لم يكن هناك من حل غير تحرير أسعار النفط ورفع الدعم عنها كلياً، على الرغم من الآلام التي سببتها أزمة الانقطاع، إلا أن المستقبل لا تزال أمامه فرصة مواتية ليُصنع ويصبح واقعاً ملموساً. استهلالة واقعية بالنظر إلى الأحداث المتلاحقة التي سبقت انتفاضة 2011م وعواقبها التي أوصلت السياسيين إلى أفق مسدود كان لابد أن تلقي بظلالها على كل نواحي الحياة الملامسة بشكل مباشر للمواطن، ومن ضمنها الناحية الاقتصادية والتي يندرج في إطارها الجانب المعيشي والتنموي وما إلى ذلك كثير. كان عام2011م عام توقف تام لعملية التنمية والجوانب التي تتعلق بإنعاش الاقتصاد، أو لنقل المتعلقة بالمعالجات الاقتصادية المناسبة للوضع القائم حينذاك، ومن قبل، ولكن الأمر ازداد سوءا واستمر في التعقيد في ظل تهاوي الاقتصاد الوطني الغير معلن حكومياً، والملامس شعبياً، فيما يبرر الصمت الحكومي إزاء ذلك على أن المرحلة تقتضي ذلك سياسياً كتضحية في سبيل الحفاظ على التماسك واللحمة الوطنية، حتى بلغ السيل الزبى وفاض الكيل وعجز الجميع عن احتواء الكارثة المحدقة بسبب الأعباء الغير معلنة. مقدمة مريبة لم يكن في الحسبان أن أبراج الكهرباء ستتعرض للقصف شبه يومي وأن أنابيب النفط والغاز ستفجر باستمرار على نحو ممنهج ومدروس، وأن عمليات النهب والسلب ستتطور وسيصبح دخان التخريب مسيطراً على سماء الوطن. كانت تلك مقدمات لوضع مأزوم حتمي المعايشة، خاصة وأن الدولة تتعامل مع كل التطورات بلغة التسامح وإعطاء فرصة للعودة والكف عن الممارسات الإجرامية دون استخدام القوة، متعللة بأن لا داعي لإثارة الفوضى وفتح جبهات المواجهة في الوطن. لم نتنبه نحن كمواطنين للاقتصاد ولا الحكومة وسيطرت السياسة على حواسنا الخمس صباح مساء، وتناسينا أن كل الجرائم التي تستهدف النفط والغاز إنما تستهدف استقرارنا الحقيقي، وتعلن الحرب على عيشتنا ومستقبلنا، ولم نقف وقفة جادة مع الحكومة ضد الأعمال التخريبية حتى تراكمت النتائج السلبية المستقصدة قوت الناس ومعيشتهم، وهو ما تطور فيما بعد إلى أزمة خانقة في المشتقات النفطية مصحوبة بتطورات مستنتجة من ذلك، أصابت البلاد بشلل شبه تام. أزمة مؤلمة بعد كل التخريب الذي طال أنابيب النفط، إضافة لتفاقم العجز الاقتصادي، كان لابد لأزمة أن تولد في ظل غياب الحلول الواقعية وعدم سرعة التعامل مع المستجدات التي كانت تطرأ دائماً على الواقع. انعدمت المشتقات النفطية بصورة غير معلنة وبشكل تدريجي وبات الحصول عليها شبيهاً بالمستحيل، وهو ما فاقم الوضع وزاده سوءاً فتضرر المزارعون والتجار وأصحاب المصانع ومن قبلهم المواطنون عموماً. كانت الأزمة طاحنة وقفت الحكومة عاجزة عن معالجتها ولم تكن أمامها حلول ناجعة ومستعجلة للحد من تفاقمها أو حتى لتخفيف وطأتها وتبعاتها، حتى طالت الجميع وأصبح الكل يبدي تضمراً مما يجري ويحدث. استمرت الأزمة3 أشهر أو تزيد، شغلت الناس في قوتهم وفي مجالسهم وحتى في نومهم، لم يكن لهم حديث يتداولونه غير أزمة النفط وما جنته عليهم، موجهين سيلاً من التهم للحكومة والأحزاب والسياسيين بتنوع انتماءاتهم، ولم تسلم ثورة فبراير أيضاً من التهمة. شواهد وآثار ترتبت على هذه الأزمة آثار مدمرة ألحقت الضرر بالحرث، وكبدت النسل خسائر فادحة؛ فمنذ أسبوعين كنت في تهامة متنقلاً في سهولها المعروفة بالزراعة واعتماد الناس كلياً على ذلك؛ اندهشت كثيراً من هول ما شاهدته هكتارات من الأراضي الزراعية لحق بها الضرر وأصابها القحط بسبب انعدام مادة الديزل. هلكت أشجار المانجو في أكثر من مكان، وبعضهم كان قد استأجر أراضي وزرعها بالموز، ولم يكن قد مضى على ذلك زمن حتى جاءت الأزمة حاملة معها قدراً محتوماً، فما كان من الموز إلا أن هلك كلف ذويه خسائر قدّرت بملايين الريالات. بينما مزارعون آخرون اضطرهم الوضع إلى خلط ما يمكنهم الحصول عليه من الديزل بعد انتظار قد يدوم لأكثر من شهر، يضطرهم ذلك إلى خلط الديزل بزيت الطبخ وهو ما يؤخر نضج محاصيلهم بل ويهلكها ويجعلهم بحاجة إلى صيانة آلاتهم التي تضخ الماء بصورة دورية حتى لا تنتهي بسبب الزيت المخلوط بالديزل، وهو ما جعل المتضررين هناك يبدون استياءً كبيراً في ظل انعدام الحلول وغياب الحكومة عن توفير ما يضمن لهم بقاء محاصيلهم ومزروعاتهم التي ركنوا إليها وبها حياتهم. هذا عوضاً عن التباين الكبير بين محطات الوقود التي بدا أغلبها مغلقاً فيما أخرى مملوءة بالطوابير اللا منتهية في انتظار ما قد يأتي من الديزل والبترول وهو حال بقية مدن اليمن إن جاز القول. حلٌ قاسٍ ازداد الوضع من سوء إلى سوء، وكاد الانهيار أن يحدث، ووصل الأمر إلى منتهاه من الصبر والتحمل، فما كان يجب على الحكومة إلا أن تقوم بمهمتها وتتدخل لوضع حد لعملية التدهور التي عمت البلاد وأصابت العباد. تدخلت الحكومة وأعلنت رفع الدعم عن المشتقات النفطية وتحرير أسعارها لتصبح مواكبة للدول العالمية، خاصة بعد أن أظهرت تقارير أن اليمن أنفقت ما يزيد عن 20 مليار دولار خلال العشر سنوات الماضية دعماً للمشتقات النفطية، وهو ما كبد الوطن أعباءً لا تطاق وصرف الحكومة عن مشاريع تنموية أخرى. أعلن الحل القاسي وتخلصت الحكومة من مشقة دعم المشتقات، وتحمل الشعب أعباء جديدة لم يحسب لها المواطنون يوماً حساباً. على أثر ذلك توفر النفط، وهو ما مثل صدمة لكثيرين، على اعتبار أن الحكومة كان بإمكانها أن ترفع الدعم تدريجياً دون افتعال الأزمة أو لنقل دون غض طرفها عن تمدد الأزمة التي خلفت كوارث كبيرة على المستوى الزراعي والمعيشي للناس. استشراف المستقبل على الرغم من المعارضين لقرار رفع الدعم إلا أن مؤيديه طرحوا أفكاراً قابلة للفهم والمحاكاة تمثلت فعلاً في السماح لعملية التنمية بالانطلاق، إضافة إلى استكمال المشاريع المتعثرة؛ فيما عدها محللون اقتصاديون خطوة في الاتجاه الصحيح لانعاش الاقتصاد الوطني وتحريره من قيود الدعم التي أثقلت كاهله، ودعوا الشعب إلى التحمل والروية وانتظار نتائج ملموسة في وقت غير بعيد؛ وذهب آخرون إلى أن الخطوة كانت متطلبة منذ سنوات لتلافي ما وصلت إليه البلاد اقتصادياً، وإن عملية التوقيت المرحلي هي الخطأ الوحيد الذي لم يضعه المسؤولون في الاعتبار وذلك لما يعانيه المواطنون من تبعات جسيمة بسبب الظروف الراهنة. تفاؤل مر أقرت الخطوة وأصبح الجميع ملزمين بالتنفيذ وسط غضب مبطن تقديراً للمرحلة وتفاؤل مر ينتابهم علّ ذلك يكون خيراً خلال الغد الذي طال انتظاره؛ وما بين الانتظار وتلبية المطالب الأساسية تقاس حقيقة جدية الحكومة ومن بيدهم مقاليد البلاد لتجنيب اليمن آثاراً وخيمة أوشكت أن تحدث بفعل المنتهزين وتجار الحروب.