اعرف وطنك.. عنوان صغير لمشروع كبير احتضنته وزارة السياحة مؤخراً ، المشروع موجه لمعشر الصحافيين من مختلف الصحف الرسمية والاهلية ويهدف الى تعريف هؤلاء الصحافيين بما تدخره اليمن من مكنون سياحي وتراث حضاري وإرث ثقافي كبير ، ولأن البرنامج قد تم توجيهه بصورة رئيسية لحملة الاقلام فإننا نعد ذلك بمثابة رسالة واضحة المعالم للكتّاب الذين كثيراً ما يتناولون في مواضيعهم المنشورة بعض المناطق دون سابق معرفة فتظهر تلك الكتابات وقد انحسرت غالبيتها باتجاه النقد السلبي ، دون محاولة حتى للانصاف . يذهب الكثير من الصحافيين في احايين كثيرة الى ان اليمن لا تمتلك مقومات سياحية تؤهلها للدخول في ميدان المنافسة العالمية لذا يرون الكتابة عن هذا الجانب ضرباً من ضروب الهلوسة الكتابية التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، منطلقين بذلك من واقع الاختلاف الحزبي وليس مجاراة الحقائق، وفي هذا الصدد نقول بان السياحة ينبغي ان لا يتم توظيفها بشكل حزبي لانها تمثل اليمن ارضاً وتراثاً وتقاليد ولا يحق لاحد ادخالها في مضمار ودوامة الحزبية لا من قريب ولا من بعيد، لانني لا ارى في كل ذلك الا مزيداً من خلق مساحة هامشية بين الوطن واقرانه في العالم اجمع. تفعيل إعلامي اقول منصفاً بأن وزارة السياحة في سعيها لتفعيل هذا البرنامج انما تريد ان تحقق جانبين مهمين من جوانب العمل السياحي الذي تعتبر الكتابة الصحفية مادته الاساسية ووسيلته المهمة التي يستند عليها عامل الترويج فيما بعد ، اول هذين الجانبين هو سعي وزارة السياحة الى منح واعطاء الفرصة للكتاب الصحافيين للتنقل في ربوع هذه المعموره خاصة وهي تدرك ان السفر والترحال بات امراً صعباً وخاصة بالنسبة لهؤلاء الذين لا يقدرون على سد رمقهم بشكل انساني رفيع ، وبالتالي فهي ترى ان مثل هذه البرامج ستمكنهم من تحقيق فرصة السفر الى اغلب المناطق والمواقع السياحية المتناثرة في كل المحافظات وبشكل مجاني وراق ، والثاني تهدف الوزارة من خلال هذا البرنامج الى تعريفهم بالمناطق والمواقع السياحية حتى يتسنى لهم الكتابة من واقع مشاهد وملموس لا من باب التخيل ومزاجية القات، بالاضافة الى ذلك تسعى الوزارة الى الاستفادة من خبراتهم من خلال قدرتهم على كشف مواطن الخلل ومعرفة ماهية المعوقات التي تعيق السائح الاجنبي اثناء ترحاله داخل الوطن، وتعتقد وزارة السياحة في هذا التوجه انها ستزيح بعضاً من اعبائها خاصة اذا ماكان هؤلاء الكتاب منصفين ويكتبون من واقع حبهم لوطنهم لا من واقع حبهم لا حزابهم ونزعاتهم ، اذ ان مثل هذه الكتابات ربما ستعتمد عليها الوزارة في تغيير بعض المنهجية التي تستخدمها في ادارة المواقع السياحية من اجل نقلها للخارج من خلال سيناريو الترويج السياحي وهي تعرف انها ستشكل وجبة سياحية للقادمين من خارج الحدود بشكل خاص ولتفعيل السياحه الداخلية بشكل عام. اعرف وطنك .. النسخة 2 اعرف وطنك في نسختها الثانية بدأ برنامجها قبل حوالي 15 يوما حيث اتخذت نفس الطابع للرحلة الاولى وذلك فيما يتعلق بالوجهات السياحية حيث انطلقت الرحلة من العاصمة صنعاء الى المحويت ومن ثم الى الحديدة ثم تعز ثم عدن ثم حضرموت لتختتمها في المحافظة التاريخية لليمن مارب . سأحاول مجتهداً ان اضع انطباعاتي التي ترجمتها عيناي في هذه المساحة في ملحقنا السياحي اليمن وبشكل حلقات متتالية ، لكنني اذ ارجو الله ان يوفقني وزملائي في ضخ الملاحظات التي تكون بمثابة اشارات يبصرها ارباب العمل السياحي فيعمدون الى العمل بها خدمة للسياحة ، هذا القطاع المهم الذي ظللنا نرقبه من بعيد وهو يتلوى مثل ثعبان مجروح تنال منه النمل. السبت .. مفتتح اليوم هو السبت حيث الاعلان عن مولد اسبوع جديد ، كان هذا اليوم هو المفتتح الحقيقي لهذه الرحلة السياحية بعد أن ظلت اوراق معاملتها حبيسة الرواق لاكثر من شهر ، وحيث لم يستغرب احدنا لمثل هذا ، فالمعاملات على اية حال في بلادنا تشبه كثيراً المسلسلات المكسيكية المدبلجة ، لذا فالكثير ممن شملتهم هذه الرحلة كانوا قد غضوا الطرف عنها لاعتقادهم ان أي اطالة في معاملة كهذه ماهي الا خطوه تاكيدية لمحاولة تضييعها وافشالها ، الامر الذي جعلنا جميعاً لانلقي لتلك الاتصالات التي كانت تأتينا من قبل المختصين في ادارة التوعية أي بال حتى اني ذات يوم اخبرت الاستاذ الفاضل محمد على ناجي وقلت له فيما معناه لا داعي للعب بالاعصاب، وان كان هذا سيناريو بأدوار بلهاء فلا داعي له ، ولا داعي لرحلة تأتي وقد صبغت بالمن والشكوى ، لكن الاستاذ قال لابد ان نكون متفائلين الحياة مليئة بالامل ، كما انكم لا زلتم صغار السن وهذا يفرض عليكم ان لا تدعوا اليأس يخترق افئدتكم ، واردف قائلاً ان شاء الله ستكون الرحله يوم السبت 10 ابريل وقد تم الاعداد لها جيداً ونحن في الوزارة جاهزون وننتظر موافقتكم فقط ، بدوري ابديت موافقتي لاسباب ابرزها انني عاطل عن العمل ورأيت ان رحلة لكهذه ستزيح من على كاهلي بعض الهم الذي راكمته سنون بقائي التي مازالت في سجن البطالة ، وان هذه الرحلة ستوفر لي فرصة زيارة محافظة حضرموت هذه المحافظة التي كانت وستظل حلماً بعيد المنال نظراً لبعدها الجغرافي ووفرة التكاليف التي يحتاجها الزائر اذا ما فكر يوما بزيارتها. على اية حال كنت تواقاً لهذه الرحلة بالرغم من قراءتي الاولية لبرنامجها ومقارنة ايامه بالمحافظات التي سنزورها والمسافات التي سنقطعها ادركت انها ليست اكثر من شدة سفرية، سنقضيها فواق كراسي الباص مرتحلين، لكن برغم ذلك فقد كنت متفائلاً بعض الشيء. تكاليف باهظة .. لماذا؟! في هذه المرحلة جانب مهم ينبغي أن نتطرق إليه وهو أن الرحلة بتكاليفها الباهظة جعلتنا نتساءل عن إمكانية تغيير سياسة الرحلة مادياً، نقول فبدلاً من هذا الإسراف الذي رأيناه من حيث اختيار الفنادق والوجبات لماذا لا يتم اختيار فنادق بسيطة بأجور معقولة والفارق في تلك المخصصات التي أصنفها بالمهدورة حتى وأن كان هذا سعي من الوزارة حسب زعمهم لتنشيط السياحة الداخلية إعطائه للمحتاجين من المشاركين؟ أنا معكم في مسألة تشجيع السياحة الداخلية وهو توجه جميل لكن ليس على حساب فئة فقيرة، انظروا كيف أصبحنا لا نميز شيء ولا نقرأ إلا من جانب واحد فقط، لنقل أنكم قد حققتم علاقة طيبة مع أولئك الرؤوس الكبار فهل تظنون قد حققتموها أيضاً مع الرؤوس الصغار، خاصة وأن الكل ممن شارك في هذه الرحلة قد عاد إلى قلب الوطن في العاصمة صنعاء وقد استدان كثيراً، فدخل إليها بعد هذه الرحلة الماجلانية وهو مطاطئ الرأس بدلاً من أن يدخلها شامخاً رافعاً رأسه ويستنشق بانتظام، هل عرفتم الآن أين الخلل؟ وفي هذا المفتتح أود أن أشير إلى أن معالي وزير السياحة الأستاذ نبيل الفقيه صاحب هذه الفكرة الرائدة والجميلة وهذا المشروع المهم كان قد اختار الصحف التي يرى ضرورة لمشاركتها في هذا البرنامج وكان قد أتجه نحو الصحف الرسمية والأهلية ومع أني أرى من وجهة نظري أنه كان من الضروري بمكان مشاركة بعض الصحف الحزبية. دار الحجر .. شموخ رغم الإهمال كان دار الحجر هو أول وجهات هذه الرحلة حيث اقتصرت اليوم الأول على زيارته وزيارة مدينة شبام كوكبان في المحويت ومدينة ثلا التاريخية ثم العودة إلى العاصمة تمهيداً للشدة السفرية المقرر بدؤها في اليوم التالي. كانت هذه هي المرة الاولى التي ادخل بها دار الحجر ، اذ انني قد سبق لي وان زرته قبل حوالي عامين ، لكنها كانت زيارة قصيره اكتفينا من خلالها بمشاهدته من الخارج فقط لا سباب منها ان احد الزملاء الذين كانوا معي باغته اتصال مفاجئ ينعي فيه احد اصدقائة المقربين ، لذا لم يكن لدينا أي خيار سوى اننا قفلنا راجعين الى صنعاء. تعامل غير لائق هذه المرة وفي رحاب اعرف وطنك دخلنا للدار وطفنا به حتى مللنا التطواف ، كانت البداية عندما وصلنا الى الباب ووجدنا هناك الحراس المدنيين الذين يبدون كذلك لكنهم في طريقة تعاملهم توحي وكان الزائر لا يقصد مكاناً سياحياً ترفيهياً، فقد ظهروا مشحونين وموتورين يتحدثون بلهجة حادة مع اناس جاوا ينشدون المتعة والترفيه في مكان سياحي مهم كهذا. بالنسبة الينا لم نأخذ الامر على محمل الجد فنحن يمنيون وقد تعودنا على ان البوابات لم تكن يوما مصدرا للتعامل الخلقي القويم, قلت بأننا لم نصطدم بأحد خاصة عندما علمنا ان الدار لم يعد يدار بصورة رسمية من قبل الحكومة بل تم اسناد مهام ادارته سياحياً لاحد المستثمرين في القطاع الخاص، وهذا ايضاً توجهاً جميلاً خاصة وان القطاع الخاص قد حقق نجاحات لابأس بها في صناعة السياحة، نحن لسنا عاتبين على التعامل الذي ابدوه لنا لكننا نتساءئل فيما اذا كان السواح الاجانب يقابلون بتلك الصورة ، مجرد تساؤل؟! لذا دعوني اقترح على القائمين على الدار ان يعملوا على تغيير الزي لاولئك الحراس من زي شعبي الى زي رسمي سياحي اقتداء بالكثير من الشركات ، صدقوني سيكون جميلاً عندما تدلف بوابة دار الحجر ويقابلك الحراس وهم انيقون يتعاملون بلهجة محشورة بمفردات الادب الرفيع ولابأس ان يكونوا مؤهلين لهذا العمل كما تفعل الفنادق الراقية مثلاً. لم يدم وقوفنا طويلاً في الباب اذ تدخل رئيس الرحلة الاستاذ محمد علي ناجي وبادر بالاتصال بمدير الدار وهو ماحدا به لاطلاق اشارات السماح لنا بالدخول الى باطن الدار. فن معماري بملامح تاريخية رهيبة في داخل الدار وجدتنا نمسك جميعا بأجهزة الكاميرا بثبات وتركيز كما لو كنا نمسك بأسلحة الكلاشنكوف في مناورة عسكرية ومصوبين نحو اهدافنا بعناية ، هكذا بدا كل واحد منا ، فالدار هو تحفة فنية معمارية تضمخ برائحة التاريخ ، تشتم فيه رائحة تلك الحقبة التي أرادا مراؤها ان يرسموا معالمها بعناية ، اذ استطاعوا وببراعة ان يرسموا معالم انفسهم بصورة اوحت للمحكومين بأنهم الاسياد المطلقون على هذه الارض . عندما كنا نتنقل في رواق هذه الدار المحكمة البناء لفت انتباهنا تلك الآبار العميقة المحفوره بعناية في قلب الصخر ، والاختيار الجبار لاماكنها وعمقها المخيف الذي ارى ان سقط فيها احد سواء كان صغيراً أو كبيراً فإنه سيدخل على الفور عالم الميتين، كانت تلك الآبار مخيفة للغاية لكنها بذلك التصميم توحي بعبقرية بانيها وقوة وصلف اولئك الناس المندثرين . نظيفة ومجهزة بشكل جميل لكن مابداخلها لا يعكس ابدا ارث وتقاليد وتاريخ ساكني هذه الدار من أئمة وغيرهم ، وكان في اعتقادي انني سأرى كثيراً من ملامح حياة ائمة اليمن لأعرف ساعتها كيف كانوا يعيشون وماذا كانوا يستخدمون لأجزم ساعتها بأهميته كمتحف تاريخي ، لكنني لم ار سوى لوحات فنية تملأ تلك الغرف ، وقد رأيت في كل غرفة ورقة A4 مكتوب عليها اسماء تلك اللوحات ومقابل كل اسم لوحه هناك ارقام محشورة وبجوارها (اسعارها) حتى ظننت انني في معرض ثقافي يبيع هذا الفن وليس في قصر تاريخي ، وكان الاولى ان نجد فيه علامات تدل على انه قصر سكني للائمة ملوا الدنيا صخباً وفوضى. عموماً ليس هذا المهم، ما ينبغي الالتفات اليه هو ان هناك ماهو اهم فقد رأيت ومعي صحبي بعضاً من مخلفات الانسان في الدرج السرية وبعض الاماكن التي تبدو آمنة من حيث المرور، تخيلوا معي وجود مخلفات آدمية وبجوارها تنبعث رائحة البول التي ازكمت انوفنا في اهم الاماكن السياحية القريبة من العاصمة صنعاء. برأيكم ماالذي سينطبع في مخيلة الزائر الاجنبي عندما يشاهد مثل هذا الامر ؟ اترك لكم حرية التخيل وابحروا فيه ما شئتم. ولعلي في كتابتي هذه لن اخوض في تاريخ هذه الدار وتفاصيله المعمارية فثمة دراسات ومقالات قد تناولته بالتفصيل وبإمكان أي احد كتابة كلمتين فقط في مربع الجوجل ليرى كيف سيدخل بحراً كبيراً من المعلومات عنه وعن تاريخه , لكنني اود ان ابرز هنا بعض جوانب القصور التي طالعناها ورأينا ان معالجتها سيمثل خدمة للسياحة على كل حال .قصر الحجر هو ظاهرة فنية معمارية لايمكن ان تتكرر في تاريخ العالم, انظروا لبنائه واستحكاماته ، انه قصر للابهه والظهور الملكي وسجن للمخالفين واظن انه كان مكاناً مناسباً للتخلص من رافعي الرؤوس والمتطاولين على هامة العرش وبشكل يسكت اصواتهم الى الابد. يتبع