فيلم "الإمبراطور" يُعتبر محاكاة أمينة ومتقنة فعلا لهذا الفيلم لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب. هذه المرة لن أقول إن الفيلم المصري محاكاة سخيفة لهذا الفيلم؛ فالحقيقة أن فيلم "الإمبراطور" الذي أخرجه طارق العريان وقام ببطولته أحمد زكي ومحمود حميدة، يُعتبر محاكاة أمينة ومتقنة فعلا لهذا الفيلم، بالإمكانيات المصرية يُمكن القول إن العريان قدّم فيلم أكشن شديد الإحكام والإمتاع، وهناك مَشاهد كاملة منقولة حرفيا -لكن ببراعة- من "الوجه ذو الندبة". إن "الوجه ذو الندبة" من أفلام العصابات المهمة جدا، وهناك مَن يُقارنونه ب"الأب الروحي" نفسه.. لست أنا منهم طبعا، لكن لا أُنكر أنه فيلم شديد الأهمية. برايان دي بالما مخرج أمريكي كبير، قدّم مجموع مهمة جدا من الأفلام، لا بد أنك تعرف؛ منها: "طريق كارليتو" و"كاري" و"المهمة: المستحيل" و"النزهاء" و"مرتد ثيابه للقتل"، وتُدرك طبعا أنه مخرج شديد الإتقان يُجيد عمله فعلا، وبالإضافة إلى هذا فهو متأثّر بهتشكوك إلى درجة لا توصف.. هذه من المآخذ الشهيرة ضده. في العام 1983 يكتب المخرج الكبير أوليفر ستون سيناريو هذا الفيلم ليخرجه برايان دي بالما، وهو معالجة حديثة لفيلم بنفس الاسم قُدّم عام 1932، والحقيقة أن الفيلم عنيف جدا.. هذا عالم شيطاني لا يرحم، ولا يُمكن لأمثالنا أن يعيشوا فيه أكثر من عشر دقائق. يبدأ الفيلم منذ عام 1980.. هذا عهد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، والحرب ضد الشيوعية في ذروتها.. يُرسل كاسترو سفينة محمّلة من الكوبيين ليلحقوا بأهلهم في الولايات، ويستقرّ معظم هؤلاء في ميامي.. ما يخبرنا الفيلم به ولم نعرفه من قبل؛ هو أن كاسترو اختار أكثر هؤلاء الكوبيين من نزلاء السجون عنده ليتخلّص منهم.. طريقة لتدمير أمريكا من الداخل.. لا نعرف هل هي معلومة صحيحة أم هي بدافع كراهية الشيوعية، لكننا نبتلعها. من ضمن ركاب السفينة نجد توني مونتانا الذي يلعب دوره آل باتشينو في أداء عبقري.. إنه الرجل الذي يحمل ندبة على وجهه، ويعرف كل رجل في الجمارك الأمريكية أنه لص كوبي، وأن هذا الجرح أصابه في مشاجرة دامية، لكنهم مرغمون على السماح له بالدخول؛ لأنه يتظاهر بأنه لاجئ سياسي. إضغط لمشاهدة الفيديو: هكذا يلتقي صديقه الكوبي ريبيرا (ستيفن باوير) وهو ممثّل ظريف لا يمكن نسيان دوره.. هذه قصة الصعود في المجتمع الأمريكي بدءا بنقطة الصفر، على أن الصعود قد يكون بطيئا وقد يكون سريعا خطرا.. الصعود السريع الخطر رأينا نماذج له مع آل كابوني والجزء الثاني من "الأب الروحي" وهنا.. يبدأ الصعود بجريمة قتل.. قتل موظف حكومي كوبي في معسكر اللاجئين، وهكذا يظفر توني بالجرين كارد، ويخرج مع صديقه للمجتمع الأمريكي المغري.. سيارات فارهة.. فتيات رشيقات يلبسن البكيني.. بيوت فاخرة. يعتقد صديقه أن عليك أن تكون ظريفا، وأن تُجيد إخراج لسانك لتُغري كل الفتيات.. طبعا يتلقّى صفعة محترمة، ويتعلّم الرجلان أن الطريقة الوحيدة لنيل هاته الحسناوات هي أن تكون ثريا.. وأي ثراء! شاهد هذا المشهد الظريف هنا: إضغط لمشاهدة الفيديو: من هنا ينضمّان لشبكة تهريب كوكايين تحت إمرة ممثّل بديع آخر هو موراي أبراهام الذي رأيناه في فيلم "أماديوس" يلعب دور خصم موتسارت اللدود.. هناك صفقة مخدّرات لدى بعض الكولومبيين، لكن اللعبة خطيرة جدا، ويُوشك توني على فقد حياته في مشهد شديد البشاعة تطير فيه الأطراف بالمنشار الكهربائي، وهنا تتمّ المذبحة الأولى. إضغط لمشاهدة الفيديو: كل مذبحة ترتقي به درجة في سلم العصابات.. وعند درجة أعلى يقابل مهرّبا أكبر هو فرانك ويقابل عشيقته (ميشيل فايفر) التي لا تدخر جهدا في إشعار توني كم هو حقير.. تقول علنا أنها لن تحبّ رجلا جاء من قارب الموز حالا.. هذه تمثّل التحدّي الطبقي الدائم.. قهر هذه الفتاة هو قهر طبقة بأسرها. يقوم توني بزيارة أمه التي نعرف أنها مهاجرة كوبية متديّنة تعيش مع أخته، ولا تريد سماع حرف واحد عن توني، وندرك أن توني متعلّق بأخته أكثر من اللازم، ولا يطيق أن تخرج وحدها أو تعرف أي رجل. يذهب توني وموراي أبراهام إلى بوليفيا للتعامل مع مهرّب كوكايين اسمه "صوصا".. هنا يتمّ التخلص من موراي أبراهام في مشهد بشع فعلا؛ لأنه كما يقولون يعمل مع رجال الشرطة.. هكذا ينفرد توني بالعمليات وحده.. مع الوقت يصعد نجمه في العصابة، ويصير قادرا على إعطاء الأوامر لمن كانوا رؤساء له. يتعامل مع رجال الشرطة المرتشين الذين يتقاضون مالا منه مقابل الصمت، ومقابل محاربة خصومه في السوق.. في الوقت نفسه هو يحرس أخته التي تتردّد على الملاهي اللليلية، ونكتشف أن هناك شابا يلاحقها ويتودد لها.. لا يبدو توني مستعدا لقبول هذا. هنا يُمارس آل باتشينو لعبة يُجيدها في أدائه السينمائي، هي تغيّر شخصيته مع الوقت ليصير أكثر خشونة وفظاظة وإرعابا.. نفس ما فعله في فيلم "الأب الروحي". بعد محاولة اغتيال في نادٍ ليلي يقرّر توني -الذي نجا بصعوبة- الخلاص من فرانك زعيمه السابق، ويستولي على عشيقته الفيرا (فايفر) وعلى الإمبراطورية كلها. نراقب توني في صعوده، وندرك كم أن القمة باردة منفردة موحشة، وندرك أن الإدمان والشكّ والعنف وكراهية الآخرين.. كل هذه الأمور قد جعلته لا يُحسن اتخاذ القرار الصحيح. إضغط لمشاهدة الفيديو: يفقد صديقه الوحيد لأنه حسبه يُقيم علاقة مع أخته، ويأتي مشهد النهاية.. الذروة.. مع هجوم رجال العصابات على القصر، بينما توني الذي أشعل الكوكايين حواسه يُطلق النار في كل صوب كالمجنون.. شاهد لقطة "قولوا مرحبا لصديقي الصغير" قبل إطلاق مدفع على المعتدين، وهي عبارة تفوز بإجماع المشاهدين دائما ضمن أفضل العبارات في تاريخ الأفلام: إضغط لمشاهدة الفيديو: تموت الأخت الأثيرة لديه، ثم يلحق هو بها في نهاية مأساوية شبه إغريقية.. نهاية تليق بكل هذا العنف.. حقّق الفيلم نجاحا ساحقا، وراق لنقّاد كثيرين منهم روجر إيبرت، لكن العنف الزائد أثار حفيظة كثيرين، بالإضافة إلى كونك تُشاهد الفيلم؛ فتخرج منه شاعرا أن أي كوبي مجرم يجب أن يُباد.. يحتلّ الفيلم مكانا بارزا في أي قائمة لأفضل أفلام العصابات أو أفلام الأكشن، وقد فاز باتشينو بجائزة الكرة الذهبية، وفي رأيي أنه حُرم من جائزة الأوسكار التي استحقها بجدارة.. هذا فيلم يجب أن تراه في أقرب فرصة.