رئيسة المحكمة العليا المعزولة محنتها والأزمة التي تواجهها سريلانكا, فكما تخشي باندرانايكي علي حياتها يخشي السريلانكيون والمجتمع الدولي بصفة عامة ورجال القانون بصفة خاصة علي هيبة القضاء ومستقبل الديمقراطية الهشة في البلاد التي تبدو وكأنها تعيش علي جهاز التنفس الصناعي. وقصة عزل باندرانايكي(54 عاما) تكشف عما تفعله السلطة المطلقة برأس الحاكم بحيث ترفض أي معارضة أو أي مراجعة وتتصور أنها فوق القانون والدستور. فمنذ تعيينها رئيسة للمحكمة العليا في مايو2011, لتصبح أول سيدة تتولي هذا المنصب الرفيع, وحتي سبتمبر2012 كانت شيراني باندرانايكي نجمة بازغة في سماء سريلانكا وكانت تحسب من الموالين للرئيس ماهيندا راجاباكسا, وفجأة بدأت ما وصفتها صحيفة كولومبو تلجراف السريلانكية ب عملية ممنهجة سريعة وفظة لحرق نجم باندرانايكي فقد تم تحريك اجراءات برلمانية لعزل باندرانايكي من منصبها, صاحبتها حملة مكثفة من الاعلام الحكومي لتشويه صورتها. السبب المعلن للعزل وحملة التشويه هو توجيه14 اتهاما لباندرانايكي باستغلال النفوذ والفساد من بينها: التلاعب في قضية لمؤسسة كبري اشترت شقيقتها شقة منها, امتلاكها لثمانية حسابات ببنوك متفرقة, البقاء في منصبها رغم تورط زوجها في قضية رشوة. أما السبب الخفي فكان قيام المحكمة العليا بالقضاء بعدم دستورية مشروع قانون كان يهدف لمنح صلاحيات أوسع لوزير التنمية الاقتصادية باسيل راجاباسكا الشقيق الأصغر للرئيس السريلانكي. وفي برلمان يسيطر فيه الائتلاف الحاكم علي ثلثي المقاعد بل يتولي رئاسته شاميل راجاباسكا شقيق الرئيس الأكبر, جاء التصويت علي عزل باندرانايكي بموافقة155 صوتا مقابل رفض49 صوتا, ويصف' آلان كينان' الخبير بالمجموعة الدولية للأزمات عملية العزل بأنها ذات دوافع سياسية بحتة, وأنها جاءت' كعقاب لرئيسة المحكمة العليا علي جرأتها علي تطبيق الدستور بطريقة لا تتماشي مع رغبات ادارة راجاباسكا'. ورغم حكم المحكمة العليا ومحكمة الاستئناف بعدم قانونية العزل ورغم ادانة المجتمع الدولي سارع الرئيس إلي إقالة باندرانايكي وتعيين موهن بيريس النائب العام, الذي يعتبره الكثيرون مجرد دمية في يد الرئيس, في منصبها, وهو ما دفع المحللين إلي وصف ما قام به الرئيس بأنه' تدمير لآخر مؤسسة من مؤسسات الدولة تتمتع بالجرأة والشجاعة الكافية للتصدي لماهيندا راجاباسكا'. وامعانا في ترهيب المعارضين قام عدد من أنصار الحزب الحاكم بالاعتداء بالضرب علي المحامين والمتظاهرين الذين خرجوا لاعلان تأييدهم لباندرانايكي, وتم نشر قوات من الكوماندوز التابعة للشرطة وقوات مكافحة الشغب, التي تتبع وزير الدفاع جوتابهايا راجاباسكا شقيق الرئيس, في مجمع المحاكم في العاصمة كولومبو لمنع باندرانايكي أو المتعاطفين معها من الدخول إلي المجمع. وقد أثارت ديكتاتورية الرئيس في التعامل مع الأزمة غضب رجال القضاء في أنحاء البلاد الذين أكدوا دعمهم الكامل لباندرانايكي ورفضهم لرئيس المحكمة الجديد موضحين أنهم يعتبرون العزل بمثابة رسالة واضحة بأن عائلة راجاباسكا ستواصل تعزيز نفوذها بغض النظر عن الديمقراطية أو حكم القانون أو احترام حقوق الانسان, ويري بعض المحللين أن رغبة راجاباسكا الملحة في احكام سيطرته علي كافة مؤسسات الدولة قد تزايدت بصورة كبيرة بعد نجاحه في هزيمة قوات نمور تاميل الانفصالية وانهاء واحدة من أطول الحروب وأكثرها دموية في عام2009, الأمر الذي أدي إلي نشر الاستقرار في معظم ربوع البلاد وجذب الاستثمارات والسياحة. ومن جانبها أكدت باندرانايكي براءتها من التهم الموجهة ضدها موضحة أنها لا تزال رئيسة المحكمة العليا لأن القرارات الصادرة بعزلها غير قانونية وغير دستورية, كما أوضح محاموها أن جلسات الاستماع البرلمانية التي تولت التحقيق مع باندرانايكي كانت تفتقر للحياد والعدالة, ومن المنتظر أن تعلن باندرانايكي خلال الأيام القادمة عما تعتزم اتخاذه من خطوات للتعامل مع الأزمة, ومن المنتظر أيضا أن تشهد سريلانكا صراعا ضاريا بين جبهة الرئيس وجبهة المدافعين عن استقلال القضاء بوصفه آخر حراس الديمقراطية التي تحتضر.