"مهما واجهنا من صعوبات، لا بد من أن نثابر، لأننا إن لم نشهد على الحدث لن يعرف الناس ما الذي يجري في هذا العالم، هذه مهمة الصحافي برأيي"، قال يوما الصحافي أنتوني شديد الذي توفي في 16 فبراير/شباط عام 2012 إثر إصابته بنوبة ربو حادة أثناء تغطية الأحداث في سورية. أنتوني شديد الذي عمل مراسلا لعدة صحف أميركية منها نيويورك تايمز وواشنطن بوست، اعتبر أن التغطية الإخبارية التي حملته إلى العالم لاسيما إلى بلدان الشرق الأوسط صنعت منه "صحافيا بحق". سنة مخاطر أسدل موت أنتوني شديد العام الماضي الستار عن سنة كانت مليئة بالمغامرات الصحافية والمخاطر، أمضى فيها أيامه بتتبع مسار الربيع العربي. فقد سافر إلى مصر حيث عمل على تغطية أحداث ثورة 25 يناير التي أطاحت حكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك. ثم توجه غربا إلى ليبيا حيث كان شاهدا على تحول المظاهرات المناهضة لحكم معمر القذافي إلى تمرد مسلح أدى لاحقا إلى مقتله. في هذا الفيديو يتحدث أنتوني باللغة العربية عن أحداث سورية قبل ساعتين من وفاته وخلال معركة أجدابيا شرق ليبيا، احتجز شديد مع ثلاثة صحافيين من قبل قوات القذافي أكثر من أسبوع، حيث تعرضوا للتهديد بالقتل قبل إطلاق سراحهم في مارس/آذار عام 2011. عاد شديد بعدها إلى لبنان حيث عمل مديرا لمكتب صحيفة نيويورك تايمز، ليكتب تقارير صحافية عن تصاعد الحركة الاحتجاجية في سورية التي كان يتسلل إليها بجرأة عبر الحدود من دون تأشيرة دخول إلى سورية. تنقل لأيام من ملجأ إلى آخر، جنبا إلى جنب مع المعارضين ليخرج بلمحة نادرة عن أحداث بلد تحولت احتجاجاته إلى ما أصبح يعرف بحرب أهلية. ومع كل تلك المغامرات، آمن أنتوني شديد بوجود قصص "تستحق المخاطرة لكتابتها". الصحافة والحب غير أن الصحافة بالنسبة لشديد لم تكن مخاطر فقط، بل كانت حبا أيضا. ففي عام 2006، وخلال قيامه بتغطية أحداث الحرب بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، تعرف من خلال صديق مشترك على الصحافية ندى بكري... التي قالت لموقع قناة "الحرة" "بعد أقل من سنتين تزوجنا". صحيفة واشنطن بوست أعدت هذا الفيديو عن حياة أنتوني شديد المهنية وتتحدث بكري التي لم تعد إلى عملها في الصحافة بعد وفاة زوجها، بحنين وغصة عن ذلك الماضي الذي أرادته مستقبلا لكن الموت سرقه منها. "كان ارتباطنا سهلا، لأن الصداقة والمهنة جمعتنا". وأضافت "قررنا أن نتزوج ونؤسس عائلة من دون أن نلتزم بمكان إقامة واحد ومكان عمل واحد. وأن نأخذ الأمور كما تأتي". وتعود بكري بالذاكرة إلى ذلك اليوم "الصعب" من شهر فبراير/شباط، وتقول "كان أنتوني يعمل في سورية، دعاني مع ابننا مالك، قبل يوم واحد من خروجه من الأراضي السورية، إلى ملاقاته في تركيا. وصلنا إلى الحدود وانتظرناه في فندق. وقرب منتصف الليل، اتصلوا بي من نيويورك تايمز ليعلموني بوفاته". وتصمت بكري لبعض الوقت، وكأنها ترجع بالزمن إلى الوراء، لكن صوتا صغيرا يعيدها إلى الواقع، فتقول "أعتذر، مالك إلى جانبي". وجوه وقصص ترك شديد، الحائز على جائزة بولتزر مرتين، إرثا صحافيا مميزا لأنه كتب قصصا لمست حياة الناس بتفاصيلها، فجذبت القارئ لأنها كشفت عن وجوه عاشت في خضم صراعات الشرق الأوسط من رام الله إلى سورية، مرورا بالعراقولبنان. في مقالتيه الحائزتين على جائزة بولتزر للتغطية الخارجية، كتب شديد عن أحداث العراق من خلال عراقيين. ف"في لحظة، يخسرون كل شيء"، وفي "ولد كان كالزهرة" وصف حياة الناس وموتهم بدقة، ليكشف اللثام عن فظائع الحرب. هذه بعض تغريدات شديد خلال عمله. [View the story "أنتوني شديد.. صحافي رحل باكرا" on Storify] هذا الصحافي المتنقل من مكان إلى آخر بحثا عن الخبر، كان والدا لولد وبنت. "إحدى أولوياتي أن أعرّف مالك على والده، فهو أحب ولده كثيرا، كما أني لم أر أبا مع ابنته كما كان انتوني مع ليلى"، قالت بكري. وليلى البالغة من العمر 11 عاما تعيش مع والدتها في كامبردج في ولاية ماساشوسيتس. وتابعت بكري "أنتوني كان كثير التواضع رغم شهرته الكبيرة، وكان يفعل كل شيء بتميز، وهذا ما اريد أن أنقله لمالك". بيت الجحر والحنين للمشرق عرف شديد في مرحلة مبكرة من عمره أنه سيصبح صحافيا، "وصحافيا في الشرق الأوسط"، قالها عن نفسه في مقابلة مع مجلة "ماذورجونز". لذا تعلم اللغة العربية حتى أتقنها بطلاقة. انطلق شديد من تحدره من أصل لبناني ليتحول إلى عاشق للمشرق، "لكن ليس الشرق الأوسط اليوم، بل هو يحن لأيام عاش فيها جد والده"، قالت بكري. حاول شديد أن يعيد رسم ذلك الزمن من جديد، فنفض الغبار عن بيت أجداده في مرجعيون، وأعاد بناءه بالحجر والحبر، فكان كتابه الثالث "بيت الحجر" (House Of Stone). ومرجعيون هي قرية حدودية في جنوبلبنان تقع عند سفح جبل حرمون وقريبة من مجرى نهر الليطاني. في هذا الفيديو يتحدث أنتوني شديد عن مراحل بناء "بيت الحجر" منزل أجداده في مرجعيون لبنان كتب أنتوني خلال فترة عمليات الترميم، قصة البيت ومرجعيون ولبنان كما رآهم، وهو "عرف الكثير عن لبنان"، قال جورج دباغ، أحد أصدقاء شديد من مرجعيون يعيش في دبي. وأضاف دباغ أن شديد وصل إلى مرجعيون وفي مخيلته بلدة عرفها من حكايات أجداده الذين هاجروا منذ زمن، لكن كتاباته لم ترق لبعض أبناء القرية. وقال دباغ "رغم ذلك أبناء مرجعيون يحترمون كتاباته، خصوصا وأنهم يعرفون أن ما كتب عنه كان ذا قيمة كبيرة بالنسبة إليه كشجرة الزيتون مثلا". وشجرة الزيتون في حديقة منزل شديد كانت بمثابة ركن البيت. "عندما أموت، أريدك أن تدفني رمادي تحت شجرة الزيتون"، قالها لزوجته ندى بكري، التي أضافت "كان له ما يريد". فنجان قهوة كانت مرجعيون بالنسبة لشديد بمثابة ملجأ، حسب دباغ، كاشفا أنه في آخر مراسلة الكترونية بين الرجلين قال له شديد "إنه آت إلى لبنان في شهر مارس/آذار، وأنه يود أن يتناول وجبة طعام مع مشروب العرق على ضفة النهر". أحب شديد التقاليد القديمة التي ملأت حكايات والديه وأجداده. وكانت إحدى أهم تلك التقاليد صناعة القهوة. وكتب عن ذلك قائلا "ممتلكاتهم كانت قليلة، لكنه قيل إن كل عائلة كانت تملك مهباجا خشبيا لإعداد القهوة.. صوت طحن حبات البن كان بمثابة دعوة مفتوحة للضيافة". وفي صبيحة يوم عيد الميلاد الماضي، جلس جورج دبغي مع والدته على شرفة منزلهم المطل على شجرة الزيتون تلك، يرتشفان القهوة.. أمامهم فنجان ثالث "للجار أنتوني".. قائلا "شربنا القهوة نيابة عنه". بينما جلس أنتوني "صامتا على شرفة منزله التي انعكست عليها خيوط شمس ضعيفة آتية من قمم الجبال الثلجية، كما قال في مقال كتبه بعنوان "لبنان، لبناني". * أنتوني شديد بضاحية إمبابة في القاهرة خلال الثورة المصرية * أنتوني شديد وزوجته ندى بكري: الصحافة والحب * خلال حفل تسليم الدكتوراة الفخرية من الجامعة الأميركية في بيروت * أنتوني شديد مع ابنه مالك في منزله في مرجعيون في لبنان * خلال حفل تسليم الدكتوراة الفخرية من الجامعة الأميركية في بيروت * أنتوني شديد في بيجي في العراق * أنتوني شديد في منزله في مرجعيون في لبنان