخاصة قيادات الأحزاب العقائدية، كما أنه في نفس الوقت توجد قيادات في الأحزاب العقائدية يغلب عليها الولاء للمصلحة، بدليل أن بعض قيادات هذه الأحزاب غادرت طمعاً في المناصب وغيرها. إلغاء الآخر أما في حالة الاختلاف مع الآخر فيضيف القصلي “أن السائد في هذه الحالة هو عدم القبول بالآخر، ويصل الأمر إلى محاولة إلغائه وتهميشه، هذا بخصوص العلاقة بين الأحزاب السياسية. غير أن ما يميز النخب السياسية وخاصة الحزبية، أن الخلافات الداخلية التي تنشب أحياناً بين بعض نخب أو أجنحة بعض الأحزاب لا تصل لدرجة انشقاق هذه الأحزاب، حيث تظل وحدة الحزب فوق كل الخلافات كما حدث في المؤتمر العام الأخير لحزب الإصلاح بخصوص إنشاء دائرة خاصة بالمرأة، فحسم الحزب خلافه وحافظ على وحدته، على العكس مما يحدث في بعض البلدان مثل الجزائر والتي انقسم فيها الإسلاميون وانسلخوا إلى حركتين، وأيضاً الخلافات التي كادت تؤدي إلى انشقاق في أوساط الإخوان المسلمين في مصر بسبب الخلافات التي رافقت اختيار مرشد جديد للجماعة”. الولاء للشخص واختتم القصلي كلامه “تخلص مما سبق إلى أن السياسي اليمني يغلب عليه في تعامله مع الآخرين الولاء للمصلحة، ثم للقبيلة، ثم للحزب والمنهج، وأخيراً الولاء للشخص، وهذا الشخص قد يكون سياسياً كبيراً أو شيخ قبيلة أو عالم دين، وهناك سياسيون متقلبون في ولاءاتهم، وذلك من أجل المصلحة، فأينما وجدت المصلحة بالنسبة لهم فثم الولاء”.