ولدت الوحدة مع أخطائها منذ أول لحظة، نتيجة هروب حزبين من واقعهم الأليم إلى أحضانها، تجاوزت طموحات الشعب واختيارهم لها، وأوجد صيحات وحاقدين ومرحلة تهدد مشروع الوحدة.. وكان «الحوار الوطني الشامل» المنقذ الوحيد والصياغة الأخيرة لتعزيزها، وتقوية أسسها المهترئة التي كادت تنتهي, ب «الموضوعية.. والعقلانية.. والجماعة الواحدة..» انصرف الشرفاء للتفكير في زرع جذور قوية تعيد وحدتنا تراباً وإنساناً وكياناً.. تشققات شعبية «الوحدة اليمنية» منجز وأي منجز، فهل هناك أعظم من أن تتحول القطع المجزأة إلى «دولة واحدة» فرقها طمع الأعداء وجمعها ذات الطمع ودونية الأشخاص التي كانت تجري سياستها العبثة والمتهرئة التي اندفعت باحثة عن الاندماج وفارضه رأيها على شعبها بالتقبل بالوحدة وللركام الذي خلفته تاركة كل تلك التشققات الشعبية والبنى العسكرية دون حق الاختيار لمستقبلها الجديد, الذي كان ولابد فيه من وحدة اجتماعية وعسكرية ودستورية كي تُبنى الوحدة على أساس متين ونسيج اجتماعي واحد يضمن عيشها. من هذا المنطلق بدأت الوحدة من لجوء «هارب» إلى«مستبد» يرى النصف الجنوبي غنيمة وحدث تاريخي هائل، وكان الأمر أشبه ب «حج وبيع مسابح» وبدأت تلك السياسة تتجلى من ناقوس الحرب الذي قرع في عام 1994 فسياسة المكر والاستحواذ والتفرد بالقرار تتوسع وتصفي كل من يحاول طلب الشراكة في الحكم أو من له بصمة قوية في نفوس الجنوبيين, فيما «الشعب» الجانب الأساسي في القضية ترك سابقاً دون خيار لشق طريقه ولاحقاً في الحكم الجديد الذي تفاءلوا بحكمه وسرعان حصدوا (جشع صالح وزبانيته ، ومخلفات الساسة الأقدمين ) الأمر الذي بعث في نفوس الجنوبيين لتحرير مملكتهم وخاصة عندما ذاقوا أخطاء مابعد الوحدة. تحديث سياسي يقول .د عبدالله العامري: الوحدة عبارة عن دمج دولتين في دولة لإيجاد دولة قوية «اقتصادياً» تملك السيادة في حكم الطرفين بدستور واحد يوزع العدالة الاجتماعية والمساواة كي يثمر مشروع الوحدة ويأمن من الضياع في الأيام المستقبلية، خاصة وأنها نتاج لفشل سياسي؛ فالوحدة التي نسجتها اتفاقية 30نوفمبر عام 1989واستوقدت شعلتها في عام 1990بالتحديد كانت اندفاعاً للاندماجية من الحزب الاشتراكي دون الالتفات إلى ما خلفه من الركام منذ عام 1967 أو حتى الذهاب لترميم تلك التشققات الداخلية من خلال حوار وطني جامع بالقوى السياسية للخروج برأي وطني يدفع إلى الوحدة، ويمنع انفصالها فليس بمجرد التقاء السلطتين حصلت «الوحدة» لابد من تحديث سياسي تحت شرعية واحدة تكفل العيش للجميع بالمستوى المطلوب. أخطاء ما بعد الوحدة بعد مرور أعوام من قيام الوحدة الجميع في ترقب لما بعدها، هل فعلاً سيعود الاندماج بدولة قوية «اقتصادياً» تمكنهم من العيش الرغيد خاصة بعد ظهور تلك الثروات التي تؤشر بمستقبل إيجابي, وعلى العكس، فالأيام تمشي بالمعكوس، فعلى امتداد حقبة ما بعد الوحدة تتكاثر الأخطاء وتزداد ممارسة سياسة الإقصاء والإلغاء (الانفراد بالسلطة, نهب الأراضي, تصفية القادة العسكريين) وبرز في حينها صيادو الأخطاء للمحاسبة السياسية التي لم تنتهي بعد, وظهور نزعة حاقدة على الوحدة باعتبارها المطب الذي يقف معرقل لحضاراتهم وتقدمهم، تحت مسمى «الحراك الجنوبي» وصارت مشكلتنا كلها يمنية ومن أبوين يمنيين متاجرة بالوحدة وتغني بالانفصال وجهان لعملة واحدة، الجميع يسعى بعد مصالح شخصية تتوقف بالحصول على السلطة. تشبعت الأجيال بالحقد على الشماليين بيد أن الحكم والسلطة النصاب الأكبر من الشمال وكانت تلك المبررات مع ما سبق حجة قوية لإبراز القضية الجنوبية حجماً أكبر من حجمها بعد ثورة الشباب السلمية 11فبراير 2011ضد حكم العائلة، وأصبحت المزايدة مجرد عظام بالمقبرة، وكان من الضروري جداً الالتقاء على صياغة جديدة تكفل للجمهورية وحدتها. حسم الصراع ب «الحوار» لعل الحكمة اليمنية والشرفاء من هذا البلد اختاروا حسم الصراع ب«الحوار» فهو المنقذ الوحيد لإنقاذ أخطاء مابعد الوحدة، والمدخل الرئيسي للتطور والاستقرار، فهو طريق لإخماد النار وإطفاء الصراع المفتعل، ووسيلة للانصراف إلى التفكير بهدوء.. وجماعية.. وموضوعية.. وعلمية.. في مصلحة واحدة، مصلحة الوطن، دون الغرق في بحور المشاكل الشخصية والجزئية, فثمة فريق من الدكاترة والأكاديميين يرون أن الحوار خرج بمخرجات تؤمن مشروع الوحدة وتحل قضية الجنوب. مخرجات عادلة د. اسماعيل الخلي ( عضو اللجنة المركزية للحزب الناصري ) يفصل قائلاً: الحوار عالج كثيراً من قضايا الوحدة، ولو أخذناها بنوع من المصداقية لحققنا كثيراً من الأهداف, لأن أخطاء الوحدة ولدت معها, ولأنها جاءت وحدة فوقية نتيجة لهروب حزبين من واقعهم الأليم إلى أحضان الوحدة, فحكام الشمال كانوا بوضع لا يتيح لهم الحكم, وحكام الجنوب كانوا بوضع ووقت لا يسمح لهم بالتفكير المنطقي العقلاني، فالمصير المؤلم والحاصل في أوروبا الشرقية وقضية «شاو تسكو» ماثلة للعيان وعبرة للمتعظ، لهذا السبب هرب الطرفان إلى الوحدة من وضعهم المزري, فالوحدة بدأت من لحظتها الأولى مصالح فوقية تجاوزت طموحات وتطلعات الشعب اليمني لقيام دولة واحدة موحدة أرضاً وشعباً من أقصاها إلى أقصاها. خلع القميص الماركسي وأضاف الدكتور الخلي: جاءت الحرب هروباً من التقاسم، فنظام علي عبدالله صالح كان هدفه التمدد بحكم خبرته في شراء ضعاف النفوس والكثافة السكانية, وحكام الجنوب كانوا يريدون خلع القميص الماركسي ولبس ثوب جديد يستطيعون من خلاله الدخول إلى مجلس التعاون الخليجي, وهكذا جاءت وثيقة العهد والاتفاق، لأن الطرفين لم يكونا صادقين مع أنفسهم أو مع دولة الوحدة. وأردف الخلي: انتصر الطرف الشمالي على الجنوبي على يد علي عبدالله صالح ولم يستغل هذه اللحظة لبناء دولة الوحدة بمواطنة متساوية, والارتقاء بنفسه رئيساً لجميع أبناء الوطن، وإنما الانتصار إلى فوز حوّل أرض الجنوب إلى مقاطعة يريد السيطرة عليها وضمها لخزينته, مما أدى إلى تنافر النفوس ما بين أبناء الشمال وأبناء الجنوب, وساعد هذا التنافر على إخراج مئات الآلاف من العسكريين والمدنيين من أبناء المحافظات الجنوبية، وأصبحوا مشردين في الشوارع، أدى هذا إلى ازدياد النقمة على الوحدة بذاتها عندما وجدوا أبناء الجنوب وضع نأي الشمال بتحقق مصالح كبار ( المسئولين , العسكريين , التجار ) والمواطن العادي لم يحقق حلمه من هذه الوحدة إلا العلم والاسم، لأن الوحدة إذا لم تأتي بوضع اقتصادي وسياسي واجتماعي أفضل مقارنة بما كان عليه فهي لاتمثل بالنسبة للجميع شيئاً. معيشة محترمة وزاد الدكتور الخلي: الوحدة ليست عبارة وشعار ونشيد يردد، وإنما هي علم لمصالح تحقق للمواطن، ومعيشة محترمة تحترم آدمية الإنسان وحقوقه، والمواطنة المتساوية، وهذا لم يحصل لكن الآن وثيقة العهد والحوار خرجت بوثيقة في غاية الأهمية، وأنصفت أبناء المحافظات الجنوبية أكثر مما أنصفت أبناء بعض المحافظات الشمالية، التي هي بالحقيقة أكثر ظلماً وسحقاً مما هو عليه الحال في المحافظات الجنوبية..وأتمنى من الجميع أن يستغلوا مخرجات مؤتمر الحوار لبناء دولة النظام والقانون دولة (يتساوى الجميع فيها, ينعم الجميع بالوظيفة) يعيش الإنسان فيها معززاً مكرماً في وطنه وبلده وبيته (الجيش للجميع , الحكومة للجميع , العدل للجميع ) مالم فالوحدة تذهب للبعيد. اعذرونا مما عمل السفهاء وبخصوص دعوات فك الارتباط يقول الدكتور الخلي: الوحدة هي حق وملك لجميع أبناء الوطن، فهي عزة وكرامة، ومن تكلم عن فك الارتباط يريد فك رقبته، صحيح أن علي سالم وعلى صالح والمرتزقة وتجار الحروب دمروا هذا الوطن، واستغلوه واستباحوه، لكن الوحدة ستظل فوقهم جميعاً، ويزيد: أدعو إخواني في الحراك الجنوبي أن يكون حراكهم لمزيد من المطالب الوطنية العاجلة لأبناء الشمال والجنوب، لأن المعاناة واحدة، الكل يعلم أن علي عبدالله صالح حول الجنوب إلى مزرعة استغلها لقبيلته وأسرته، وبالتالي اعذرونا مما عمل السفهاء منا, هذا لايعني أن يأتي الحراك ويصبح عدواً للمواطن العادي ويحرق عربية أو دكاناً تجاوز عمره مئات السنين، فالمحافظات الشمالية أو الجنوبية عمرها ما فرقت بين الشمالي والجنوبي، وهؤلاء يريدون التفرقة والعودة لهذا الوضع التشطيري البغيض، حتى أيام الاستعمار لم يكن هناك حقد أو كراهية بين الطرفين، نرجو أن يعود الجميع إلى رشدهم، ففك الارتباط يعني فك لمستقبل أبناء اليمن جميعاً شماله وجنوبه. قوانين جديدة أ. محمد فارع من (أبناء الجنوب) من جانبه يقول: صحيح حصلت ممارسات خاطئة بعد الوحدة ولدت الحقد والكراهية، لكن الحوار الوطني سلط أضواءه لحلها، وأوجد القوانين في كيفية تنظيم حياة البشر والتعامل معهم وإلى جانب ذلك توزيع الثروة ومستخرجات الأرض بشكل متساو وعادل و أيضاً الحوار الوطني شكل لجاناً للمخرجات السلبية والإيجابية لاستنباط قوانين شرعية وعادلة. ويزيد: الوحدة هي عودة الأرض للإنسان، عودة الكيان الواحد ، لكن مازالت ضغائن بعض القوى السياسية والمستنفعة لازالت تجذر الانشطار الوحدوي, وكلها ترجع إلى سلوكيات الإدارة في القيادة، فلو رجعنا إلى ما قبل الوحدة وفكرنا على مهل عندما كنا مجرد خليط بسيط (شماليين ، جنوبيين ) كانت تربطنا علاقة قوية وأساساً قوياً هي وحدة التراب والإنسان التي تنبض بقلوب الجميع, ويضرب مثالاً عندما يكون اليمني خارج بلده بصرف النظر عن كونه شمالي أو جنوبي فإحساس بالحنين يرجع لليمن بأكملها وليس لبقعة محددة لكونه يمني. من أيام بلقيس ويردف: القوى المتنفذة والمتسلطة والتي تحاول العبث بالأوراق هي بالأصل غير يمنية، وإن كانت تمددت وتوسعت بثرواتها ومصالحها داخل اليمن، وكل هؤلاء «المتسلطين المتنفذين» لديهم قوى إقليمية تساعد على شراء مربعات استثمارية في البلد، وبالتالي هذه القوة فقدت مربعاتها في مرحلة من الزمن وتريد إعادتها بأي طريقة، بالانفصال كوسيلة ضغط، أو بالوصول إلى السلطة، وهم يعبثون بيمننا عبر الاغتيالات وتفريق الصفوف، ويختم: الوحدة لا غبار عليها، والانفصال من سابع المستحيلات، فالوحدة وحدة كيان وأرض وإنسان من أيام بلقيس. الحوار حصن الوحدة جلال الوشاح يوضح قائلاً: الوحدة مكسب عظيم لليمن، وشاءت الأقدار أن تكون الوحدة بين أجندة النزاع مؤيد ومعارض، وبالتالي الحاقدين عليها هم صنفان «مظلوم ومتسلق» والصنفان هم نتيجة أخطاء ما بعد الوحدة التي أُرتكبت بقصد أو بدون قصد، أو لضرورة سياسة أو مجرد عظمة واستبداد، كل ما سبق كان لابد من تصحيحه، ومنذ عام 2011بدأ التصحيح الفعلي للأخطاء، ابتداءً بالمساواة السياسية منذ تقلّد الرئيس هادي الحكم، الذي أحدث شبه توازن، وأيضاً مرحلة مابعد التوافق كان لها الجانب الإيجابي في زرع مساواة سياسية، لأن القضية الجنوبية ليست قضية حقوق فقط، بل قضية سياسية نتيجة لحرب 94وخروج الحزب الاشتراكي من الحكم. ويضيف: أما بالنسبة لقضايا الحقوق فالحوار الوطني تعمق فيها، وخرج الحوار بمخرجات عادلة ومنصفة تحرس سقف الوحدة من الانهيار. قوة وعزة وكرامة الوحدة مصدر قوة وعزة وكرامة، فمتى يشعر الكل ويتيقن بأنها مدخل رئيسي للاستقرار والتطور، لأن هدفها الرئيسي العدالة الاجتماعية والنمو الاقتصادي وإصلاح أخطاء ما بعد الوحدة، ويجعل سياق الحال: شعبي الجنوب وشعبي كله يمن من حضرموت إلى أقصى بني عبس.