يبدو ان لخلاص تمبكتو من قبضة تنظيم القاعدة جانبًا انتقاميًا، حيث هرب جميع العرب تقريبًا من المدينة بعد اعمال إنتقامية بعد اتهامهم بالتواطؤ والتعاون مع تنظيم القاعدة. في قلب سوق تمبكتو التي كانت تضج بالحركة أُفرغت الرفوف من بضاعتها وهُجِرت متاجرها. فان جميع المصالح التي يملكها عرب تقريبًا تعرضت إلى الاقتحام والنهب منذ طردت القوات الفرنسية مقاتلي تنظيم القاعدة من هذه المدينة التاريخية العريقة. وكما حدث في أوروبا عندما أعقبت تحريرها من النازية ملاحقات للمتعاونين مع الاحتلال فان لخلاص تمبكتو من قبضة تنظيم القاعدة جانبا انتقاميًا بغيضًا. إذ طُرد من المدينة جميع العرب تقريبا الذين نزحوا إلى مخيمات لاجئين في الجزائروموريتانيا المجاورتين. وكانت انقسامات مالي العرقية تأججت وتفاقمت في ظل 10 أشهر من احتلال تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي وحلفائه المتطرفين لشمالها. هدنة مؤقتة ويرى مراقبون أن إعادة اللحمة إلى بلد ممزق بالنزاعات العرقية بين الطوارق والعرب في الشمال والجنوب ذي الأغلبية الأفريقية السوداء مهمة يمتد انجازها جيلًا كاملًا حتى إذا اسفر التدخل الفرنسي عن هزيمة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي. وإلى أنّ يعاد بناء مالي فان أي انتصار على الجماعات الارهابية لن يكون إلا هدنة مؤقتة وليس سلامًا وطيدًا. وتبدى حجم التحدي بأسطع صوره حين هاجم انتحاري يوم الجمعة الماضي حاجز تفتيش للجيش في مدينة غاو، هو الأول منذ بدأ النزاع. إنتقام وكان عرب تمبكتو طبقة تجارها الذين يملكون ويديرون أكبر المخازن والشركات. ولكنهم جميعا الآن موضع اتهام بالتواطؤ والتعاون مع احتلال تنظيم القاعدة للمدينة. وانتقم غوغاء، كما هو معهود في مثل هذه الحالات، بنهب متاجر العرب واحيانا سرقة بيوتهم. ويُقدر أن 3000 عربي كانوا يعيشون في تمكبتو قبل أن يسيطر تنظيم القاعدة وحلفاؤه على هذا المركز التجاري في آذار (مارس) العام الماضي. والآن مُحي مكون تاريخه بعمر تاريخ المدينة نفسها في غضون أيام قليلة عمليا، وتحت انظار الجنود الفرنسيين والسلطات المالية. آخر العرب! ويعتقد محمد عامي (23 عامًا) انه ومن تبقى من افراد عائلته هم آخر العرب الذين ما زالوا يعيشون في تمبكتو مؤكدا ان جميع اصدقائه واقاربه هربوا في الأيام التي أعقبت وصول القوات الفرنسية. وقال عامي لصحيفة الديلي تلغراف ان والدته اتصلت من الجزائر تسأل ان كان لم يزل على قيد الحياة. واضاف "هنا كان مولدي ولن أرحل وإذا قُتلت سأُقتَل هنا. فهذا هو المكان الذي اعرفه وفيه سأبقى". وما زال محمد عامي يعيش في منزله المصنوع من الطين المفخور مع زوجته مايا (16 عاما) وابنتيه اميرة ذات العامين ومسعودة ذات الأربعة أشهر. ورحل جميع افراد عائلة زوجته وكل جيرانه العرب. وفي حدود علم عامي فانه لم يُقتل عربي أو يُصب جسديا ولكنهم أُجبروا على النزوح بتدمير مصادر رزقهم بالجملة. ونُهب متجر عامي في السوق حيث كان يبيع المواد الغذائية والألبسة حتى آخر قطعة على رفوفه. وسُرقت حتى باب المتجر ونوافذه مع ما فيه من بضاعة. وتشير الثقوب الحادة أين خلعوا الرفوف من جدران المتجر المدهونة باللون الأزرق. وقال عامي ان بعض جيرانه توقعوا ما سيحدث ونقلوا بضاعتهم ولكنه كان واثقا من نفسه ولم ينقل بضاعته. وتعرضت للنهب جميع المتاجر القريبة التي يملكها عرب مثله. ونُهب متجرر عامي يوم دخول القوات الفرنسية تمبكتو. وحين وصل إلى عمله صباح اليوم التالي وجد ان متجره أُحيل قشرة فارغة. فركع على الأرض والتقط بعناية ما تبقى، إذ فات على اللصوص ان ينهبوا بضع علب من المعكرونة وأكياس الحلوى. ولم ينقذ عامي من تجارته التي أمضى سنوات في بنائها إلا ما يكفي لملء صندوقين صغيرين. وقال عامي "انهم اقتحموا كل المتاجر التي يملكها عرب سواء أكانوا متعاونين مع الاحتلال أو لم يكونوا". وبهذه الطريقة انتقم الأفارقة السود الذين يشكلون النسبة الأكبر سكان تمبكتو البالغ عددهم 60 الفا، غالبيتهم عانوا وتضرروا من احتلال تنظيم القاعدة. ولم يكن العرب وحدهم هدف هذا الانتقام فان غالبية الطوارق في تمبكتو غادروا هاربين تاركين المدينة للأفارقة السود. بذور نزاع جديد ولكن محللين يحذرون من ان الأفارق السود بملاحقة العرب والطوارق وتهجيرهم انما يزرعون بذور نزاع جديد. فان الطوارق يخوضون منذ عقود كفاحًا مسلحًا من اجل استقلال شمال مالي أو منطقة ازواد التي تضم تمكبتو وكيدال وغاو من بين مدن اخرى، واقامة دولتهم فيها. ويكمن وراء هذا التوجه الانفصالي الانقسام العميق بين الشمال والجنوب. فعندما نالت مالي استقلالها من فرنسا عام 1960 وجد طوارق الشمال وعربه أنفسهم يشتركون في دولة واحدة مع الأفارقة السود في الجنوب. وكانت كل الحكومات التي تعاقبت على الحكم في باماكو منذ الاستقلال حكومات من الأفارقة السود الذين لاحقتهم تهمة الاستئثار بالسلطة واستنزاف ثروات الشمال على حساب اهله. انقسام الشمال وفي عام 2012 اعلن الطوارق تشكيل الحركة الوطنية لتحرير ازواد بهدف نيل الاستقلال. ولكن الشمال نفسه منقسم انقسامًا مريرًا بين الطوارق والعرب. وأسهم تسميم الأجواء بوصول تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي وغيره من المتطرفين الاسلاميين في تفاقم النزاع بين الجماعتين. في البداية اقامت الحركة الوطنية لتحرير ازواد تحالفا مصلحيا مع تنظيم القاعدة للسيطرة على الشمال في آذار (مارس) 2012. ولكن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي بقيادة عرب من الجزائر سرعان ما تغلب على حليفه المفترض ونحاه جانبا. الطوارق ضد العرب وبعد التدخل الفرنسي ضد الجماعات الاسلامية المتطرفة يخشى خبراء ان تندلع حرب جديدة، هذه المرة يخضوها الطوارق ضد العرب والأفارقة السود من اجل السيطرة على الشمال وطرق التهريب المربحة عبر الصحراء حيث تُستخدم لإيصال المخدرات إلى اوروبا. وقال المعلق آدم ثيام من صحيفة لو ريببليكان المالية "ان الخطر الأعظم في الشمال هو اشتعال حرب بين الطوارق والعرب وهي حرب من اجل السيطرة على طرق تجارة المخدرات". واضاف "انها معركة انتقامية وايضا معركة من اجل السيطرة على حكم المنطقة". وكان طوارق هربوا خلال العام الأخير من النزاع إلى العاصمة باماكو طلبا للأمان. ويُرجح ان يغادر هؤلاء مالي نفسها إلى مخيمات اللاجئين في موريتانيا أو النيجر. وقال ثيام "ان بعض الطوارق جاءوا إلى باماكو ولكنهم وجدوا انهم ليسوا محل تترحيب في العاصمة". التعايش ما زال ممكنًا في غضون ذلك يعتقد محمد عامي الذي نشأ في تمبكتو ان التعايش ما زال ممكنا بين العرب وجيرانهم الأفارقة السود والطوارق. واعرب عن الأمل بتجاوز الكراهية التي أثارها الاحتلال والحرب الأهلية وتمكين العرب من العودة. وقال انه ينتظر عودة السلام ليبدأ من جديد ويفتح متجرا آخر بما تبقى لديه من بضاعة. وما لم يعد السلام الذي ينتظره محمد عامي فانه وافراد عائلته سيبقون بلا مصدر رزق، يعيشون خائفين وحدهم في المدينة الوحيدة التي عرفوها وطنا لهم.