المجابرة.. العطاء.. الرفد.. التجديد، عادات تقاليد يمتاز بها مجتمعنا اليمني وتختلف من منطقة إلى أخرى، وهي معونات يقدمها الناس والمدعوون لحضور عرس من الأعراس ومعظمها مبالغ مالية تقدّم للعريس، وبالرغم من فوائدها إلاّ أن البعض يجد فيها جوانب سلبية كونها تعرقل التعاضد الاجتماعي (حسب رأي البعض)، أيضاً هناك من يراها أنها عادة إيجابية أمام تلك التقاليد السيئة التي تظهر في الأعراس (إطلاق النار الألعاب النارية... إلخ). صحيفة (الجمهورية) استطلعت آراء العديد من الشباب وبعض المختصين والباحثين حول هذه العادة (المجابرة) كما تحدّث البعض عن فوائد المجابرة.. تفاصيل كثيرة تجدونها في سياق الاستطلاع التالي: دعوة الأصدقاء الأخ عبدالكريم المنصوب، من أبناء محافظة إب يقول: في اعتقادي أن هذه العادات والتقاليد في بلادنا تختلف من منطقة إلى أخرى وكل منطقة لها عاداتها وتقاليدها في الحفلات والأعراس. مثلاً المناطق الوسطى لها عادات وتقاليد في الأعراس فالعريس يقوم بتوجيه دعوة لأصدقائه وأصحابه لحضور العرس، وكذلك يعمل إخوانه ووالده وكل منهم يدعو من أحب لحضور هذه المناسبة، وعندما يأتون إلى المشاركة في حفل الزفاف كل منهم يدفع للعريس مبلغ لايقل عن 2000 ريال بل يزيد إلى العشرة والعشرين الألف الريال. ويعد ذلك ينتظرون وجبة الغذاء، ويلعبون بالطبول ويقومون في بعض الأرياف بممارسة الرمي بالرصاص على شيء يعين (النصع)، ثم يتناولون وجبة الغداء المتنوعة، وبعدها يقوم أهل العريس بتوزيع القات والسجائر والماء والشراب للضيوف، ثم تبدأ جلسة المقيل في بيت العريس حتى الساعة الثالثة أو الرابعة عصرا،ً وبعد ذلك ينصرفون كل إلى عمله أو إلى منازلهم. عادات حميدة الأخ عبدالله الحربي، شاب تحدث في هذا الموضوع قائلاً:المجابرة أو الرفد من العادات المميزة والحميدة، فمن خلال تجربتي في الحياة وزيارتي للعديد من المناطق والمحافظات لاحظت الأعراس لها ذوق خاص كل منطقة على حدة، أما بالنسبة لي طبعاً فعندما تزوجت حضر العديد من أصدقائي الذين ذهبت إلى أعراسهم (من خارج منطقتي)، ولكني رفضت أن أستلم منهم أي مبلغ خاصة، وإنهم حضروا من محافظات أخرى فيكفيهم عناء السفر.. أما أبناء قريتي فهم كثيرون ولكن جابرني شخص واحد فقط ب(5000) ريال حينها شعرت بسعادة لم أشعر بها من قبل حتى إنني أعدت له المبلغ عندما تزوج ولكن لم أستطع نسيان هذا الموقف، لأني بعد العرس احتجت إلى المال. وينصح الحربي الشباب والمواطنين أن يتخلوا عن العادات والتقاليد التي يمارسونها في الأعراس خاصة في الأرياف التي تشهدها الألعاب النارية والرصاص و...إلخ، وليتجهوا إلى مساعدة الشباب ومجابرتهم بدلاً من الرصاص والطماش وغيرها. أثر نفسي بين العريس والمهدي المجابرة أو الرفد من المصطلحات التي تُطلق في أيام الأعراس حتى أن المجابرة أصبحت من أهم روافد الأعراس في الكثير من المناطق اليمنية.. وأصبحت من العادات والتقاليد في بلادنا هذا ما بدأ به الأخ رياض داؤود، من أبناء محافظة تعز، وقال أيضاً: العريس يتقبل المجابرة من كل المدعوين ويمكن أن أحصرها في المجابرة المادية أو العينية (الهدية)، أو التهنئة في أي من وسائل الإعلام، وقد تجتمع بعضها أوكلها في الكثير من الأحيان فالمجابرة أو بالمعنى الأصح هي هدية يقدمها المدعو للعريس في أوج فرصة وأحلى لحظات حياته، وهو الأمر الذي يترك أثراً نفسياً كبيراً بين العريس والمهدي في مثل هذه المناسبة لأنها وبحد ذاتها تعتبر نقطة تحول هامة ورئيسة في حياة الإنسان. فالهدية تقوّي الروابط البشرية وتعمق العلاقات الإنسانية وبذلك يقول صلى الله عليه وسلم، «تهادوا تحابوا». وبالرغم من هذا الأثر الذي تخلقه الهدية في نفس العريس إلا أن هناك ما هو أقوى وأبلغ من الهدايا أو المجابرة وهو عندما يجد العريس نفسه محاطاً من كل الأشخاص الذين يحبونه ويحبهم فبعضهم من الأقرباء والآخرين من الأصدقاء الذين يقطعون مسافات تتجاوز آلاف الأميال لحضور حفل العريس ليس هناك مصلحة سوى مشاركة العريس وأهله فرحتهم. معانٍ سامية ومن جانب آخر يرى داؤود: إن هناك معاني سامية أخرى في عادات وتقاليد العرس اليمني، منها قيام العرس بعمل حفلة غداء ومقيل بهذه المناسبة يدعو إليها كل الناس، وبالتالي يرى ذو الدخل المحدود أنها فرصة ذهبية لتناول وجبة غداء حُرم منها لأيام وربما شهور، ويكون العريس قد نال الأجر على ذلك. وبالرغم من هذه المعاني السامية أيضاً التي تتجلّى في الأعراس فإننا نرى أن هناك من يفهم هذه المعاني بطريقة خاطئة، إذ ينظرون إليها على أنها مسألة ربحية لتحقيق مكسب مادي ، وبالتالي نرى أن هناك من يحاول أن يبرز في الأعراس بتقديم المأكولات المتنوعة والذبائح الكثيرة وتعتبر دعوانا على بعض الفئات من المجتمع ذوي الدخول الكبيرة ويهمل بقية العامة من أصحاب الدخل المحدود أمراً حاصلاً في كثير من الأحيان. مجابرة ورفد نوعي ويصنف داؤود بالقول: الخلاصة هي أن مجابرة العريس حسب طبقته، فإذا كان من أسرة ذات مكانة عالية تكون المجابرة العائدة إليه فوق المعقول، وإذا كان من الطبقات الفقيرة حصل على عكس ذلك، وربما لؤم من جيرانه، ويفترض عندما يريد الشاب (العريس) أن يفرح يفتح شريط زفة وانتهى الأمر. المجابر يريد مقابل ما يدفعه الأخ نبيل النمر، شاب من أبناء مديرية شرعب، محافظة تعز تحدث حول هذا الموضوع حيث قال: المجابرة تعد عادة إيجابية ولكن ما يجعلها سلبية هو تكلف العريس فوق طاقته حيث أن المدعوين لحضور العرس يجب الاستعداد لهم بالأكل والقات و....إلخ. لهذا فالشاب الذي لا يستطيع أن يوفر هذه الطلبات أثناء عرسه يقوم بتقديم العزائم للناس في يوم عرسه ويخبرهم أنه عازمهم على شاي فقط لاغير، وتجد من يحضرون هنا لا يقدمون للعريس ما يسمى (بالمجابرة).. لهذا فالشخص المجابر نفسه يريد مقابل المبلغ الذي سيدفعه، وبالنسبة لي أفضل أن يكون العرس بدون ذبائح فقط ما أشار إليه نبينا الكريم لأن مثل هذه الحفلات، واستدعاء الناس يتطلب مبالغ قد تكون غير موجودة عند هذا الشاب خاصة مع غلاء الأسعار والوضع السيء الذي يعيشه شبابنا اليوم. تعويض الخسائر وبالرغم من أن هذه الظاهرة أو العادة (المجابرة) منتشرة في العديد من المناطق والمحافظات إلا أن بعض الأرياف لم يصل إليها هذا التقليد، يقول الأخ منصور البرق، مديرية حيفان، محافظة تعز: من خلال زيارتي للعديد من المناطق خاصة عندما أذهب لحضور عرس أحد أصدقائي الذين تعرفت عليهم بالجامعة أو أسمع من أصدقائي أن الوافدين إلى بيت العريس يقدمون ظروفاً للعريس وهو ما يسمى با(المجابرة)، وأعتقد أن لها أهمية كبيرة حيث أنها تخفف وتعوض التكاليف المادية وبعض الخسائر التي تحدث أثناء العرس، وهذه سمة من التعاضد مع الآخرين تجعل المجتمع مرتبطاً ببعضه البعض. ويؤكد البرق إن هذا التقليد غير موجود في منطقة (الأعبوس) لهذا دعا الشباب إلى ضرورة التكاتف والتعاون مع أي شاب يقدم على الزواج من خلال دعمه ومجابرته كما يدعو الجهات المعنية لإنشاء جمعيات تختص بحل مشاكل الزواج عند الشباب. المجابرة بدلاً من إطلاق النار وهناك من العادات السلبية التي تحدث أثناء الأعراس منها ما يحدث في معظم الأرياف اليمنية، حيث يذهب المواطنون للمشاركة في عرس من الأعراس مصطحبين معهم الألعاب النارية مثل المفرقعات أو الطماش أو إطلاق النار والتي تصل التكلفة الشرائية لكل فرد من 3000-1000 ريال على الأقل ويقترح البرق أن تعطى مثل هذه المبالغ للعريس أفضل من أن تذهب هباءً منثوراً بالطماش وإطلاق النار. سلبيات المجابرة من جانب آخر يرى الأخ صالح قيرع مواطن إن المجابرة لها العديد من السلبيات، منها ما تسببه من إحراج للشخص (المجابر) كون المدعو لحضور العرس يجب أن يُقدم للعريس مبلغاً مالياً معيناً، وإذا صادف أنّ هذا المدعو يعاني من ظروف مادية لا تسمح له بحضور العرس يتعرّض بالتالي للوم من قبل العريس أو أقاربه كونه لم يلبّ دعوة العرس، ويعتقدون من وجهة نظرهم أنه تهرّب لكي لا يدفع ما يسمى ب(المجابرة). مجابرون مستهترون والمجابرة تبقى ديناً على العريس ويجب عليه إعادته، في حالة أن يتزوّج الشخص المجابر أو أحد أفراد أسرته...إلخ، والعريس عندما تتم مجابرته يوم عرسه يقوم بتسجيل المبالغ التي تُقدم إليه وبإسم كل شخص (مجابر) لكي يعرف كم دفع هذا وكم دفع هذا حتى يتسنى له إعادتها لاحقاً، ويجب التخلّص من هذه العادة كونها لم تعد مساعدة بل إضافة الأعباء. أيضاً في بعض المناطق لايُشترط إعادتها، ولكنها تُلزم العريس أن يستعد للضيوف بالمأكولات والقات و...إلخ، والغريب أن البعض يجدونها فرصة ويقومون بنوع من السخرية فيقدمون للعريس (أوراقاً عادية) داخل ظرف ليعتقد أنها مبلغ مالي وهم بهذا يظهرون أمام الناس والعريس ويأكلون معهم ويتناولون أعشاب القات كونهم مجابرين وهم بالأصح مستغلون ومستهترون والأمثلة كثيرة على هذا، فمن البديهي أن العريس عندما يفتح هذا الظرف ستتغير نظرته للمجتمع، وسيترك هذا أثراً نفسياً عند العريس. المجابرة ضرورية يعتقد البعض من الناس أن المجابرة ليست إلا تكاليف وأعباء يتحملونها فوق طاقتهم عندما يحضرون إلى بيت العريس حيث يدفعون مبلغاً من المال لهذا العريس وهو مايسمى بالمجابرة - هذا ما بدأ به الأخ ناصر محمد - مواطن - ، وأضاف: أما بالنسبة لي لا أعتقد أن المجابرة تضيف أعباءً أو تكاليف كما أنه بإمكاني أيضاً الذهاب إلى أي عرس وبدون أن أجابر العريس خاصة إذا لم يتوفر لدي المبلغ بالرغم أنه مبلغ لايساوي.. ومن العيب أن يُذكر ، لهذا فالمجابرة ضرورية خاصة وأن الكثير من الشباب بحاجة إلى المساعدة بعد أن نالتهم مشاكل البطالة والعزوف عن الزواج ...إلخ، والمبلغ الذي يقدمه الناس للعريس (الشاب) أكيد أنه سيستفيد منه بشكل كبير، كما أنه لا يفترض أن يتكلف العريس بإعداد الذبائح، وشراء القات للضيوف الذين معظمهم يحضرون للمجابرة، ويأخذون أكثر منها (طعاماً وقاتاً). والمجابرة ليست إجبارية، ومع ذلك يجب أن تكون إجبارية خاصة إذا كان العريس من الطبقات الفقيرة، أو من ذوي الدخل المحدود. وللمجابرة فوائد اجتماعية كثيرة كونها تخلق نوعاً من الترابط الاجتماعي بين أوساط المجتمع إلى جانب فوائدها الاقتصادية كونها تقلل النفقات على العريس في معظم الأجبان ، وهذا يرتبط أيضاً ب(الأعراس الجماعية) التي يجب أن تتبناها الدولة والجهات المختصة ومنظمات المجتمع المدني في نشر ثقافتها (الأعراس الجماعية) بين أوساط المجتمع والشباب، لأن مثل هذه الأعراس تلاقي دعماً كبيراً من السلطات المحلية، ورجال الخير ولكنها بحاجة إلى من يقوم بالترويج لها، وتشجيع الشباب على الزواج. 70 ألف ريال مجابرة رضوان علي.. متزوج منذ 5 سنوات، وله 3 أطفال يقول: - أتذكّر عندما تزوّجت استلمت حوالي 70 ألف ريال مجابرة من أصدقائي وزملائي، ولكني لم أخسر لهم مقابل هذا المبلغ، وعندما يتزوج أي شخص منهم في هذا الوقت أجابره حسب استطاعتي لهذا فالمجابرة لها أهمية وفوائد كبيرة كوني مجرباً، فالمبلغ الذي استلمته أنا كانت له فوائد جمة بالنسبة لي وحينها شعرت بسعادة لاتوصف. توسيع وتعميق التعاون الأخ أنور القحطاني شاب شدّد على أهميتها بشرط أن تُخفف لا أن تزيد أعباءً أخرى على العريس، ورأى أن المجابرة عادة مميزة ويجب ممارستها والعمل بها في مختلف المناطق والأرياف اليمنية، خاصة وأن الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي يعيشها الشباب في وقتنا الحاضر تتطلب مساعدتهم وتوسيع وتعميق التعاون في هذه المناسبات (الأعراس). كما يدعو منظمات المجتمع المدني بضرورة التوعية في نشر ما هو مفيد بين أوساط الشباب والمجتمع، وخلق التعاون بينهم إلى جانب التسهيل للشباب لإكمال دينهم (الزواج). التكاتف قوة كما يجب على الشباب والمواطنين أن يتكاتفوا بينهم البين ويساعدوا بعضهم البعض سواء في الأعراس ب(المجابرة)، أو غير الأعراس، لأن هذا التكاتف يعبّر عن القوة، ومن الصعب تفكيك المجتمع إذا كان أبناؤه متماسكين ويشد بعضهم البعض. عرقلة أمام التعاضد الاجتماعي ويعتبر نصر عبدالنبي ماجستير علم اجتماع كلية الآداب جامعة عدن.. أن المجابرة من العادات السيئة جداً لأنها تعرقل التعاضد الاجتماعي خاصة وأن المبلغ المقدم للعريس يعتبر ديناً عليه، ويفترض إعادته وإلا تعرض للوم الاجتماعي من قبل الأشخاص الذين رفدوه يوم عرسه.. لهذا يُفترض بل ويلزم أن نتخلّى عن هذه العادة، إنما الشخص الذي سيعطي للعريس هكذا بإرادته، وبدون اعتبارها ديناً، فهذا ممكن وجميل جداً.. أما أنها كعادة وواجب، وعملية الرد ضرورية فهذا غير مقبول وفعلاً إنها سلبية، فقد بدأ الناس في بعض الأرياف يتخلصون منها بالرغم من أنها بدأت هناك، ولكن اختفت شيئاً فشيئاً لأنها أيضاً تسبب إحراجاً. ويُطالب عبدالنبي المجتمع بمساعدة بعضه البعض في مثل هذه المناسبات عن نية صافية كونها تخلق نوعاً من الترابط الاجتماعي.