هي حاضرة البحر العربي بلا منازع ، أتيت اليها في وقت كان الصيف بقيضه يحل كاالمعتاد ضيفاً عليها ، فلقد كانت حرارة المكان قاسية لدرجة لا تترك موضع شبر في المرء الا وتركته دفاقا كشلال جبلي ، كانت زيارتي الاولى اليها لكنني ومن هول ما رأيت فيها من البهاء وتقاسيم المدن الحضرية رفيعة المقام قلت لأترابي ساعتها أصحيح أن هذه المدينة جزء من التكوين الجسدي الجغرافي لليمن ؟ إذ لعمري ما فتنت بمدينة كهذه المدينة الهلالية مع انني مررت فيها في وقت لم اكن قد تخلصت بعد من مرارة السفر الطويل اليها . المكلا رائعة مدهشة وكل ما فيها يأسر القلب والوجدان ، واحسب انني مدين لهذه الرحلة التي عرفتني بها وجعلتني اشتم من خلالها رائحة مدن الخليج واعرف اننا في ظل المكلا سنظل فخورين بالسياحة ولا نمتدح عبثاً ،حتى وان كانت تنام بصورة باكرة . السفر إلى المكلا السفر من محافظة عدن الى المكلا رائع ومدهش وقاس ومتعب بنفس الوقت ، فحوالي 01 ساعات يطوي المسافر في جوف الباص ، هذا المارثون الزمني حتماً يشعرك بالملل والضيق والاجهاد في كثير من الاحيان خاصة اذا لم يكن من المعتاد على احد السفر الى مناطق بعيدة براً ، كهذه المدينة مثلاً . هذا الشعور سيصاحبك حتماً حتى وان حاول ربان الباص تسليتك ببعض الافلام التاريخية او افلام الاكشن او حتى مسرحية بديعة ، فقلة قليلة من يصمدون ويظلون يحتفظون بكامل جهدهم وطاقتهم ، وكثيرون من يصرعهم النعاس حيث لا يبدون خلاله أي مقاومة . السفر الى المكلا يجبرك على اصطحاب حزمة كبيرة من اعواد القات ، لكنه في المقابل يجعلك عدواً لدوداً للتدخين حتى وان كنت مدخناً متمرساً لا تفارق اعقاب السجائر شفتيك ، تلك حقيقة بسيطة ، لكن الابسط منها هو ان حزمتك تلك ربما لا تستطيع قهر الملل والاجهاد . في كل الاحوال اظن ان ذلك الطريق الساحلي الجميل قد خفف الكثير من هول السفر اليها ، وهو ما جعلني اجزم اول الامر بدهشة وروعة ذلك السفر ، الطريق الساحلي لا يزال يتيما الا من بعض الناقلات التي تمر فيه على استحياء ، كان البحر بزرقته هادئا ًوديعاً ، امواجه لا تثير أي ضجة او عنفوان ، منظر رسو القوارب فيه مذهلاً تشعر من خلالها ان ثمة لغة مشتركه يتقاسمها البحر مع تلك القوارب ، ولا انكر انني حاولت تخيل منظر البحر خاليا منها فاصابتني الوحشة وانا محشور في بطن الباص واصوات ابو بكر تنداح مرتفعة في اغنيته الشهيره “ لا تعذبني والا سرت وتركت المكلا لك “. جميل ذلك الخط الساحلي ، انه قد اضفى جلالاً ومكانة للمكلا فوق جلالها ومكانتها واحسب انه منجز عظيم ينبغي ان نثني على كل من وضع فيه حتى بصمة صغيرة ، واحسب كذلك ان تعببيد الطرقات وتمهيدها هو من صلب التحضر والتقدم الذي نطمح اليه ، فهو اختصار للوقت والجهد والمشقة وقناة للتواصل وشريان تمتزج فيه كل دماء ابناء هذا الوطن ومرحى بالمكلاالمدينة الغاية . كورنيش المحضار جميل ان يسمى هذا المكان السياحي الرائع باسم قامة من قامات هذه المحافظة الا وهو المحضار ، كورنيش المحضار رائع بما فيه الكفاية حتى اذا كنا قد جئنا اليه وهو غير مهيأ لا ستقبال احد نظراً لتراكم المخلفات فيه . في كورنيش المحضار التقينا مدير مكتب السياحة بحضرموت الساحل وبعد مداولات عن الشأن السياحي في المحافظة عمدت الى اطلاعه على مارايته في كورنيش المحضار من اهمال ، احساساً منا بأهمية المكان في تشكيل الوجه الابرز للمدينة الحاضرة في وجدان زائريها . في الكورنيش ترى الكثير من الكافتيريات لكنها تعمل بصمت كما لو كانت مجاورة لمقبرة ، البحر هناك كريما يوزع نسمات هوائه المنعشة على الزائرين فتنتعش معه الامال ، في ذلك المكان يتوق المرء لسماع ابوبكر وهو يصدح للمكلا بصوته الشجي اكثر من أي شي ، وعلى اية حال يعتبر هذا الكورنيش حديثاً وقابلاً للتحديث الجميل واظن ان اضفاء لمسات فنيه معمارية وسياحية سيعطي المكان بريقاً آخر ، ويبعد عن صوره البدائية التي اعتاد الناس عليها ولم تعد تثير شهيتهم للمتعة . في ذلك الكورنيش يكتفي المرء برؤية البحر الاحمر بزرقته الفاتنه وربما تذكر بشكل عارض احمد بن ماجد وهو يمخر بسفنه البحر الاحمر عائداً الى مسقط رأسه عمان . مهرجان البلدة السياحي يعد ثاني المهرجانات السياحية اليمنية من حيث الاهمية برغم تجاوز شهرته واهميته على الصعيد الدولي ، المهرجان يقام في شهر يوليو من كل عام وعلى حد تعبير الكاتب الرائع فكري قاسم يتحول الليل الى مساحة للوداعة والصبح مساحة دافئة للاغتسال من عديد امراض . في هذا العام ستشارك فيه ست دول عربيه واجنبية وثمة تحضيرات رائعة له ، يقول المنظمون ان تلك التحضيرات تهدف لاستغلال المهرجان بشكل جميل ،وهادف ، اقله توجيه برامجه للترويج السياحي وتسويق المحافظة سياحياً ً . مهرجان البلدة هو تظاهرة سياحية تبرز الشكل الاروع لتلك المحافظة التي تحتضن ولمدة عام فعاليات تريم عاصمة للثقافة الاسلاميه 2010م وهذان الحدثان وان اختلفت وجهتهما الا انهما في النهاية ان استغلا بشكل منهجي مدروس ستصب فائدتهما في قالب السياحة اليمنية . نكهة تاريخية قديماً عرفت المكلا باسم ( بندر يعقوب ) ، كان ذلك في القرنين السابع عشر والثامن عشر حيث نشأت المدينة بنكهة الشرق الآسيوي ، وربما لهذا السبب كانت اكثر المدن اليمنية استجابة للطابع القانوني حيث شرعت للاحتكام اليه دون غيره . المكلا باعتبارها حاضرة المحافظة انسجمت مع مجمل القوانين شأنها في ذلك شأن العواصم العالمية الضاربة في اعماق التاريخ ، لعل ابرز تلك القوانين قوانين الجمعيات والبرقيات والبلدية والمحاكم الجنائية وقوانين تنظيم المحاكم المدنيه . لكن اكثر مايميز هذه المدينة تاريخياً انها كانت وجهة التجارة الابرز ، ربما لان الذائقية الحضرمية كانت ذائقية مالية منذ تشكيل النواة الاولى للمدينة وربما لان انسان المكلا هو حضري التكوين يصعب ترويضه لتوجيهه نحو العصبوية القبلية . لاينكر التاريخ دور السلطان القعيطي فيها فهو من اعطاها تلك النكهة الحضرية التي لا زالت تعبق حتى يومنا هذا ، فقد كان سلطاناً مفكراً ميالاً للبناء والتحديث عاشقاً للنهضه بشتى مجالاتها . على اية حال لم تكن المدينة لتحظى بهذا الرصيد والارث الجميل لولا انها استندت على جذع تاريخي ضارب في القدم . مقاهي المكلا وانت تكتب عن المكلا حتماً ستشعر بنوع من التقصير ، قد لا تستطيع انصافها ، وهو ارجح الامور ، فالمكلا مثل الذهب الذي لايزال يسكن التراب تلمس تلألأه لكنك لا تستطيع استخراجه واستخلاصه دفعة واحدة . في المكلا ثمة مقاه تتحدث بلغة اخرى غير تلك التي عهدناها ونعهدها كلما غابت اجسادنا في زحمة مدينه يمنية ما ، مقاهي المكلا عامرة وصاخبة ، لا ترى فيها انسان شارد الذهن ولا من يتلف شاربه بعد معركة خاسرة مع اعشاب القات ، حوالي 09 % من ابناء المكلا لا يتعاطون القات كما اخبرني بذلك شخص مُكلاوي ، تراهم يتحلقون بصورة دائرية وبربطتهم الشهيرة والمميزة ، فيحتسون القهوه بعد ان تراهم وقد غرقوا في بحر من النقاش المتنوع ، تشعر بحياة غريبة حتى انك في كثير من الاحيان تظن نفسك خارج جغرافيا البلد . ثمة نكهة خليجية احسستها هناك ، لكن منظر الفوطة وهي تتسربل ناعسة ملامسة الكعبين يضع حدا لتفكيرك الطائر ويحشره في زاوية يمانية بحته . ما اثار اهتما مي حقا هو كيف لتلك المقاهي في تكوينها الديمغرافي والفوضوي المهذب لم تنجب روائياً واحداً مع انها لا تختلف كثيراً عن مقاهي القاهره كما قيل لنا ، ومع ذلك مازلت متفائلا الا اذا كانت السياسة قد طمرت العقول بفلسفتها الغثة او ان التمترس الشديد وراء الماده قد جعل الناس لا يلتهون وراء ذلك الكلام الذي لايفيدهم بشيء . بقيت مشدودا بتلك الاماكن وتلك الجلسة القرفصائية البديعة واللكنة الحضرمية المميزة واحسب انني سأشتاق لها كثيراً . خور المكلا كما هو تمثال الحرية الذي بات جزءاً من التكوين الجغرافي والسياحي وحتى النفسي لمدينة نيويوركالامريكية ، وكما هو سور الصين العظيم ن وبرج بيزا ، والاهرامات ، وساعة بج بن لندن ، وقصر الحمراء ، نجد خور المكلا الذي يشق جسدها الى نصفين وقد بات العنوان الابرز لهذه المدينة باعتباره المعلم السياحي الاكثر حضوراً في تاريخ المدينة . لايزال الخور صبياً ، فهو لايذكر الا ويذكر معه الاستاذ عبدالقادر على هلال فهو الشخص الذي يحسب له بنائه ، كما يحسب له تطور مدينة المكلا في الكثير من الجوانب ، حتى ان البعض منهم يشبهه بالسلطان الاشهر القعيطي ، هلا كان محافظاً لحضرموت ساعتها وعندما عرج العيد الوطني على هذه المحافظة كانت فرصته المواتية لتكوين مشهد نهضوي حضاري جميل فكان هذا الخور ، خاصة وانه بات متنفساً سياحيا ًاكثر من رائع ووجهاً متالقاً لهذه المدينة . لا انكر اهمية هذا الخور سياحياً ولا اتصور بعد الان المكلا بدون هذا الخور ، لكن مالاحظته عليه قد اثار بالفعل اشمئزازي وغضبي وهو القاء المخلفات البلاستيكية فوق مياهه حتى بدا للناظر وكأنه مستنقع بدلاً من كونه يشكل امتداداً لتلك المياه القادمة من البحر والتي في مظهرها كأنها خارجة للتو من مرشح ياباني لصفائها وزرقتها الممتعة . يظل الخور ابتسامة المكلا المشرقة وعنوانها السياحي النادر لكنه وفي ظل امتيازاته تلك يبقى الاهتمام به قاصراً ومحاطا ًبشيء من الجهل المتعمد حتى ليخيل إليك من خلال وضعية الخور الحالية ان حضرموت هي الافقر من حيث احتوائها على رؤوس الامول القادرين على تغيير واقع هذا الخور وتحويله الى اعجوبه سياحية . فهل نطمح بذلك ؟.