(القاهرة) - تبوأ الإمام البيهقي مكانة جليلة في علوم الحديث، والفقه، والأصول، والعقائد، وكان رحمه الله قبلة للعلماء وطلاب العلم، وهدفاً لرحلاتهم، واهتماماتهم، ليظفروا بالسماع منه، والتلقي عنه، حيث كان محدث زمانه، وشيخ السنة في وقته، وأوحد زمانه في الحفظ والإتقان، حيث قال أستاذ الحديث، ورئيس جامعة الأزهر الأسبق الدكتور أحمد عمر هاشم: هو أبو بكر أحمد بن الحسين بن على بن عبدالله بن موسى، عُرف بالبيهقي نسبة إلى مسقط رأسه مدينة «بيهق» إحدى مدن نيسابور بمقاطعة خراسان (شمال شرق إيران)، وولد عام 384ه، ونشأ نشأة علمية مبكرة في نيسابور، متأثراً بما كانت تموج به من حركة علمية ونشاط فكري في القرنين الرابع والخامس الهجري، وساهمت هذه النشأة العلمية المبكرة في تكوينه وإنضاجه، وتزامن معها تلمذته على كبار رجال عصره من المحدثين والفقهاء. وبدأ البيهقي تلقي العلم على أيدي العلماء والشيوخ في مرحلة عمره الأولي، وكتب الحديث وهو في الخامسة عشرة من عمره، ويقول عن هذه المرحلة «ابتدأت في طلب العلم، أكتب أخبار سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجمع آثار الصحابة الذين كانوا أعلام الدين، وأسمعها ممن حملها، وأتعرف أحوال رواتها من حفاظها، وأجتهد في تمييز صحيحها من سقيمها، ومرفوعها من موقوفها». منبع العلماء وكانت نيسابور المكان الأول الذي تلقى فيه البيهقي علومه، وهي من المدن العظيمة، ذات الفضائل الكبيرة، فقد كانت معقل الفضلاء، ومنبع العلماء، ورحل إليها في وقت مبكر من عمره، وكان ذلك في مطلع القرن الخامس الهجري، وهناك تلقى العلم على يد الإمام الحاكم، والذي كان وقتها يناهز الثمانين من عمره، فأخذ منه ما يزيد على عشرة آلاف رواية، وقد أودع البيهقي جزءاً من مسموعاته هذه من الإمام الحاكم في كتابه السنن الكبرى، وأكد البيهقي أنه سمع من عشرة شيوخ أعلام في نيسابور. وحفلت حياة البيهقي بالتجوال في مختلف البلاد لطلب العلم، والاعتكاف على تدوينه، حيث رحل إلى استراباذ، وأسد آباد، وأسفرايين، وخراسان، والدامغان، والطابران، وطوس، وقرمين، ونوقان، وهمدان، وبغداد، والكوفة، وشط العرب، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة، وفي بغداد سمع من عدد وافر من المحدثين، الذين كانوا يتصدرون النشاط العلمي في هذا البلد وقتذاك مثل الإمام أبي بكر أحمد بن محمد. صفات جليلة وعبر حياته الطويلة اتصف الإمام البيهقي بالزهد والتقلل من الدنيا وكان كثير العبادة والورع، قانتاً لله كما كان يتصف بما اتصف به أهل نيسابور عموماً من أنهم كانوا أهل رئاسة وسياسة وحسن ملكة، ووضع الأشياء في مواضعها، وهي صفات جليلة، تتصل بنضج العقل وصفاء القريحة وقوة الفكر والتدبير. ... المزيد