كثرة الأخطاء اللغوية والنحوية بين عامة الخطباء والأئمة, هي جزء شد رغبتي لاستعادة بعض الوقت من زمن غير محسوب للخوض في تفاصيل اللغة المضاعة بين زحمة العلوم, كم ستظل منفية بأوطانها.. ؟! ومتى ستستعيد أهميتها المهجورة من أبنائها؟ ومن موطن فصحائها وأصولها؟!! وإن كانت اليمن منذ القدم موطن الفصاحة والبلاغة.. فأبناؤها اليوم يعانون انفلات اللسان, بل وصل الأمر عند غالبيتهم إلى اللحن بالقرآن الكريم, الغلط الذي أضحى أمرا عاديا, والسبب حسب مهتمين: شحة المناهج وضعف الاهتمام باللغة في المدارس النظامية والمراكز التحفيظية, هذا الاستطلاع رسالة تحث على الارتقاء باللغة وبالأخص في الأماكن الجليلة.. سبعة أدوار (مقرأ فصيح وفي النحو يطيح..!) ولأبسط الإشكالات تتيه منه الحركات, فيسعفه السكون بأكثر الأزمات, وبجانب ذاك يفقد ثقافته الشرعية، (الكسرة, الفتحة, الضمة) ليست هي مجرد زهنقة للكلام أو الآيات القرآنية, من حفاظ القرآن يأتي الالتباس بالعلامات الإعرابية, وتبدو الاستفهامات غريبة, ( أين محلها الصحيح..؟) ما يجعله خطرا محدقا باللغة ففساد اللسان واعوجاجه بالقرآن يعني ضياعا للقراءة الصحيحة التي تعتمد على اللغة, كركن أول وأساسي, والحافظية والتلقي ركن ثان. - تقليص مناهج اللغة العربية وإخراج أجودها, أفقد طلابها (الجامعي والثانوي) السيطرة على حركاتها ومفرداتها وسط الكلام العربي وفي أخصبها ب “القرآن الكريم “ كلام الله المنزل بحركاته وسكناته تشاطره ألسن القراء نصف حركاته, فتتلوها كيف تشاء..!! وبات اللحن فيه غلطة عادية تفقده نكتته البلاغية وتسلبه معناه المستقيم, زاد اللحن ويغلب على الحفاظ في (الإمامة والخطابة) وغيرها من المواطن الجليلة انفلات اللسان, فالحافظية تخونهم في الكلمات مما يجعلها قلقة ومضطربة لا تعي (الكسر, الفتح, الضم ) سببها عدم الإلمام بعلم النحو ولو بالشيء اليسير. غلطة كبيرة أحمد أقعش (خريج جامعي) من خلال دراسته بالجامعة والصفوف الأولى لم يحصد من علم اللغة شيئا يجعله يعي الأخطاء النحوية أثناء قراءة القرآن, وأثناء الإمامة في المسجد يعتمد في تصويبه للأخطاء القراء المصطفين خلفه. - أما فرج العامري (طالب بإحدى الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن)يدرك بأن تعلم اللغة ضروري جدا، وبالأخص لمن هم مثله يعملون في المساجد، فزلة اللسان في الإمامة غلطة كبيرة. في مؤسسة السعيد للعلوم تحضر المفارقة من أول وهلة، فثمة أبنية ممزوجة بحرارة الثقافة تعلو بإبداعها, في نفس المبنى - إدارة تحفيظ القرآن - مرتع خصب ومثمر نهل الكثير منها وتخرجوا وفي ذاكرتهم (السبع القراءات) حفظا, ومازال آخرون يبحرون في أعماقها.. خطوات وتأخذني المسافات إلى أزقة المدرسة المشهورة التي أوجدتها مجموعة بيت هائل لتخريج نماذج فريدة في حفظ القرآن أثناء التجوال لمحت عيني الفضولية, (كتاب الآجرومية) الاسم الذي عانق الضياع, يحمله جملة من الطلاب, أعادت إلى مخيلتي (أربطة العلم في مدينة زبيد التاريخية) لم أر الكتاب إلا في تلك الديار الأثرية التي آثرت طلابها بفنه ومنحتهم إياه, حينها أدركت بأن المدرسة لامست مشكلة انفلات اللسان عند الحفاظ. أخطاء فادحة جلال الوشاح (أستاذ اللغة بنفس المدرسة) قال: الظاهرة موجودة ومستبدة بالألسن ويلاحظ أن كثيرا من حفظة القرآن ومن يتقدمون الإمامة أو الخطابة يقعون في أخطاء فادحة بغير قصد ولو كانت بقصد لكفروا؛ وبرأيه أن تقليص مناهج اللغة وعدم الاهتمام بها هي من أوقعها في المهجر, وأن الإلمام ولو باليسير باللغة مهم جدا نحن عرب وهي لغتنا والكل يحتاجها, هي أدوات (الصحفي, حافظ القرآن، الشاعر، القاص، المحدث) وفهمها سهل ويسير إذا درست أساسياتها ف “كتاب الآجرومية “ كفيل أن ينتشل الأخطاء فهو طوق نجاة من الانفلات اللغوي، وحسب توصيفه بأن لديه طريقة سهلة في شرح الآجرومية يستطيع فهمها الطالب بحيث يسهل عليه النحو ونجح في إيصالها لكثير من الطلاب واستطاعوا من خلالها معرفة أغلب مواقع الكلمات في القرآن.. - ويزيد جلال بأنه ألف كتابا في شرح الآجرومية اسمه (الفتح الملهم في تقويم نطق اللسان وتصحيح خطأ الكلام) يستطيع الطالب في شهر واحد من خلاله أن يلم بأكثر قواعد اللغة العربية. ويضيف بأن مدرسة تحفيظ القرآن الكريم بمؤسسة السعيد للعلوم الثقافية أدركت خطورة الظاهرة ومنحت اهتمامها للطلاب بأن يجمعوا بين علم اللغة وحفظ القرآن ونتمنى من بقية المدارس القرآنية أن تحذوا حذوهم. حملة صيانة وفي هذا الشأن قال عبد الناصر آدم مدير مدرسة التحفيظ تلك: الضعف والركة في اللغة ناجم من التأسيس الضعيف، ويذكر بأن (المعلامات) القديمة كان الطالب يكتب القرآن الكريم كتابة مع التهجي لحروفه, حينها كانت اللغة تتمتع بالمتانة والاهتمام, وعندما اختفت تلك الظواهر وأتت المناهج الهشة كثر الانفلات، وقد لاحظنا أن المشكلة كثرت عند (الخطباء والأئمة) وكنا أكثر المنتقدين على هذه الظاهرة, فلغتنا أصبحت تذوب وثقافتنا مهددة نتمنى حملة إسلامية لصيانة اللغة، واللغة تحتاج لجهود جماعية قبل أن تكون ذاتية. أصل اللغة عبد الله عبده سعيد أنعم الأمين العام لشركات هائل سعيد انعم، الراعي الرسمي لمدارس تحفيظ القرآن واللغة، قال: الحقيقة أن مجموعتنا تولت تدريس القرآن الكريم الذي يعتبر أصل اللغة العربية، وبقدر استطاعتنا نعمل على إحياء اللغة التي خذلتها المدارس النظامية بمناهجها الشحيحة, فاللغة العربية لغة القرآن وتحتاج لجهود تعاونية من الجميع من البيئة والمدرسة والمناهج حتى نعيد لها مجدها، فهي في اليمن مازالت أفضل من أي قطر عربي. ويضيف: إكساب الطالب للغة لا تأتي من جهة واحدة فالمصادر المأثورة كثيرة، منها وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة هي جهة واسعة النطاق لو حاولت التمسك باللغة الجيدة لاستطاعت أن تأخذ كثيرا من سلبيات اللغة المتروكة في الطلاب, ويضيف بأن المعاهد العلمية التي اختفت كانت جيدة في مجال اللغة استطاعت في وقتها أن تحافظ على الأستاذ المميز الذي نفتقده في هذه المرحلة الذي لا يستطيع فهم اللغة جيدا أو توصيلها بالشكل الصحيح. - ويؤكد بأنهم عملوا برامج تقوية للغة العربية لحفاظ القرآن من طلبتهم لكي يجمعوا بين حفظ القرآن وفهم اللغة، ويختم بمناشدة الجهات الرسمية بأن تعمل على إعادة الاهتمام باللغة وفي شتى المجالات، بل أصبح من الواجب أن تفرض اللغة فرضا على من يتولى تدريسها نطقا وفهما حتى يستطيع التأثير على الطلاب, فالتأثير بالمدارس النظامية أكثر، ومسؤولية تعزيز الطالب باللغة الصحيحة تقع على عاتقهم. - و”ختاما” وقعت اللغة بالمهجر, فأخرجت فدية عن سائر العلوم, ونفذ السلاح الفتاك الذي اكتشفه (لويس) عند ما وقع أسيرا بين أيدي المسلمين, حينها دفع فدية باهظة مقابل التخلص من الأسر وقال بعد خروجه (بالقضاء على لغتهم وثقافتهم نستطيع الانتصار)..