اشتهرت تعز في القرون البعيدة بذات الأبواب العديدة التي وصل عددها إلى ثمانية أبواب عالية ولو أنها لم تكن كذلك لما بقي شاهد إلى الآن. ومن الشواهد على اهتمام تاريخ هذه المدينة بالأبواب باب : موسى والباب الكبير.وقد كانت هذه الأبواب تغلق بكل صرامة وبالشمع الأحمر إذا جاء الليل فالليل له طقوسه خلف الأبواب وله أحلامه وأمانيه ووساوسه أحياناً ..فيه تكثر الحركة ويخفت الصوت ، لليل هسهساته وهمساته وأساطيره وأحاجيه وحكاياته . لذلك فلا يعني إغلاق الأبواب سوى بداية الحكاية بداية السرد والأحاديث والحكي بداية ارتقاء الخيال وهو أيضاً شروع في عالم السحر والبيان والجُمل فقد كانت معظم الحكايات تتحدث عن وادي الحوبان المليء بطهاشة تريد الانقضاض على المدينة الحالمة وافتراس حكاياتها وطقوسها وأساطيرها لذا فإن ذلك لم يؤد إلا إلى مزيد من السهر وبالتالي مزيد من شحذ الخيال مزيد من الأفكار والحكايات وكلما عوت الذئاب والطهاشة في وادي الحوبان اشتاقت الجدات إلى رواية القصص واشتاق الأطفال إلى سماع المزيد . حدث ذلك حتى انتصرت الحكايات وجاءت لتنام على وسائد الأودية المنطلقة . اليوم وكلما جئت إلى المدينة ادخل إليها من الباب الكبير مندهشاً ومشدوداً أحدق في الأشياء باحثاً عن أرواح الحكايات وأصوات الجدات وعبق الذاكرة الذي لم تعد سوى آثاره البديعة. أتذكر .. صار الأثر يروي دون الاعتماد على راو أو حكّاء وصارت الأمكنة ثرثارة تقول وتعيد وتطيل دون كلل أو ملل. الآن وقد خلفت الباب أتصفح وجوه المجانين فألتمس لهم العذر فقد اندهشوا بسحر المكان انظر إلى الواجهات والباعة والسكان الوقورين وأتذكر كيف أنني كلما دخلت من هذا الباب جاءت أرواح الأجداد ورفرفت الأفكار وشمرت عن سواعدها تعز لتقول مالم يستطع قوله الكتاب والشعراء والصحفيون. كلما دخلت الباب وشاهدت اجتثاثاً لإحدى المعالم أو المساكن أو المحال القديمة أو حتى إحدى الحيطان التراثية . نعم كلما حدث ذلك شعرت بأن المكان أصيب بالعته والصمم مثله مثل الإنسان وتموت الحكاية ويتلاشى شجن الجدات وتنتهي حفريات الذاكرة ولاشيء يصبح هناك سوى الخلاء والخواء والموت.