أثار قرار "المركزي" تقييد الرهن العقاري حراكاً إعلامياً ومصرفياً نشطاً على مدار الأسبوعين الماضيين، ليس فقط بسبب الطابع الفجائي للقرار، وإنما أيضاً بسبب عمق تأثيراته المباشرة في اثنين من أهم القطاعات الاقتصادية، وتأثيراته غير المباشرة في قطاعات أخرى . أصاب القرار البنوك بحالة إرباك غير عادية، لأنه جاء في وقت كانت فيه البنوك تستعد للإعلان عن موازناتها والبدء في تطبيق خططها اعتماداً على عدة قطاعات رئيسية من أبرزها العقار، الذي بات عنصراً حيوياً متنامي الأهمية من النشاط المصرفي، تماشياً مع ما هو سائد في مختلف أنحاء العالم . كما أصاب القرار العقار بحالة إرباك، لأنه أخرج شريحة واسعة من المستثمرين المحتملين، وحصر قاعدة المستثمرين في القطاع العقاري بذوي السيولة المالية العالية . كان بالإمكان تفادي تأثيرات القرار بما في ذلك الضغوط المؤقتة على العقار وفي مناطق التملك الحر المنتشرة في أبوظبي ودبي وعجمان ورأس الخيمة، لو تشاور مع البنوك، لكنه اختار هذه المرة المفاجأة والضغط . هناك قضيتان أساسيتان في القرار يجدر أخذهما بعين الاعتبار، أولاهما أن الرهن العقاري يعني رهن أصل (العقار) مقابل تسهيلات مالية تسدد على مدى فترة طويلة تتراوح بين 5-25 سنة، وهنا يكون التقييم بناء على قيمة الأصل الذي يحدده السوق ويقتنع به البنك، ويتحمل مسؤوليتها، سواء ربح أو خسر، والمخاطر موجودة في أي عمل . أما القضية الثانية، فتتمثل في حقيقة قيام البنوك بربط قروضها العقارية عادة بضمانات أخرى مثل الراتب، الأمر الذي يقلص الحاجة لتحديد سقف أعلى للرهن العقاري لأن أي انخفاض في قيمة الأصل لا يمتد إلى الضمان المرتبط بالدخل . وإلى جانب ذلك فإنه وبالنظر إلى دور الدخل الشخصي كضمان في التمويل العقاري، فإن الحاجة إلى التفريق في سقف الرهن بين المواطنين والمقيمين تنتفي، باستثناء قيمة التمويل ومدة التسديد . فالرغبة في تجنب تأثيرات مشاكل الطفرة العقارية السابقة ينبغي أن تكون من خلال معالجة الثغرات والأسباب الحقيقية، وليس بمعاقبة الجميع بجريرة البعض . فالأفراد لم يكونوا سبباً بها، فهم "جرحوا أنفسهم" وتحملوا الكثير والتزم غالبيتهم بمديوناتهم، فقد كانت المشكلة في شركات التمويل وبعض المؤسسات المالية التي ركبت موجة الصعود فتوقفت عن إقراض الأفراد لتقرض نفسها على قاعدة أنها الأولى بالأموال التي بحوزتها، فتحولت من مقرض إلى مستثمر، والأمثلة كثيرة والخسائر كبيرة . لا نعني هنا أن نترك "الحبل على الغارب"، ولكن أن نتيح مساحة كافية للبنوك لكي تتنافس، وللعقار لكي ينهض، وللأفراد لكي يحققوا حلمهم، وللاقتصاد لكي يتقدم، كما لا يعني أن نقلل من جهد "المركزي" ودوره، فهو صمام أمان حيوي يحفظ حقوق الجميع ويصون مقدراتنا الوطنية .