“في كل مرة يفقد فيها الكبار اتجاه سيرهم يشعر الشباب بالضياع” عبارة تنسب لأستاذ الأمراض النفسية الأمريكي برفو يلتهايم، والكبار هنا هم قيادات الأحزاب والتنظيمات السياسية الذين ينبغي أن يروجوا باستمرار لبضاعة الكلمات في مواجهة الطلقات.. الغالبية العظمى من اليمنيين مع الحوار الوطني الشامل طريقاً للخروج من المرحلة الانتقالية ولابد من أن يشعر الناس جميعاً بأن لغة السلاح لا يمكن أن تكون إلا لغة المجرمين. فالمواطنون البسطاء يرون أن أعمالاً إجرامية تقع في تعز هي تحصيل حاصل لإفرازات ضعف الدولة والأجهزة الأمنية في المحافظات والتي زاد ضعفها بوجود مليشيات وبؤر يتجمع فيها مسلحون وهو ما يوفر بيئة لظهور مجرمين وإراقة دماء. هشاشة النظام الأمني في تعز يرى ضباط أمن أن الأحداث خلال الفترة الماضية وتوابعها الملحوظة كشفت عن هشاشة النظام الأمني وغياب المعلومات الكافية والسجلات المطلوبة عن المجرمين السابقين والمشبوهين على مستوى أقسام الشرطة في الأحياء أو المديريات وحتى على مستوى المحافظة، تعز ليست حالة شاذة، أمانة العاصمة وحدها أفضل حالاً. الأمل في خطة المحافظ إلا أن هؤلاء متفائلون بأن تتمكن الإدارة الأمنية من إعادة ترتيب وبناء أرشيفها وتطبيق الخطة التي أعلن عنها المحافظ شوقي أحمد هائل والتي يتوقع أن تبدأ بعد إجازة عيد الأضحى المبارك لإصلاح الاختلالات الأمنية وإنشاء أقسام شرطة نموذجية. حوادث العيد الحوادث الأمنية التي شهدتها مدينة تعز وضواحيها قبل وخلال إجازة عيد الأضحى المبارك بسبب تواجد السلاح في أيدي الناس يعيدنا إلى ما جاء في تقرير حكومة الوفاق في 26/ 3 /2012م الذي تمنت فيه على الأحزاب السياسية أن تساعد في تحقيق الأمن والاستقرار. مهمة صعبة إن الحوار الوطني الذي سينعقد مؤتمره بعد أيام قليلة هو أصعب مهمة بعد تشكيل هذه الحكومة والحوار هو المخرج الأفضل من الوضع الراهن ولا بديل سلمي للحوار.. الحوار بالكلمات وإن طال أفضل من لغة البنادق حسب د. صالح باصرة، لكن السؤال الذي ليس له إجابة رسمية حتى الآن والجميع على عتبات مؤتمر الحوار الوطني من هو المتسبب في الاختلالات الأمنية أينما وجدت وبالذات في مدينة تعز بعد أن كانت الأوضاع الأمنية قد تحسنت!؟ أسلوب ممنهج لقد استقدم السلاح إلى هذه المدينة بأسلوب ممنهج حسب رأي د. عبدالله الذيفاني، الأكاديمي الثائر والذي أكد أن انتشار السلاح في ظل الأزمة وأحداث ثورة الشباب كان أمرا مستغرباً كون تعز ذات طبيعة مدنية وثقافية. المواطن في حيرة مواطنون كثر حيرتهم تتزايد نتيجة إطلاق النار والحوادث الأمنية هذا الشهر هؤلاء فضلوا السلامة وعدم مغادرة البيوت إلى المتنزهات والفسح خوفاً من انعكاسات الوضع الأمني. عمر منصور عثمان شاب نجا من الموت بأعجوبة في ذروة الأحداث العام الماضي بعد أن اخترقت رصاصة صدره أمام محطة للوقود وخسر كل مدخراته في العلاج، يقول هذا الشاب: أشعر أن رصاصة يمكن أن تقتلني في لحظة غادرة وأدعو كل الناس إلى الحذر؛ لأن السلاح بيد بعض الناس يحولهم إلى متوحشين، ولم يعد حمل السلاح من أجل سبب آخر غير القتل. مدينة مستهدفة مدينة تعز مادام فيها من يحمل السلاح ويتجول به فإنها تظل مستهدفة في خصوصيتها؛ كمدينة سلام ووئام ذات روح طليقة تحلق فوق أهلها كسرب حمام لا نهائي العدد وأمل فسيح بغد أفضل لكل أبناء الوطن، تترقب مؤتمر الحوار الوطني كي يؤسس ليمن جديد عبر جمع المفترقين على كلمة سواء، وإنها لجريمة أن تحصل جرائم وتسيل دماء في هذه المدينة على أيدي ذئاب بشرية يسعون لتوطين السلاح في هذه المدينة وغرس الناب والمخلب أو بث نتن العصبيات القائمة على منطق السلاح بعد ضرب عصب قوة الدولة وظن المؤمنون بلغة البنادق أنها قد انهارت وأن السلطة المحلية لن تسعى جاهدة إلى تفعيل أداء الأجهزة الأمنية وعناصر الشرطة والأمن الذين تأثر أداؤهم جراء استهداف ضباط أمنيين وإضعاف دور الجندي في النقاط والجولات لعدم كفاءة وسائله لتحقيق مهمته إذا كان هناك عدد من المسلحين مع شخصية ذات وجاهة وتظن أن وجاهتها مقترنة بعدد المرافقين وأسلحتهم أو يعتقدون أنهم مستهدفون من عدو وهمي. قتل وهروب أما المخيف حقاً أن يقتل إنسان ولا يبادر الناس إلى إبلاغ الأجهزة الأمنية وأقسام الشرطة فوراً فالقاتل في هذه الحالة لا يشعر فقط بعجز الشرطة، ولكن يصبح أمام حقيقة غيبوبة المجتمع فيقتل خصماً أو ضابطا أو مواطنا، وينطلق هارباً ثم يعود ليتحقق من وفاة الشخص دون تهيب فينزل من سيارته وينتزع جنبية الضحية ويرحل بوجه مكشوف دون تحسب للرائين المرعوبين من بعيد، بعد ساعة يقترب أفراد مع عاقل الحارة الذي يقوم نيابة عن الناس جميعاً بإبلاغ الشرطة.. هذا ما سمعناه عن حادثة في منطقة كلابة راح ضحيتها ضابط كبير في أحد أيام التشريق. مصدر قلق حمل السلاح واستخدامه في تعز أمر مستغرب بات اليوم مصدر إقلاق للسكينة العامة وأداة تفعل فعلها، تريق دماء وتروع الآمنين وتقيد حركة القاطنين وتجعل من خروجهم مغامرة، فهل ينال هذا الفعل من خصوصية تعز؟ الدكتور عبدالله الذيفاني يرى أن السلاح الذي أصبح بيد أفراد ودوره أثناء الأزمة إنما استقدم إلى تعز بطريقة غير طبيعية وأسلوب ممنهج وهو ما يتنافى مع طبيعة مدينة تعز المدنية والثقافية، وإن وجود سلاح شخصي لدى الأفراد كتقليد. امتداد لثقافة الماضي أكاديميون ومشتغلون في مجال الفكر يعتبرون توظيف السلاح في تعز له صلة بثقافة تقليدية، من عناصرها اقتناء السلاح والتميز به كامتداد لثقافة الماضي وتجسيد لعقلية قبلية ضيقة تضع نفسها في وجه مشروع الدولة المدنية الذي ظهر حامله الاجتماعي بقوة في تعز. شعور بالمرارة أما المحامي سامي الشميري فذهب إلى القول بأن هناك شعورا بالمرارة من حالة التغيير السلبي في سلوك بعض الناس فحتى الأفراد العاديون كانوا قبل 2011م يشتبكون بالأيدي وإن عظم الأمر بالعصي أو القذف بالحجر الآن تحصل جرائم تؤكد أن من الناس من صاروا ذئاباً بشرية فكرتهم أن الدولة منهارة وأن أقسام الشرطة لا تستجيب لصرخة المواطن؛ إما بفعل الاغتيالات التي تعرض لها رجال أمن أو لأن أفراد الشرطة لا يرضون القيام بواجباتهم تحت تأثير الخوف، فالذين يحملون السلاح لا يبالون بأحد وبالتالي فالشرطة تجد أن خروجها لإحضار مطلوب يعني إمكانية التعرض للقتل أو ستواجه بالرفض؛ لأن الشخص المطلوب قد يكون من أنصار شيخ أو نافذ وهو ما ينطبق على أداء العناصر الأمنية في النقطة. المحامي سامي الشميري يضيف: أطالب الدولة أن تتحمل دورها وإلا فإن الانفلات سيزداد فمن الخطورة أن يؤدي شجار بسيط على أمر تافه إلى قيام أحد المتشاجرين بتصويب مسدسه على الطرف الآخر وقتله أو إصابته في مكان عام كسوق القات وفي قسم الشرطة لا تجد من يخرج معك لإحضار متهم وبأمر قهري من النيابة العامة ولو على بعد مئات الأمتار ويقال لماذا تلجأ إلى الشيخ فلان!!؟ لنتعاون جميعاً مع المحافظ شوقي هائل من أجل ضبط الوضع ومنع استمرار الاختلالات والفوضى، واستعادة الأمن والاستقرار والحفاظ على الوجه الحضاري النقي لمدينة تعز.