يمكن على فراش الزوجية إخماد لهيب الغريزة الجنسية، وإشباع غريزة حبّ التملك بإلقامها هاتفاً متحركاً، وبمجرد الجلوس على الرصيف ومراقبة المارة فإن غريزة الفضول تقول: شبعت، الحمد لله. فكيف نُشبع غريزة البقاء ونحن لن نبقى مهما فعلنا؟ من بين الأشياء التي أرجوها أثناء إخراجي من مسرح الحياة، أن أرى أولادي بينما الستار يُسدل أمامي وفي أيديهم كتبي المطبوعة على ورق. وسأموت من الحسرة إن جاؤوني بقطعة «USB» وهمسوا في أذني: تستطيع الآن المغادرة، فكتبك محفوظة هنا. رؤية الأولاد قبل الرحيل تخفّف جوع غريزة البقاء، فحين أرى الأذن اليمنى لولدي وهي تشبه طبق اللاقط الفضائي، فإنني لن أحزن كثيراً على أذني التي تشبه «الدش»، فحتى لو أكلت الديدان منه، فإن أسوأ شيء يمكن يحدث هو تشوّش البث قليلاً، لكنه لن ينقطع، وسأظلّ موجوداً في عالم الأحياء بأذن ولدي. وستكون آخر كلماتي لهم سؤالاً عن أسمائهم الكاملة، وكلما جاء ذكر اسمي بعد أسمائهم الأولى، فإنني سأتنهّد وسيسري إلى روحي تيار من الطمأنينة بالبقاء، وسأرحل من هذه الدنيا على بساط الراحة. أتخيّل كل هذه الطمأنينة وأنا أرى أشخاصاً لن يبقوا للأبد للأسف الشديد، وستختفي الأطباق اللاقطة يوماً ما، وبعد 150 سنة من مغادرتي، ربما يكون لقب عائلة أحفاد أحفادي هو «الأحمد»، ثم قد يتغيّر إلى اسم والد جدهم، أي ولدي، لذلك سأكون حريصاً على تسمية أولادي بأسماء مضحكة ك»شاكوش» مثلاً، لئلا يتخذها أحفادهم أسماء لعائلاتهم وأجد اسمي خارج الحسبة، ف»الأحمد» أفضل مئة مرة من عامر سعيد حسن الشاكوش. في عصر ما، لنقل بعد 200 سنة، لن أكون باقياً بأي شيء، لا ملامح، ولا جينات وراثية، ولا اسم، ومع هذا، يمكن إشباع غريزة البقاء بشكل جزئي من خلال العُقب، وإشباعها أكثر من خلال الكتب، الورقية فقط. ويمكن تصوّر الإشباع بالولد بالتهام تفاحة، بينما الإشباع بالكتب يعادل التهام قطيع من الأبقار. ... المزيد