امرأة استثنائية تحظى باحترام وتقدير كل التيارات السياسية والفئات الاجتماعية والشبابية، تعد نموذجاً متميزاً للمرأة، جاءت من أوساط المجتمع فكانت من أوائل الرائدات والمؤسسات للحركة النسوية اليمنية، عملت مذيعة في الإذاعة المحلية وتقلدت عدداً من المناصب التي وصلت إليها كأول امرأة يمنية... لم تتوقف هنا بل مضت بخطى واثقة نحو العالمية حتى وصلت إلى منصب الأمين العام المساعد للأمم المتحدة والمدير الإقليمي للدول العربيّة ببرنامج الأممالمتحدة الإنمائي، وتشغل حالياً مديراً تنفيذيا للجهاز التنفيذي لتسريع استيعاب المساعدات وإصلاح السياسات، تعمل لأجل المدنية وتدافع عن النساء والمواطنة المتساوية في مجتمع كاليمن. .. أين تقف المرأة اليمنية اليوم في مسيرتها النضالية؟ بلا شك إن أدوار النساء التقليدية وغير التقليدية معاً في اليمن هي أدوار مشهود لها وأدوار عظيمة، كانت النساء مجرد ربات بيوت وأمهات ومسؤولات عن حيوات عدد من الأسر لأن عددا كبيراً من الرجال اليمنيين يغادرون منازلهم إما من الريف إلى المدن أو من المدن إلى بلدان أخرى من أجل طلب الرزق وتتولى النساء القيام بكل هذه الوظائف وفي أغلب الأحوال تتولاها بنفس طيبة وبدون أي مقابل، وكل النساء في الريف هن من يعملن في إدارة شؤون البيت والزراعة ويمارسن وظائف كثيرة وهن يعانين من مستويات صحية ليست بالجيدة وارتفاع نسبة الأمية ومن التمييز القائم على النوع والتمييز القائم على المستوى القبلي والمجتمعي وغيره من أصناف التمييز، وبرغم ذلك فهن صابرات ومكافحات، ومع ذلك أتمنى أن تأتي الاحتفالات القادمة بأعياد المرأة وقد استطاعت النساء اليمنيات أن يتجاوزن محدودية العمل في الفضاء العام في المدن فقط، لأن التطور الحقيقي الذي يجب أن تصل إليه اليمن ولن تصل إلا به هو رفع مستوى النساء في الريف كون الريف هو الرافد الأساسي لليمن بأكمله، ونحن شعب أكثر من 70 % من سكانه في الريف، وأتمنى لكل الرائدات واليمنيات أن يكن في المستقبل أكثر مجداً وأن يقدمن أنفسهن بشكل أفضل من حيث موضوع المساواة والدستور القادم وأن تكون النساء اليمنيات خير مثال لكل النساء . .. من وجهة نظرك.. هل من المهم أن نخصص يوماً عالمياً للمرأة؟ في تصوري إن الاحتفاء بقضية المرأة يجب أن لا يتصف بالاحتفالات فقط والخطب الرنانة، ولكن سيكون الاحتفال احتفالين إذا ما جاءت الأعوام القادمة وقد استطاعت المرأة في الريف أن تتجاوز مشكلات تنموية حقيقة وعلى رأسها المشكلة الاقتصادية الطاحنة ومعالجة قضية الفقر لأن الفقر في اليمن له وجه أنثى، وبالإضافة لذلك يكون باستطاعة النساء في المدن أن ينتقلن بقدراتهن وبانخراطهن إلى الريف ويبتعدن عن المركزية في المدن وعن البقاء في الفنادق الفارهة والأماكن التي تمنعهن عن الشعور النفسي بما يحدث للنساء الريفيات، وقتها سيكون الاحتفال بالمرأة بالنسبة لي احتفالاً حقيقياً وسيتجاوز إطار الحديث والتغني بهذا اليوم . .. سياسياً.. هناك حديث عن 30 % في مراكز صنع القرار للمرأة اليمنية.. هل تكفي هذه النسبة؟ من الصعب القول بأن ال 30 % هي الحل السحري والناجع لكل قضايا النساء، لكن الكوتا ربما تكون إحدى الوسائل لمعالجة هذه الفروق الكبيرة جداً، وحتى 30 % مسألة ليست حقيقية بل مجرد أطروحات سياسية إلى أن ينص عليها الدستور وتصبح مادة دستورية ملزمة ، حينها أستطيع أن أقول إن اليمنيين – وليس اليمنيات فقط – قد بدأوا يضعون أرجلهم على بوابة الحقيقة المتعلقة بالنساء ، و30 % فيها إغباط كبير وهذه الحقيقة تبيان واضح لمدى الفرق بين النساء والرجال في اليمن لأنه وحين يتشدق كثيرون وحتى من بعض النساء بأن ال 30 % كثير ومن أين سنأتي بهن ويتناسون تماماً أن السبعين في المئة من الطرف الآخر ليس بالضرورة في أي مستوى من الأهلية تجعله يكون أفضل من هذه الثلاثين بالمئة، وربما قدرات النساء وإمكانياتهن أفضل من الرجال في نسبة السبعين بالمئة ولذلك القول بأنه قد تحقق للنساء الكثير مما لم يتحقق من قبل مسألة فيها الكثير من إضفاء طابع الإنجاز الكبير، ولكن دعونا نسير مع من يحتفي بهذا ونتمنى أن تصبح مستقبلاً قضية مساواة ومناصفة، على أن تقوم على مستوى القدرة والكفاءة لا النوع، وغير أنه ومن أجل أن تثبت في السلوك السياسي طريق ما يتعود عليه الناس يجب عليك أن تبدأ بها، وأيضاً اختزال قضايا النساء أو مشاركتهن في الحياة السياسية أو القضائية أو التشريعية بنسبة 30 % به غمط كبير للمسائل الأخرى لأن ثمة ضرورة أولاً لأن ترد في الدستور كثير من النصوص التي تتحدث عن مبدأ المواطنة المتساوية، إذ إنه في أي بلد يدعي ويقول إنه يعمل من أجل أن يصل إلى الديمقراطية لا يمكن إلا أن يتعامل مع مواطنيه على ما هم عليه كمواطنين متساوين أمام القانون ولذا سيادة القانون في أي نظام هي التي تجعله نظاماً ديمقراطياً أو غيره ، فالمواطنة المتساوية من وجهة نظري هي الأهم من نسبة 30 % وهي ما ستترجم للنساء حقوقهن ووجودهن وتضمن مساواتهن، وستضمن حقوقاً ومساوة في القوانين التي مازالت تمييزية للأسف الشديد خاصة في ما يتعلق بتلك القوانين التمييزية المتعلقة بالمواقع العليا للمرأة وفي مسألة مشاركة النساء في القضاء والمناصب القضائية بدرجة رئيسية، ولابد من وجود مواد تنص بشكل صريح وأن لا يترك أي باب موارباً حول مسألة المساواة أمام القانون، وهذا يترتب عليه أن تستطيع النساء تأدية واجباتهن تجاه وطنهن بما هن عليه كمواطنات وليس كنوع، فالمرأة اليمنية أياً كان موقعها السياسي لا تستطيع أن تعطي ابنها الجنسية والمسألة مازالت محفوفة بالعديد من الإشكاليات والعوائق رغم التعديلات التي أدخلت على قانون الجنسية، حتى إذا رغبت باستخراج جواز “أو بطاقة هوية” لأبنك اليمني فلن يقبل بك أصغر موظف في الجوازات مهما كان موقعك أو منصبك، لأنهم يريدون الذكر ليعرف بالأولاد ولا يقبلون بالمرأة، وهذا يدمر أي مبدأ للمساوة والعدالة في أي مكان كان، فلابد من إطلاق المساواة أمام سيادة القانون، ولايزال الطريق مليئاً بالتحديات والعوائق والمخاطر، لكن وبرغم كل شيء أتصور أن الغد يبشر بالأفضل ولن يقبل الشباب والنساء بأي انتكاسة في مسألة الحقوق والكرامة التي أساسها المساواة. .. هناك تخوف من أن تأتي الكوتا بالحزبيات وغير المؤهلات وتبعد الكوادر.. خاصة أننا في مرحلة انتقالية وكل التعيينات قائمة على التوافق والمحاصصة بين الأحزاب السياسية؟ للأسف حتى منذ إطلاق الحوار الوطني الغلبة كانت للأحزاب السياسية وكان المستقلون والمستقلات أقل الناس تمثيلاً وأيضاً حتى مسألة “الاستقلالية” لم تكن واردة في كثير ممن أسميناهم مستقلين فالواضح أن الجانب الحزبي السياسي الصرف هو الغالب، واستمر الأمر عليه في لجنة الفدرالية التي كان حضور المرأة فيها انتقائياً خاصاً وطبعاً ننتظر هذا التمثيل بذات النسبة هو أيضاً في لجنة صياغة الدستور وأتمنى أن تنصف المرأة في الدستور الجديد وأن لا يكون ثمة تمييز ضدها. .. كيف استطاعت أمة العليم السوسوة أن تشكل شخصيتها رغم كل الظروف اليمنية المعقدة؟ هذا التساؤل أواجه بشكل دائم ولن أبالغ إذا قلت لكِ بأني تطبعت بكل الظروف التي أحاطتني ولكن جزءاً كبيراً جداً من ما كون شخصيتي كان من البيت والأقارب وأسرتي التي منحتني قدراً كبيراً من شعوري بشخصيتي وبتشجيعي على أن أجترح كثيراً من الاتجاهات والأعمال التي لم تكن تقليدياً معروفة أو مقبولة أو مستحسنة من فئات المجتمع، وكنت محظوظة بأني حصلت على تعليم ممتاز في المدارس الحكومية مثلي مثل كل أطفال وطفلات اليمنوتعز بشكل خاص، وحصلت على منحة دراسية كوني من الأوائل في كل شهاداتي الدراسية، ولكوني من أسرة ليست مقتدرة كان يستحيل علي أن أسافر من اليمن إلى القاهرة لإكمال تعليمي لكن وجود تعاون ثقافي بين الدول أعطاني الفرصة لأن أحصل على منحة وأذهب للقاهرة لأواصل تعليمي الجامعي، ومن ثم توجهت وبمنحة أخرى إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية للدراسة الجامعية العليا، وأصبحت جزءاً من ثقافات مختلفة عربية وعالمية ومحلية تشكلت مع مراحل التعليم المختلفة. .. هناك إجماع عليك.. لماذا لا نجد من يختلف مع أمة العليم كما يحدث مع بقية النساء ممن يطالبن بحقوق المرأة في اليمن؟ من الصعب القول إنه لا يوجد كثير من الناس المختلفين معي، ولكن أفهم ما تريدين قوله، وثمة حدود في علاقة الاختلاف وأنا أقدر من يختلف معي أو أختلف معه وأتعاطى معه بشكل محترم جداً كالذي أتفق معه وهذه مسألة مهمه، بلا شك لأنه من الصعب أن يتفق معك كثير من ألوان الطيف المختلفة ولكن هذا توفيق من الله لأني كنت دائماً واضحة في توجهاتي ومقتنعة بها، وبالتالي أقبل الاختلاف بنفس المستوى. .. ماذا عن فترة عملك في وزارة حقوق الإنسان؟ وزارة حقوق الإنسان كانت مرحلة عمل مكثفة نظراً لصعوبة القضايا التي كانت مطروحة في تلك اللحظة في مجال حقوق الإنسان في اليمن وإعلان الحكومة عن نيتها فعلاً أن تحسن من وضع حقوق الإنسان، وعندما قدمت طلباً للأمم المتحدة بالعمل هناك كنت قد بدأت أتململ من العمل مع الحكومة اليمنية كوزيرة لحقوق الإنسان “وهذا اعتراف لأول مرة أصرح به” لأن تلك الفترة شهدت عدداً من المتغيرات والحروب وسجن الصحفيين والقصص المريرة في اليمن المرتبطة بعملي كوزيرة لحقوق الإنسان و أصابتني في وجداني وفي ضميري، ولم أستطع إلا أن أحدد موقفي كما أنا بغض النظر عن القبعة السياسية التي كنت أرتديها وبالذات قبعة حقوق الإنسان التي من المهم أن أمثلها، وقمت حينها بعمل ما أستطيع فعله ولكن المشاكل تزايدت حتى كدت أن أتعثر في أن أبادر وأن أؤدي عملي الذي اقتنعت أن أقوم به، رغم أني اشترطت على الحكومة وقتها أن أكون أنا مخولة في مجال حقوق الإنسان وأتحمل كل المسؤولية في أي عمل أقوم به على رغم ما واجهت من اختلافات واتفاقات مع وزارات سيادية صعبة هي ذات علاقة بقضايا حقوق الإنسان والقرارات السياسية التي أعتبرها أخطر من ذلك كله مجتمعاً، وفعلاً وجدت أن اللحظة سانحة للخروج من الحكومة وهذا طبيعي أن أخرج من الحكومة لأني أصبحت لا أريد العمل بها وكادت الأمور أن تصل إلى حد الاختلاف فتقدمت باستقالتي لدولة رئيس الوزراء وهو الأمر الذي أدى إلى تشكيل حكومة جديدة بعدها، وتوجهت للعمل في الأممالمتحدة. .. الأمين العام المساعد للأمم المتحدة.. كيف وصلت إلى هذا المنصب كامرأة عربية؟ للأسف اليمنيات ولأسباب نعرفها تأخرن كثيراً... كان نطاق عملي في البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة واسعاً وكبيراً وفيه دول كثيرة تعيش في قلق على المستوى السياسي والأمني وغيره كالصومال والعراق وفلسطين واليمن بالإضافة إلى المشكلات التي واجهتني والتقلبات السياسية التي عاصرتها خلال عملي في الأممالمتحدة ومنها أحداث الربيع العربي فكان عملي مرهق ووصلت في بعض الأحيان إلى الاكتفاء بالنوم لساعتين فقط بسبب الأحداث الجسام التي غطت المنطقة العربية خاصة أيام ما يسمى بالربيع العربي لأن الأممالمتحدة فوجئت بهذه الأحداث خاصة أنها كانت تنظر لجزء كبير من المنطقة العربية “كمستقرة” ، وإلى جانب هذا تشرفت بالعمل مع كوادر من مختلف دول العالم ولهم توجهات مختلفة، وكان هناك عدد من الإنجازات ولعلي أشعر بفخر بانتمائي إليه هو تقرير التنمية الإنسانية العربي وكان حول “المرأة العربية من الأقوال إلى الأفعال” ثم أصدرنا تقريرا أكثر خطورة ووجه بشدة من معظم الدول العربية ومن جامعة الدول العربية وهو تقرير يحمل عنون “الأمن الإنساني العربي” وهو يتناول المسائل المختلفة من الحريات والحقوق، وعلاقة الأنظمة الحاكمة بالمحكومين، وغياب السياسات الوطنية لمعالجة الفقر، وغياب الاستراتيجيات الوطنية في المنطقة لحل النزاعات، ودفن الرؤوس في الرمال حول قضية الاختلالات البيئية وعلى رأسها شحة المياه والمسائل المتعلقة بالتصحر، وتراجع الإنتاج الغذائي العربي ونشرنا هذا التقرير عام 2009 وللعلم فإن كل الدول وقفت ضدنا وتحاملت علينا رفضاً للتقرير وأسجل هنا شكري لرئيس وزراء لبنان حينها فؤاد السنيورة الذي تفهم كل ما ورد بالتقرير وأشاد به وقال “سأذكركم عندما ترون أن هذا التقرير يقول الحقيقة فقط»، وتعلمت كثيراً في الأممالمتحدة خلال عملي على يد رائدين من رواد الاقتصاد على مستوى العالم السيد كمال درويش والسيدة هيلن كراك وكلا الشخصين أكن لهما كل الاحترام لأنهما أمداني بالثقة والعمل تحت إمرتهما وتعلمت منهما الكثير ما لم أتعلمه طيلة حياتي. .. كيف تقبلك البعض كيمنية في هذا المنصب الدولي الرفيع؟ في الأممالمتحدة كان الأمر عادياً ربما لوجود نساء كثر من دول مختلفة في مستويات نمو وتقدم أو تأخر بلدنا، لكن في بعض الأماكن كان بالفعل يحدث اندهاش لأن لديهم تصورات وصوراً نمطية كثيرة جداً حول المرأة اليمنية وفي هذه الصور النمطية شيء من الحقيقة فيما يتعلق بالمرأة والأرقام المتعلقة بالمؤشرات التنموية حول الوفيات والتعليم وزواج الصغيرات هذه كلها علامات يجب أن نخجل جميعاً منها، حيث لا يجب أن تموت المرأة اليوم ولا الطفل في اليمن لانعدام الخدمة الصحية أو بسبب عدم وجود عناية أو غذاء كاف، وهذه مسألة مهمة جداً إذا ما أردنا مستقبلا أكثر إشراقاً.. .. بعد أن تركت وزارة حقوق الإنسان وتم تعيينك في الأممالمتحدة.. هل كان لك تواصل مع من خلفك في الوزارة؟ بعد أن قررت الانضمام للأمم المتحدة جلست لفترة في البيت، وتواصلت لاحقاً مع الوزيرة الدكتورة خديجة الهيصمي وباركت لها منصب الوزير وقلت لها سآتي لأسلمك الراية وكنت قد أعددت كثيراً من الملفات لكل القضايا وحضرت وسلمتها بنفسي كل هذا وهي فوجئت لأنه ليس هناك من يقوم بهذا الأمر خاصة وأن كثيرين كانوا يعلمون أن انسحابي من الوزارة لم يكن انسحاباً عادياً، فوددت أن أطبع لهذا النقل والتسليم وشرحت للوزيرة القادمة كل ما يتعلق بالوزارة ومستقبلها وبعدها جاءت الأستاذة هدى البان وكان هناك تواصل معها ورتبت لها عدداً من اللقاءات في الولاياتالمتحدةالأمريكية والآن حورية مشهور وهي من الشخصيات الرائعة والحقوقية. .. ألا تعتقدين بأنك قد تسببتِ بالإحراج لكل الوزيرات القادمات بعدك.. بسبب المقارنة الواردة بشكل دائم بينك وبين أي وزيرة تشغل هذا المنصب؟ لا أعتقد هذا.. وإذا كان هذا الكلام صحيحاً فأنا أعتذر عن كل الذين قالوا هذا الكلام عني، ويجب أن نقول بأن الدكتورة وهيبة فارع هي من كانت قد أسست لفكرة أن يكون هناك مكتب لحقوق الإنسان في اليمن ومجموعة تعمل وتسهر على حقوق الإنسان، وعندما جئت بعدها وأنشأت الوزارة صارت الأمور أكثر تعقيداً وتطلبت جهداً مضاعفاً في الإقناع وخوض صراعات عديدة وكان الناس يتوقعون حلاً لكل المسائل ولا يقبلون بالقليل، وثم أن الأمر فيما يتعلق بالوزيرات بشكل عام فإن المجتمع ليس رحيماً بهن لأن ثقافة المجتمع لا تزال ثقافة المرأة الوزيرة محدودة ويجب هنا على المرأة أن تتحمل الكثير وأن تكون استثنائية لدرجة أن لا تسمح لأحد مهما كان أن يقول أي قول وأنا قد عملت أقصى ما استطعت وليس أدنى. .. أسستِ الحركة الكشفية في اليمن عام 63 وكان لك حضور رائد رغم صغر سنك في الأنشطة الاجتماعية والتربوية بمدينة تعز.. لماذا تقبلك المجتمع؟ بالفعل كان هناك حركة اجتماعية في مدينة تعز لم تكن عادية حينها وتأسست الحركة الكشفية في تعز حينها وكان كل شاب وفتاة مشاركين في هذه الحركة ويندر أن نجد شاباً أو فتاة غير منخرطين في حركة الكشافة والمرشدات ولم تكن حركة اجتماعية فقط بل حركة فعلية وحقيقة وسياسية، وكان هناك برنامج اهتمام بالشباب وبجيل الثورة وأنا هنا أتحدث عن تعزالمدينة التي ولدت وتعلمت فيها وهي المدينة الجامعة التي احتضنت كل أبناء اليمن ولم تفرق بينهم وهذه علامات قوة للمدينة نفسها وهذا ما جعل المدينة تتقبل أي نشاط كانت تقوم به المرأة أو الرجل، ثم أن التعليم كان له دور رائد وأتذكر مديرة المدرسة فاطمة أبو بكر العولقي تذهب للبيوت لتقنع الأسر بضرورة أن تعلم أبناءها وبناتها وتساعد بدعم أحوال الأسر غير القادرة على تعليم بناتها وكل هذا كان يحدث بهدوء وبشكل طبيعي جداً وتقبل اجتماعي، ولهذا كانت مدينة تعز علامة للانفتاح الاقتصادي والسياسي والتعليمي وعلامة متميزة في رفد الساحة بعدد كبير من الأسماء النسوية الفاعلة والمؤثرة ، وهذا لكون المجتمع منفتحاً على المرأة ومتقبلاً لها ولا ننسى أن المرأة في تعز تنزل من الجبل إلى المدينة للبيع والشراء وهذه مسألة في منتهى الطبيعية رغم أن النساء جميلات وسافرات ولم يحدث أي أذى لهن خلال عملهن بالأسواق حينها. .. هل تعتقدين بأنه سيتم في المستقبل القريب تعيين من النساء اليمنيات من تكون حاكم إقليم أو في منصب محافظ؟ أتصور نعم، وحتماً ستكون هناك نساء وليس امرأة واحدة في هذه المراكز، وباعتقادي سيخضع هذا للمحاصصة الحزبية السائدة في البلد. .. عملت كأول امرأة في منصب وكيل وزارة الإعلام .. كيف تقيمين واقع المرأة الإعلامية اليوم في اليمن؟ مساحة التعدد توسعت اليوم في الإعلام المرئي والمقروء وكذا الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي، كل هذا شكل ميزة وعبئاً على الإعلام اليمني، ميزة من حيث أنها نوعت ووسعت القول والفعل الإعلامي لكنها صعبت الوضع على الإعلام الحكومي بدرجة رئيسية لأن الإعلام الحكومي لايزال مقيداً في اليمن أكثر من غيره، فهو مقيد بعكس وجهة نظر الحكومة وتكون القضية أصعب عندما لا يوجد لدى الحكومة سياسية إعلامية، وليس هناك تطور في إمكانيات الإعلاميين والإعلاميات في اليمن، وبالنسبة للإعلاميات أقول بأن هناك شخصيات نسائية ممتازة، غير أن أوضاعهن لا يحسدن عليها، ولا توجد امرأة في اليمن تتولى منصب القيادة في أي مؤسسة إعلامية في اليمن، ومع الأسف لم يحدث هذا رغم كل الادعاءات والحديث عن الحرية وتمكين المرأة إلا أن الأمور تراوح مكانها. .. خلال مشاركتك في الحوار الوطني .. كيف تقيمين مشاركة النساء باعتبارها أول تجربة سياسية حقيقة للمرأة اليمنية؟ أنا أتحدث هنا دون أي مبالغة أو مجاملة وبموضوعية، فالنساء تفوقن كثيراً في أدائهن على أداء الرجال، وشيء مبهج ويدخل السرور والفرح إلى النفس هو التعرف على كوكبة من تلك النساء اللواتي قدمن من أصقاع المجتمع ومن مختلف ألوان الطيف السياسي، رغم أن صوت المرأة الريفية كان غائباً تماماً وترك فراغا كبيراً جداً. .. هل نتوقع أن تكون أمة العليم السوسوة مرشحة يوماً ما لمنصب رئيس الجمهورية؟ لا .. لا أعتقد وثمة أخوات كثيرات أتمنى أن يترشحن مع الرجل لهذا المنصب على قاعدة المساواة والندية والكفاءة. .. ما هي القضايا التي تشكل الأولوية في قضايا المرأة العربية؟ مشاكل كبيرة وعلى رأسها موضوع المواطنة المتساوية، وهي ذات المشكلة التي تعاني منها المرأة في مختلف البلدان العربية، ومثلها اليمنية وإن كنت أقول بأن الوضع الاقتصادي للنساء اليمنيات هو العقبة الكبرى أمامهن للتطور وليس الوضع السياسي. .. كيف يمكن للمرأة أن تصل إلى ما تريد دون أن تتصادم مع المجتمع؟ هذا هو السر الذي أتصور أن كل النساء اليمنيات قادرات على فعله وأن يوازن الأمور، و إن كانت هناك لحظات تجبرنا جميعاً على المواجهة إلا أنه بإمكان اليمنيات فعل ذلك لأنهن صاحبات شخصيات غير عادية، وأغلب اليمنيات لديهن حجة المنطق. .. ما سر الحزن الذي يرافق ابتسامتك؟ لا يؤلمني إلا أن أشاهد وقوع كثير من الضحايا المدنيين والعسكريين في اليمن بسبب وبدون سبب، ويذهب المواطن اليمني بدم بارد وكأنه لا قيمة له، هذا ما يؤلمني خاصة أن القوى السياسية لا يهمها إن قتل المواطن وهناك تعاط مع الدم وكأنه شيء لابد منه ، فمتى سيكون لهذا الدم اليمني حرمته وتجرم الأطراف السياسية هذه الجرائم في حق أي يمني أياً كان توجهه، وبدون أن نضع حداً لهذا سيكون اليمن في حالة تراجع ولا أقول في حالة توقف بل تراجع. .. تم تكريم المرأة اليمنية بعدد من الجوائز العالمية في مختلف الدول.. هل يعطينا هذا مؤشراً حول وضع المرأة وحراكها؟ تختلف جوائز عن الأخرى.. هناك جوائز لها نكهة سياسية صرفة ونعرف لماذا يحصل عليها البعض وهناك جوائز مهنية وعلمية وهذه كثرت والحمد لله وأنا مع النوع الآخر المرتبط بالعلوم والمنافسة والثقافة والفنون فليكن وهذا ممتاز، وفي آخر الأمر وأوله فإنها جوائز ليمنيات وفيها تشريف لليمن والمرأة اليمنية تستحق أكثر من هذا، ولكن الأهم أن ينلن هذا على المستوى الوطني أولاً وأن يقدرهن أبناء جلدتهن داخل البلد ولا ننتظر حتى يقدرنا الآخر أو الأجنبي ثم نكتشف أن لدينا جوهرة لا نعرف قيمتها محلياً . .. لماذا حضرت السلطة وغابت الدولة في اليمن؟ مشكلة اليمن هي بسط ونشر سيادة الدولة، ولا أقول هنا السيطرة لأن السيادة ستأتي مع الدولة والسيطرة ترتبط بالسلطة، ومعركة بناء الدولة هي صعبة وأصعب من كل المعارك السابقة.. ..ماذا عن أمة العليم التي لا نعرفها؟ أنا شخص بيتوتي وليس كما يتصور البعض بعكس هذا، أحاول أن أتلمس السعادة مع أهلي وأمي وأولادي في البيت، ولا أحب المناسبات الاجتماعية ولعل آخر زفاف حضرته كان منذ سنوات، فأنا أتجنب هذه الأماكن وأشعر فيها بخجل، وكثيرون يقولون أن أمة العليم التي تواجه العالم تخجل من مناسبة اجتماعية.. وأنا فعلاً أخجل وفي داخلي شخص بيتوتي وخجول، وأحب القراءة والهدوء والسفر قدر الممكن للتعرف السياحي والثقافي، وأحب مشاهدة الأفلام، وأسعد دائماً برفقة والدتي حفظها الله وهي بالنسبة لنا كنز ثمين، وعلاقتي بزوجي علاقة متحضرة ونحن أشبه بالأصدقاء في مسألة الاهتمامات المشتركة وأتمنى هذا للجميع، وسعيدة بكوني أماً لابنتي سماء وابني ريمان. [email protected]