دون سابق إنذار أو توقع.. خرج رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي في الثاني والعشرين من الشهر الماضي معلنا استقالة حكومته. الاستقالة جاءت عقب اجتماع حكومي بحضور رئيس الجمهورية ميشال سليمان. وقبيل يومين فقط من القمة العربية التي عقد مؤخرا في العاصمة القطرية الدوحة.. اللقاء الأخير للحكومة كان عاصفاً، حيث هدد الرئيس سليمان بعدم ترؤس أي اجتماع حكومي قادم إذا لم يكن على رأس مواضيعه المطروحة بت تشكيل لجنة الإشراف على الانتخابات النيابية القادمة، وهو أمر كانت قوى الأكثرية ترفض البت فيه تحت ذرائع متعددة. ما زاد تعكير الأجواء، ورفع منسوب الاحتقان لدى الرئيس نجيب ميقاتي أنه استمهل الرئيس سليمان بالبقاء ريثما تتم مناقشة التمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي أشرف ريفي الرجل المحسوب على تيار المستقبل، حيث كان ميقاتي يرغب بالتمديد للريفي خوفا من الفراغ الأمني من ناحية ولأن الريفي أثبت خلال إدارته لمؤسسة الأمن الداخلي أنه رجل أمن مقتدر، فقد لعبت قوى الأمن الداخلي في عهده دورا كبيرا في كشف كثير من شبكات التجسس الإسرائيلية. رفض حلفاء ميقاتي في حزب الله وحركة أمل والتيار والوطني الحر التمديد لريفي وهو ما دفع ميقاتي ليعلن استقالته مبررا بذلك بقوله:"إفساحا في المجال لتشكيل حكومة إنقاذية تمثل فيها كل القوى السياسية اللبنانية، لتتحمل مسؤولية إنقاذ الوطن بما يكفل إطفاء الحرائق ومواكبة الأحداث الإقليمية بروح عالية من المسؤولية الجماعية". الأكثرية صدمت باستقالة ميقاتي ولم تقتنع بالمبررات التي ساقها والبعض اتهم ميقاتي بتلقي كلمة السر من خارج البلاد في إشارة إلى الولاياتالمتحدة وبريطانيا. وقد كان رد الأكثرية سريعا فقد خرج رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد قائلا: " أراد ميقاتي عدم الفراغ في مؤسسة أمنية فأدخل البلاد كلها في الفراغ". لكن العارفين ببواطن الأمور يعتقدون أن ميقاتي أقدم على الاستقالة حتى لا يكون على رأس حكومة في وقت قريب ستحصل متغيرات كثيرة على الأرض وسيكون لبنان في قلب الصراع السوري لاسيَّما أن القمة العربية منحت مقعد سوريا للمعارضة وأعطت الضوء الأخضر للدول العربية التي ترغب بتسليح المعارضة السورية. وهو احتمال قائم لأن حكومة ميقاتي التي رفعت شعار "النأي بالنفس" عن الأزمة السورية لم تفلح من طرفي الانقسام اللبناني ورئيسها نجيب ميقاتي سوف يقامر بمستقبله السياسي إذا ما استمر على رأس حكومة في بلد سيكون أول من يتلقى تداعيات الانفجار السوري القادم إذا ما وصلت المعارك إلى قلب العاصمة السورية دمشق. لبنانيا، صراع بين الأكثرية والمعارضة والملفات الشائكة كثيرة، في العلن الطرفان يصران على رفض التأجيل للانتخابات البرلمانية القادمة بعد عدة شهور، أما في الخفاء فكلام آخر يحكى أو يسمع. فالمعارضة تتهم الأكثرية بالرغبة الملحة في تطير الانتخابات البرلمانية، أملا ببقاء الوضع على ما هو عليه ريثما ينقشع غبار المعركة في سوريا في حين تشير الأكثرية للمعارضة بأنها تعرقل أي انتخابات تجرى وفق قانون لا يضمن لها كسب الأغلبية البرلمانية فيه. وسط هذا الصراع، الرئيس سليمان يدعو إلى الاستشارات النيابية الأيام القادمة لتسمية رئيس جديد للحكومة.. الأجواء السياسية حاليا لا توحي باتفاق الأطراف على تسمية شخصية لرئاسة الحكومة القادمة. فالمعارضة تريد حكومة حيادية للإشراف على الانتخابات قد تكون برئاسة شخصية من قوى 14 آذار، كما يقال، بالنسبة للأكثرية. وحقيقة الأمر أن الخلاف بين القوى السياسية يتخطى التوافق على قانون انتخابي أو شكل الحكومة القادمة ليصل إلى كل ما هو سياسي محليا وإقليميا.. ويبدو أن المشهد السوري بكل جزئياته حاضر وبقوة في الخطاب والممارسة والتحالفات والحسابات السياسية الداخلية عند جميع الفرقاء سواء عند من يصف نفسه بأنه سوريا المقاومة قاصدا النظام السوري أو عند من يرى أنه يدعم الشعب السوري في مواجهة آلة القتل اليومية المستمرة. وإلى حين، تبقى مروحة التسميات لرئاسة الحكومة مستمرة والنفاجات قد تكون كثيرة، وليس أقلها إمكانية تمديد موعد الاستشارات النيابية على أمل التوافق على مرشح أو بضعة مرشحين. وهنا ترتفع أسهم الحديث عن صفقة سياسية شاملة تتناول جميع المجالات التي يختلف حولها قوى الأكثرية والمعارضة في ربع الساعة الأخيرة.