توتر وتحشيد بين وحدات عسكرية غرب لحج على شحنة أسلحة    عالم أزهري يحذر: الطلاق ب"الفرانكو" غير معترف به شرعا    تسعة جرحى في حادث مروع بطريق عرقوب شقرة.. فواجع متكررة على الطريق القاتل    الخدمة المدنية توقف مرتبات الموظفين غير المطابقين أو مزدوجي الوظيفة بدءا من نوفمبر    انتقادات حادة على اداء محمد صلاح أمام مانشستر سيتي    سؤال المعنى ...سؤال الحياة    برباعية في سيلتا فيجو.. برشلونة يقبل هدية ريال مدريد    بوادر معركة إيرادات بين حكومة بن بريك والسلطة المحلية بالمهرة    هل يجرؤ مجلس القيادة على مواجهة محافظي مأرب والمهرة؟    جحش الإخوان ينهب الدعم السعودي ويؤدلج الشارع اليمني    الأربعاء القادم.. انطلاق بطولة الشركات في ألعاب كرة الطاولة والبلياردو والبولينغ والبادل    العسكرية الثانية تفضح أكاذيب إعلام حلف بن حبريش الفاسد    غارتان أمريكيتان تدمران مخزن أسلحة ومصنع متفجرات ومقتل 7 إرهابيين في شبوة    إحباط عملية تهريب أسلحة للحوثيين بمدينة نصاب    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية تُنظم فعالية خطابية وتكريمية بذكرى سنوية الشهيد    العدو الصهيوني يواصل خروقاته لإتفاق غزة: استمرار الحصار ومنع إدخال الوقود والمستلزمات الطبية    عدن.. هيئة النقل البري تغيّر مسار رحلات باصات النقل الجماعي    فوز (ممداني) صفعة ل(ترامب) ول(الكيان الصهيوني)    الأستاذ علي الكردي رئيس منتدى عدن ل"26سبتمبر": نطالب فخامة الرئيس بإنصاف المظلومين    الشيخ علي محسن عاصم ل "26 سبتمبر": لن نفرط في دماء الشهداء وسنلاحق المجرمين    مرض الفشل الكلوي (27)    فتح منفذ حرض .. قرار إنساني لا يحتمل التأجيل    الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر اليمني ل 26 سبتمبر : الأزمة الإنسانية في اليمن تتطلب تدخلات عاجلة وفاعلة    انها ليست قيادة سرية شابة وانما "حزب الله" جديد    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    تيجان المجد    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    الدولة المخطوفة: 17 يومًا من الغياب القسري لعارف قطران ونجله وصمتي الحاضر ينتظر رشدهم    سقوط ريال مدريد امام فاليكانو في الليغا    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    الرئيس الزُبيدي يُعزي قائد العمليات المشتركة الإماراتي بوفاة والدته    محافظ العاصمة عدن يكرم الشاعرة والفنانة التشكيلية نادية المفلحي    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    في بطولة البرنامج السعودي : طائرة الاتفاق بالحوطة تتغلب على البرق بتريم في تصفيات حضرموت الوادي والصحراء    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    وزير الصناعة يشيد بجهود صندوق تنمية المهارات في مجال بناء القدرات وتنمية الموارد البشرية    اليمن تشارك في اجتماع الجمعية العمومية الرابع عشر للاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي بالرياض 2025م.    شبوة تحتضن إجتماعات الاتحاد اليمني العام للكرة الطائرة لأول مرة    صنعاء.. البنك المركزي يوجّه بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    رئيس الحكومة يشكو محافظ المهرة لمجلس القيادة.. تجاوزات جمركية تهدد وحدة النظام المالي للدولة "وثيقة"    خفر السواحل تعلن ضبط سفينتين قادمتين من جيبوتي وتصادر معدات اتصالات حديثه    ارتفاع أسعار المستهلكين في الصين يخالف التوقعات في أكتوبر    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    أوقفوا الاستنزاف للمال العام على حساب شعب يجوع    عين الوطن الساهرة (1)    سرقة أكثر من 25 مليون دولار من صندوق الترويج السياحي منذ 2017    هل أنت إخواني؟.. اختبر نفسك    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    في ذكرى رحيل هاشم علي .. من "زهرة الحنُّون" إلى مقام الألفة    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عيد الجلاء بعيون الشعراء
نشر في الجمهورية يوم 30 - 11 - 2014

مريرة هي سنوات النضال ، لكن مرارتها تذوب وتُنسى عندما يتوّج هذا النضال بالانتصار ، ولو بعد حين هكذا كانت السنوات الفاصلة ما بين ثورة أكتوبر الظافرة عام 1963م وصباح الاستقلال في 30 نوفمبر عام 1967م ،أربع سنوات لم تمر هينة على الأحرار في الشطر الجنوبي - سابقًا- وهم يناضلون من أجل نيل الحرية الكاملة غير المنقوصة ، بعيداً عن الوصاية والانتداب وغيرها من المسميات الناعمة .
يوم الاستقلال الخالد الذي تخلّص الشعب فيه من محتليه ألا يسمى عيدًا؟
إنه والله عيد ، كما سبق أن قال أمير الشعراء أحمد شوقي عن يوم جلاء نفس المحتل عن مصر :
والله ما دون الجلاءِ ويومهِ
يومٌ تسميه الكنانةُ عيدا
وكأن شوقي تحدث بلسان الدول العربية كلها وليست مصر بعينها في هذا البيت ، ولا غرابة فكلنا في الهم شرقُ
قلم الشاعر
لا تمر الأحداث العظام دون تسجيل وقد يغفر للشاعر تراخيه في الأحداث الروتينية اليومية ، لكن إذا دقت ساعة الحرية ، حمل الشاعر قلمه ليسجل تلك اللحظة الخالدة للأجيال التي لم تعاصرها ، ودعونا نستمع للشاعر لطفي جعفر أمان في قصيدته المشهورة " يا مزهري الحزين " :
يا مزهري الحزين
من يرعش الحنين ؟
إلى ملاعب الصبا وحبنا الدفين
هناك حيث رفرفت
على جناح لهونا
أعذب ساعات السنين
يا مزهري الحزين
الذكريات ..الذكريات
تعيدني في مركب الاحلام للحياة
لنشوة الضياء في مواسم الزهور
يستل من شفاهها الرحيق والعطور
وبعد هذا كله
في صحوة الحقيقة
ينتفض الواقع في دقيقه
يهزني
ويشد أوتاري إلى آباري العميقة
يشدها يجذب منها ثورتي العريقة
ويغرق الأوهام من مشاعري الرقيقة
ويخلق الإنسان مني وثبة وقدره
عواصفا وثوره
هنا ..هنا
إذ زمجرت رياحنا الحمراء
تقتلع القصور من منابت الثراء
وتزرع الضياء
وتغدق الغداء والكساء والدواء
على الذين آمنوا بأنهم أحياء وخيرة الأحياء
في الحقل
في المصنع وفي كل بناء
يا مزهري الحزين
يا مزهري الضعيف
ما عاد شعبي ينسج الأوهام في لحنٍ سخيف
عن قيس ليلى.. روميو جوليت
أسماء كثيره
دبت دبيب النحل في أسفارنا المثيرة
دبت بنا بحمولة الأفيون في سفن خطيرة
كي توهم الدنيا بأننا أمة الوهم الحقيرة
لكننا يا مزهري المحزون يا ضعيف
نبني نحيلك أنت من وترٍ حريريٍ رهيف
مستضعف باك
إلى وثب إلى ضربٍ عنيف
كي يشهد المستعمرون بأننا حقًا نخيف
لا أن نخاف
أو أن نموت مع الضعاف
اسمع إذًا مني
ووقع لحن قصتي الجديد
وابعث به في مركب الشمس العتيدة للخلود
اسمع
أنا من قبل قرنٍ أو يزيد
قرنٍ وربع القرن بل أكثر من عمري المديد
كانت بلادي هذه ملكي أنا
ملكي أنا
خيراتها مني ومن خيراتها أحيا أنا
كانت وما زالت
وهذه قصتي فانصت لنا
في ليلةٍ مسعورةٍ موتورة الظلماء
أوفت إلى شواطئي مراكبُ الأعداء
يقودها هنس انجليزيٌ حقير
يقرصن البحر شهى
وجيفةٌ من الضمير
هذا الحقير
أرسى هنا
ومد عينيه إلينا في اشتهاء
ونسج المزاعم النكراء في دهاء
مدعيًا أن جدودي هاجموا سفائنه
ونهبوا خزائنه
وأننا بكلمةٍ غريبهٍ قراصنة
تصوروا نحن إذًا قراصنة !
وهكذا انداح له الغزو إلى أقصى الحدود
ودنس البلاد بالجنود والنقود
وبذر القلاقل
وفرق القبائل
ولملم الدجى على أطرافهِ يصول
يمد من أطماعه مخالبَ المغول
لكننا على المدى منذ احتلال أرضنا كنا يدا
يدًا تصافح الرفيق في الكفاح لا العدا
وقطعة الرغيف
والمبدأ الشريف
زادان كانا كافيين للبقاء
فنحن شعبٌ لا ينالُ الضيمُ منا ما يشاء
هاماتنا فيها من الشمس بريقُ الكبرياء
لا نعرف الدموع إلا وأن نحيلها دماء
تعلوا على ضفافها بواسق الاباء
وكلما مرت بنا أعومنا الطويلة
نغرس من ثورتنا بذورنا الأصيلة
في كل جيلٍ صاعدٍ يؤمن بالضياء
بالأرض بالمعول بالسلاح بالبناء
ومن هنا تصلّبت عقيدة السلاح
ونحن منذ خلقنا نعرف ما معنى السلاح
نعرفه ونرضع الأطفال منه للكفاح
ونصنع الرصاصَ من مرارة الألم
وننتشي نرتقبُ الفجرَ الجديدَ في شمم
حتى بيوتنا التي طلاؤها الغبار حيث عم
ترمي على سيمائنا ظلالها وتبتسم
وانتفض الزمان
دقت الساعة الأخيرة
فاندفعت جموعنا غفيرةً ..غفيرة
تهز معجزاتها في روعة المسيرة
وجلجلت ثورتنا تهيبُ بالأبطال
الزحفُ يا رجال
الزحفُ والنضال
فكلنا حرية تحن للقتال
وهكذا تفجّر البركان في ردفان
ورددت هديره الجبالُ في شمسان
وانطلقت ثورتنا ماردةً النيران
تضيء من شرارها حرية الاوطان
وتقصف العروشَ في معاقل الطغيان
وتدفعُ الجياعً في مسيرة الإنسان
يشدهم للشمس نصرٌ يبهرُ الزمان
وهكذا تبددا
عهدٌ من الطغيان لن يُجددا
وحلّقت على المدى
ثورتنا تهتف فينا أبدا
يا عيدنا المخلدا
غرّد
فإن الكونَ من حولي طليقًا غردا
غرّد على الافنانِ في ملاعب الجنان
الشعبُ لن يستعبدا
قد نال حريته بالدم والنيران
وقتلَ القرصان.
تراه في القصيدة يسجل الاحتلال البريطاني للبلد منذ البداية ، في لمحة خاطفة يربط الماضي بالحاضر ليدوّن التاريخ مكبوسًا ، وكأنه يتكئ عليه ليدلي بشهادته أمام التاريخ عند لحظة الانتصار التي انتفض بها الزمان، و دقت الساعة الأخيرة ، هنا انتقل من المكان للزمان في ترابطهما الأزلي العميق ، وكأنه يصنع المسرح للحدث الذي يقول عنه :
فاندفعت جموعنا غفيرة ..غفيرة
تهز معجزاتها في روعة المسيرة
وجلجلت ثورتنا تهيب بالأبطال
الزحف يا رجال..
إنها قصيدة تسجيلية بامتياز لذلك اليوم الأغر ..
والشاعر لطفي جعفر أمان قد استقبل هذا الاستقلال بقصيدة أخرى أروع عنوانها “الانتصار الكبير” يقول فيها :
على أرضنا .. بعد طول الكفاح..
تجلى الصباح .. لأول مرة
وطار الفضاء طليقاً رحيباً
بأجنحة النور ينساب ثره
وقبّلت الشمسُ سمرَ الجباه
وقد عقدوا النصرَ من بعد ثوره
وغنى لنا مهرجانُ الزمان
بأعياد وحدتنا المستقرة
وأقبل يزهو ربيعُ الخلود
وموكبُ ثورتنا الضخمُ إثره
تزّين إكليله ألفُ زهره
وينشر من دمنا الحر عطرَه
ويرسم فوق اللواء الخفوق
حروفاً تضيءُ.. لأول مره
بلادي حره..
تحرر شعبي.. ففي كل بيتٍ
ترفُ نجومٌ ويورقُ بدر
وفوق شواطئنا الراقصات
مع النور .. فاض من الخلد فجرُ
وضم مراعينا والحقولَ
جناحٌ غمير العبير أغرُّ
وحتى الشياهُ تكادُ تطيرُ
وتشدو بحريةٍ .. لا تقرُ
وحتى الصحاري كأن الربيعَ
حواها وزينها فهي خضرُ
فضائي حرٌ.. وطيري حرُ
وقلبي حرٌ .. وطيري حرُ
وقلبي حرٌ.. وشعبي حرُ
أجلْ .. قد صحونا .. لأولِ مرة
لنحيا الحياةَ ، لأول مره
بلادي حره
تنفستُ .. اسحبُ كل دمي
كأني أشقُ من الصخر نهرا
كأني من قبلُ ما كنتُ شيئاً
ولا عشتُ عمراً.. ولا قلتُ شعرا
بلادي.. ضفائرها الألقاتُ
توزعُ فوق المرابعِ فجرا
بأسنى الزنابق تنضحُ عطرا
وأطفالنا أغنياتٌ تخفُ
إلى غدها .. وهو يفترُ بشرا
لقد أنجب الدهرُ أعياده
بثورتنا .. فتنفستُ حرا
كأني أعيشُ لأول مره
فتهتفُ روحي.. لأول مره
بلادي حره
لك المجدُ “ردفان” كم ثائرٍ
قذفتَ به لهباً يهدرُ
يطيرُ على صهوات المنايا
وينتزعُ النصرَ.. لا يقهرُ
فأين القلاعُ مدويةَ
تصولُ.. وتردي وتستهترُ؟
وأين العروشُ مفخمةٌ؟
وأين من الشعب مستعمرُ؟
جحافلُهُ بل شياطينهُ
كما قيل- حمرُ- ألا فاسخروا
لقد هبّ ردفانُ في ثورةٍ
يخلدها عيدنا الأكبرُ
وينشرها فوق كل الجنوب
ضياءً سخياً.. لأول مره
بلادي حره..
نلاحظ في كلمات القصيدة مشرق النور بعبارات “تجلى الصباح /صحونا /أجنحة النور /وقبلت الشمس/ مع النور/ ضياء سخياً”…إلى غيرها من الألفاظ، لكن المهم هو التركيز على (بلادي حرة) التي هي خاتمة المطاف ومجمله …
وللشعبي نصيب في النضال
الهم الشعري الذي يسري في نفوس الشعراء هل ينوء بحمله شعراء الفصيح فقط ؟
أم أنه همٌّ شعري واحد ؟
الهم واحد ،لأنه لا يتجزأ بتنوع قوالب الشعر بين الفصيح والشعبي ،وإنما هذه أدوات والشاعر من يختار أدواته المناسبة له ، ودعونا نستمع لقول الشاعر الشعبي صالح سحلول -الذي غادرنا قبل أسابيع قليلة رحمه الله- مخاطبًا المستعمر في يوم الجلاء :
طال يا راجل سكونك عندنا
قرن والثاني انتصف وانته هنا
أيش ننسب لك؟ وشو تقرب لنا
هل أخونا أنت أو بن عمنا؟
ليت إنك عربي مثلنا
بانغض الطرف عنك كلنا
أنت أصلك تختلف عن أصلنا
ثم لغوك يختلف عن لغونا
بل ودينك يختلف عن ديننا
في الوطن هل أنت من جيراننا
هل حدودك لاصقة في حدنا
أيش جابك عندنا ..كيه قل لنا
بعد شاسع لا جوار بيننا
أين “بحر المانش” من حقاتنا” !؟
لغة بسيطة ومفردات عامية ،تتخللها ألفاظ فصحى تتدفق من ذهن الشاعر في سلاسة ، بل والأجمل خطابه للمستعمر بما يفهمه المستعمر ونلاحظ هذا في ضرب المثل في البيت الأخير بقوله:
أين “بحر المانش” من حقاتنا” !؟
سخرية مريرة ، تناسب اليوم المرير الذي مرّ على الاستعمار في صباح يوم الثلاثاء 30 نوفمبر 1967م
ونظل مع الشاعر سحلول في قصيدة أخرى يودّع بها المستعمر قائلاً :
فاترك الدّس يا استعمار واخجل قليل
وارحل إلى غير رجعه حان وقت الرحيل
ما أنت بالمالك الشرعي ولا بالأصيل
ولا على هذه الدنيا وصي أو وكيل
قتلت كم من بطل ثائر وكم من نبيل
لكنك اليوم قد أصبحت أنت القتيل
هيا انصرف أيها الضيف اللئيم الثقيل!
حقيقة بساطة الكلمات تجعل المستمع يظن أنه يقرأ لأبي العتاهية وليس لشاعر شعبي ، لكن روعة الموقف هي من أجرت هذه الألفاظ البسيطة من ذخيرة هذا المواطن البسيط - رحمه الله.
ولعل نفَسَ الشعر الشعبي كان هادرًا لأنه الأقرب من لغة الشارع ، ولنسمع لهذه النفثة لشاعر أبين أحمد عمر مكرش:
بَرَّعْ مِن أقطار الجنوب المحمية
بَرَّعْ بلاد الغرب يا نُجَّاسها
لابُد من دق العجوز الكاهنة
دق التلف حتى توطي رأسها
ولفظة (برّع) منتزعة من نبض الشارع ، وتذكرنا بالأغنية الشهيرة “برّع يا استعمار “ للرائع / محمد محسن عطروش، تلك الأغنية التي كانت بحد ذاتها السمفونية اليمنية التي ألهبت الجماهير المناضلة لتواصل عطاءها لتصل إلى أفق التحرر من المستعمر الغاصب ، ولنستمع لمؤلف وملحن - ولا أقول مغني الأغنية الوحيد - لأن الشعب اليمن قاطبة غناها معه ،لنستمع له وهو يصدح :
برّع يا استعمار برّع
ولى الليل ليضويك التيار
تيار الحرية.. تيار القومية
برّع يا استعمار من أرض الأحرار
تياري الجبار خلى شعبي ثار
طيارتك يا استعمار ما تفزعني
وأنا ثابت والأنوار تضويني
ما ظلمك يا قرصان أيقظني
ولا سحرك بعد اليوم يعنيني
برّع أقولك برع شعبي ما بيذعن
برّع وارجع بلدك لندن
وللشاعر/ مسرور مبروك أبيات شعبية عن ذلك اليوم الأغر يربطه بيوم 14 أكتوبر عام 1963م ،فيقول :
ها نحنُ ننشر بأربعة عشر أكتوبر
حول الثلاثين آخر يوم نوفمبر
والأجنبي قبل وعده بلدنا فر
والشعب فيها استقل بعيدنا الأكبر
يوماً عظيماً على طول المدى يذكر
عاماً فعاماً به شعب اليمن يفخر
ويحتفل في المدن والريف والبندر
بيوم خالد تسجل بالدم الأحمر
من بعد ما بالأجانب والأعداء دشر
جواً وبحراً ومنهم عن طريق البر
عودة للشعر الفصيح
حتى لا نغوص في لجات الشعر الشعبي وننسى أخاه الفصيح ، نعود لمجال الفصيح ولنبدأ مع قصيدة الشاعر الكبير د/ عبدالعزيز المقالح الذي احتفل بيوم الجلاء بقوله:
هذا هو الجلاء..
فلتكتبوا على النجوم في السماء.
قصتهَ
قصة زحفنا الطويل.
لتكتبوا قصة كل الشهداء
لتحفروا على صحائف الأحداق في القلوب
حكاية الأبطال في الجنوب.
لكي تمدنا بالحب والضياء
لكي تظل في حياتنا.. أغنية انتصار..
تحملها الجدات في غدا..
حفية التذكار ..من دار لدار..
فلتحفروا على صحائف الأحداق في القلوب
قصته
قصة كل الشهداء..
أولئك الذين بدماء..
قد سطروا تاريخنا المضاء..
وأشعلوا أرواحهم في الطرقات في البيوت..
من أجلنا..
من أجل أن تحيا بلادنا فلا تموت..
أراد الشاعر د.عبدالعزيز المقالح الإعلاء من نضال الجماهير اليمنية ضد المستعمر الغاصب طيلة أكثر من قرن وربع القرن مريرة حتى تحقق الجلاء الذي يطالب الشاعر هنا بكتابة قصته على النجوم في السماء ، ولنفاسة هذا الجلاء فقد طالب الشاعر أن تحفر على صحائف الاحداق في القلوب قصته ، لكن قصة ماذا بالضبط فيه ؟
يجيب الشاعر : قصة كل الشهداء..
يذكرني هذا بقول أحمد شوقي :
إن تسل أين قبور العظما
فعلى الأفواه أو في الأنفس ِ
وهذا هو مكانهم دائما .
وفي صباح الحرية والاستقلال كان للشاعر الكبير محمد سعيد جرادة قصيدة عنونها ب 30 نوفمبر يقول فيها :
غرّد بشعرك يا شادي الجماهيرِ
ففي قوافيك أنت تحفةُ الصورِ
بعثتها عن أماني الشعب ناطقةً
والشعب أروع من يوحي بتعبيرِ
اليوم تشرقُ فيك الشمسُ يا وطني
سنينةَ الوجه غرّاء الأساريرِ
شمسٌ لها تعلو عراء من شفقٍ
كغيب صبٍ حليفِ السهد مهجورِ
لعلها قطراتٌ من دماءٍ في
ضربٍ بروح لوجه الله مقدورِ
أو خد حسناءَ في ساح الجهاد قضتْ
وللقذائف إعوالُ الأعاصيرِ
أو ثغرٌ صغيرٌ شاركت يدهُ
في فتح نارٍ وفي أحداثِ تفجيرِ
شمسانُ حدِّثْ عن الماضي فأنت لهُ
راوٍ له صدقُ إسنادٍ وتقريرِ
بالأمس كان هنا المستعمرون لهم
نظامُ حكمٍ ضعيفِ الوجهِ شريرِ
جاءوا قراصنةُ في البحر تدفعهم
أطماع شرِ نظامٍ إمبراطوري
هنا يوثق الشاعر الكبير محمد سعيد جرادة للأحداث التي جرت ومشاركة صغار السن والنساء في النضال حتى تم الاستقلال ، وكذلك التفت إلى جبل شمسان لكي يحدث عن الماضي وعن القراصنة الذين جاءوا بأسوأ نظام حكم إمبراطوري .
ونعود إلى الشاعر الكبير / لطفي جعفر أمان وهو يكتب هادرًا:
الله أكبرُ .. أكبرُ
وهتف الزمانُ .. وللزمان تلفتٌ وتحيرُ
من ذا الذي يدوي السماء بجانبيه ويزخرُ
شعبي يشق الشمسَ عبر نضاله ويتحررُ
يمضي به التاريخُ عن أبطالنا يتفجر
حمماً تناثر من شظايا نارها مستعمرُ
ما كان إلا بالسلاح .. وبالضحايا .. يقهرُ
ويُرد مندحراً .. على شهواته يتحسرُ
يبكي عروش التابعين له.. هباءً تنثرُ
لم يبقِ سلطانٌ حقيرٌ.. أو أميرٌ أحقرُ
لم يبقِ إلا الشعبُ يكدحُ باسلاً ويعمّرُ
لم يبقِ إلا الحقُ يحميه السلاحُ وينصرُ
لم يبقِ إلا موطني بين الكواكب يخطرُ
أبيات كأن الشاعر يلخّص نضالات عشرات السنين ليخُلصَ إلى ما سطّره في آخر الأبيات التي سنرددها معه قائلين :
لم يبقِ إلا الشعبُ يكدحُ باسلاً ويعمّرُ
لم يبقِ إلا الحقُ يحميه السلاحُ وينصرُ
لم يبقِ إلا موطني بين الكواكب يخطرُ
وفي الختام بعد أن تم الجلاء في ال30 من نوفمبر عام 1967م ، نُزعت من أرض الجنوب طعنةٌ مسمومةٌ التي أدمت فؤاد شعبٍ كاملٍ ، وليس فؤاد الشاعر المتألمِ وحده كما قال شاعرنا محمد سعيد جرادة.
رابط المقال على فيس بوك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.