جابر عصفور كان شعوري الداخلي يتنامي بأن نظام مبارك في طريقه إلي النهاية, بعد تحالفه مع جماعة الإخوان المسلمين في انتخابات.2005 وكانت الصفقة أن يمنح الإخوان أصواتهم لمبارك مقابل مائة كرسي تقريبا في مجلس الشعب. وترتب علي هذه الصفقة عدم منافسة الإخوان لكبار رجال الحزب الوطني في الدوائر التي تترشح عنها هذه التيارات من ناحية, وسكوت النظام عن اختراق مجموعات الإسلام السياسي للمؤسسات التضامنية للدولة من ناحية موازية, وصاحب ذلك غض النظر عن العنف الذي مارسته تيارات الإسلام السياسي علي المبدعين والمثقفين المنحازين للدولة المدنية الذين لا يزالون يعانون من قمع هذه التيارات وعنفها. وأوضح مثال علي ذلك ما حدث لرواية الكاتب السوري حيدر حيدر وليمة لأعشاب البحر التي انفجرت أزمتها مع بداية تضخم نفوذ تيارات الإسلام السياسي في مطلع سنة2000, وذلك في سياق لم يكف عن التصاعد وممارسة السطوة والعنف المادي والمعنوي علي المبدعين وغيرهم من المثقفين المدافعين عن الدولة المدنية وتحقيق شروطها الحديثة. وكان التواطؤ مع تيارات الإسلام السياسي وعلي رأسها الإخوان المسلمون الذين لم تنقطع الاتصالات السرية بينهم وأمن الدولة, فضلا عن شيوع الفساد وتتابع الأزمات الاقتصادية, وهو ما يسحب الكثير من مصداقية نظام مبارك لدي المثقفين المدافعين عن الدولة المدنية, ومعهم قوي أخري معارضة تتوزع ما بين التوجهات الليبرالية واليسارية. ولذلك اضطر النظام إلي صفقة التحالف مع الإخوان في انتخابات2005, كي يضمن مبارك البقاء في الحكم لرئاسة جديدة. والحق أنني عندما أستعيد ذكريات هذه الصفقة أشعر بأن مبارك كرر, مضطرا, ما فعله السادات عندما تحالف مع تيارات الإسلام السياسي سنة1971 ليستقوي بها علي طوائف الناصريين والقوميين واليساريين. كل الفارق أن نظام مبارك كان يضمن أصوات الإخوان المسلمين وحلفائهم من تيارات الإسلام السياسي ليواجه المخاوف المحتملة من المرشحين الليبراليين أمثال أيمن نور الذي عوقب بالسجن لتجرؤه علي الترشح أمام مبارك وحصوله علي عدد غير متوقع من الأصوات, جعله تاليا لمبارك مباشرة في عدد الأصوات. وكان تلفيق قضية التزوير وطرد أيمن نور من مجلس الشعب; تأديبا له وإنذارا لغيره من المعارضين الذين بدأ صوتهم يعلو ويتزايد في العلو. ولم يكن من قبيل المصادفة أن حركة كفاية أو الحركة المصرية من أجل التغيير قد أعلنت عن حضورها المعارض في يوليو2004 حين تآلف ثلاثمائة من المثقفين المصريين, متنوعي الاتجاهات, مؤسسين حركة داعية للتغيير السياسي, مختارين كلمة كفاية التي كانت تعني رفض بقاء مبارك في الحكم لدورة خامسة, ورفض ما ارتبط بحكمه من فساد وأزمات اقتصادية طاحنة, فضلا عما بدا يلوح في الأفق من مشروع توريث الحكم لجمال مبارك. وهو مشروع بدا أنه تقليد لما حدث في سوريا, حين تولي حزب البعث تنصيب بشار الأسد مكان أبيه بعد وفاته في يونيو سنة2000 التي كانت آخر السنوات الهادئة نسبيا في حكم مبارك, فقد بدأ ارتفاع أصوات الاحتجاج علي الحكم. وهي الأصوات التي منها حركة كفاية التي كان اسمها نفسه دالا علي رفض كل شيء, ابتداء من بقاء مبارك في الحكم لفترة رئاسية خامسة, مرورا بمشروع التوريث الذي بدأ في الظهور وليس انتهاء بكل أشكال الفساد في النظام وحزبه الحاكم. وكانت الحركة المصرية للتغيير تضم أسماء مثل جورج إسحق وعبد الوهاب المسيري وأمين إسكندر وأحمد بهاء الدين شعبان وكمال خليل وغيرهم. ولاشك أن هذه الحركة هي الأصل الذي انبثق منه عدد من المجموعات المطالبة بالتغيير الذي أصبح علامة علي زمن آت. ولذلك لم تمض أربع سنوات إلا وظهرت حركة شباب6 أبريل, عقب المظاهرة التي دعت إليها إسراء عبد الفتاح علي موقعها علي الفيس بوك للتظاهر احتجاجا علي فساد الأوضاع القائمة, فتظاهر ما يقرب من سبعين ألفا أغلبهم في مدينة المحلة الكبري. وكان نجاح حركة شباب6 أبريل في الحضور المؤثر علي أرض الواقع دافعا لغيرها من المجموعات الشبابية الغاضبة من تردي الأوضاع علي مستويات كثيرة. وقد ساعد علي تغذية مجموعات الشباب بالغضب تراكم أعداد خريجي الجامعات العاطلين الذين تتابعت السنوات عليهم دون أن يجدوا عملا مناسبا. وهو أمر يبعث علي الغضب المفعم بروح التمرد القابل للانفجار. والحديث عن الحركات الشبابية يقود إلي الحديث عن تأثير تكنولوجيا الاتصالات الحديثة ومواقع الشبكة العنقودية التي استغلها هؤلاء الشباب للتواصل فيما بينهم, والدعوة إلي الاحتشاد والتظاهر. وبقدر ما كانت هذه الحركات الشبابية الغاضبة تتواصل مع الحركات الشبابية في العالم كله, وتتزايد معرفة بطرائق جديدة في الثورة السلمية, وعمليات تغيير الواقع, كان النظام يزداد عنادا في التعامل مع المجموعات الثائرة لهؤلاء الشباب, وللأسف كان نظام مبارك يزداد جهلا أو تجاهلا بتزايد قسوة مشاكل الشعب من ناحية, ويستخف بحركات هذا الشباب الغاضب ذي العقلية المختلفة من ناحية مقابلة, متصورا أن القمع البوليسي التقليدي وقوانين الطوارئ سوف تحميه من تزايد موجات الغضب الشعبي وتصاعد أصوات الشباب الرافضة والثائرة في آن. ولاشك أن عودة محمد البرادعي إلي القاهرة أعطي لهؤلاء الشباب حافزا أقوي علي المضي في طريق التمرد الذي أفضي إلي الثورة بعد ذلك, خصوصا بعد تأسيس الجمعية الوطنية للتغيير في فبراير.2010 وكان ذلك قبل أشهر معدودة من اغتيال الشاب خالد سعيد في السادس من يونيو2010, وهو الاغتيال الذي أدي إلي تأسيس موقع خالد سعيد علي شبكة الاتصالات الإلكترونية, ذلك الموقع الذي تآلف حوله الآلاف المؤلفة من الشباب الثائر علي نظام فاسد أخذ يطالب بإسقاطه. وكان ذلك في السياق المتوتر الذي أدي إلي انتخابات آخر مجلس للشعب في زمن مبارك. وهو السياق الذي أعلنت فيه منظمة الشفافية الدولية في تقرير لها عن الفساد سنة2010 أن مصر دولة شديدة الفساد, ولذلك كان من الطبيعي أن تثير نتيجة انتخابات مجلس الشعب( التي وصل فيها التزوير إلي ما يجاوز الخيال) غضب الجميع بلا استثناء, وتقديري أن تداعيات انتخابات2010 كانت الذروة للأخطاء والجرائم التي أدت إلي اغتيال مبارك معنويا بإسقاط حكمه في الحادي عشر من فبراير2011 بعد ثمانية وثلاثين يوما من اندلاع الثورة التونسية, وتواصل الشباب الثائر في البلدين عبر شبكة الاتصال الإلكترونية التي لعبت دورا حاسما في كلتا الثورتين, ولا تزال تلعب الدور نفسه في استمرارهما.