نشرت جريدة اللوموند الفرنسية تقريراً عن هشاشة القطاعات الإنتاجية في دول الخليج، وأشار الكاتب هوغو ميترون إلى أن الاقتصادات الخليجية لم تتكيّف بعد مع التحديات المستقبلية. وأضاف محذراً ان الإنتاج النفطي يتآكل تدريجياً بفعل الارتفاع الكبير في الاستهلاك الداخلي، فالخليجي يستهلك ضعف ما يستهلكه الأوروبي من الوقود. على صعيد آخر، قال: إن إنتاجية الموظفين في الكويت والخليج في انخفاض مستمر منذ 1970 بسبب تكدّس الوظائف الحكومية، كما أن هناك «توزيعات» لشراء السلم الاجتماعي بإنفاق إيقاعه غير مضبوط، مشدداً على أن قطاعات الإنتاج ضعيفة والسياسات المنتهجة تهمل ذلك. رغم أن استثمارات دول الخليج في العالم بلغت مستوى غير مسبوق، الا ان اقتصاداتها وادارتها ومؤسساتها، لم تتكيف بعد مع التحديات المستقبلية. لم نعد نسمع منذ فترة الا باستثمارات قطر وواجهاتها الجديدة في اوروبا وفرنسا بالذات، لقد تصدرت هذه الحركية الاقتصادية القطرية الاخبار، وكان آخرها شراء نادي باريس سان جيرمان. وتدل التوترات التي تعيشها المنطقة - خصوصا البحرين، التي لا تزال تواجه تظاهرات شعبية منذ سنتين، بالاضافة الى الجدل الذي خلفته الاستثمارات القطرية في الخارج - على ان منطقة الخليج مقبلة على مواجهة زلزال. فقدرة دول مجلس التعاون الخليجي على متابعة توسعهم الاستثماري في الخارج غير مؤكدة، ذلك ان من يقف وراء هذه الوفرة المالية، نظام اقتصادي ريعي غير قادر على مواجهة مشاكل «طاقوية» او اخرى لها علاقة بالتوظيف او الضرائب. دعم الوقود قضية الطاقة، قضية رمزية على الخصوص، لان هذه المنطقة تعد مخزوناً كونياً لها، لكن هذا الوضع لم يمنع دول مجلس التعاون الخليجي من المعاناة من مشكلة نقص الكهرباء مثلاً. لقد تضاعف استهلاك الفرد خلال العشرية الاخيرة، فبين عامي 2000 و2009، ارتفع الطلب على الغاز الطبيعي والبترول من 29 في المائة الى 41 في المائة في الكويت، وهذا الارتفاع مرتبط في الاساس بالنمو السريع للقدرة الشرائية (من 1.2 في المائة من الناتج الداخلي الخام في قطر الى 7 في المائة في المملكة العربية السعودية). وهكذا اصبحت دول الخليج من اكبر الدول المستهلكة للوقود في العالم، بالنسبة الى كل ساكن، من دون ان تكون دولاً مصنّعة، فالقطري أو الاماراتي او الكويتي يستهلك في المتوسط ضعف ما يستهلكه الاوروبي مرتين، بينما تعادل احتياجات المملكة العربية السعودية من الوقود ما تحتاجه ألمانيا، رابع اكبر قوة صناعية في العالم، رغم ان عدد سكانها أقل مرتين ونصف المرة، مقارنة بألمانيا. وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه وتواصل الاستهلاك بالوتيرة نفسها، ستستهلك المملكة في 2028 ما يعادل 8.3 ملايين برميل من البترول يومياً، أي أكثر مما كانت تصدره في عام 2009. وللاستجابة لارتفاع الطلب الداخلي، ستكون دول مجلس التعاون الخليجي ملزمة برفع انتاجها من الطاقة بنسبة 80 في المائة في غضون 2015 مقترنة بالمستوى الذي كان عليه الانتاج في 2008، وهو هدف لا يزال بعيد المنال لغاية الآن. وقضية العمل هي الآخرى تشغل بال دول مجلس التعاون الخليجي، فانتاجية الموظفين المواطنين ما فتئت تتراجع وتنخفض منذ عام 1970، فيما زادت الثروة في المنطقة بفضل صادرات البترول والغاز، وفي الوقت ذاته لم يفتح قطاع الطاقة، الا عدداً قليلاً من الوظائف. وفيما تخطت نسب النمو في هذه الدول المعدل العالمي بمرتين أو ثلاث، لم يمنع ذلك من ارتفاع نسب البطالة، وباستثناء قطر يعاني اليوم ما بين 10 الى 20 في المائة من الشباب من البطالة في الخليج. وتواجه دول مجلس التعاون الخليجي اليوم مشكلة عويصة هي تشبع مؤسساتها الحكومية بسبب سياسة التوظيف في القطاع العام في غياب فرص توظيف أخرى. كان التوظيف في القطاع الحكومي مبرراً في ثمانينات القرن الماضي، حين كان عدد السكان أقل بثلاث مرات مقارنة بهذه الفترة. هذا الوضع لا يمكن الدفاع عنه اليوم، حيث ان 90 في المائة من المواطنين في الكويتوقطر يعملون في القطاع العام بينما ثلاثة أرباع من السعوديين في القطاعات الحكومية أيضاً، والبحرين كذلك تملك جهازاً تكنوقراطياً لمعالجة الملفات الطارئة بدل الحكومة، وهو جهاز يعاني من الشلل بسبب تخلف الإدارة. وعلاوة على ذلك، فان هذا الصمام لن يكفي أبداً لاستحداث وظائف جديدة، لأن أرقام البنك الدولي تشير الى انه يتعين على المنطقة خلق 4 ملايين وظيفة خلال العشرين سنة المقبلة، وعليه فان الحل يتطلب ان تتحمل المؤسسات الخاصة المسؤولية. القطاع الخاص لكن هذه المؤسسات الخاصة غير قادرة اليوم على مواجهة هذا التحدي، وهي لا توفر إلا 82 ألف فرصة عمل جديدة كل سنة، أي أقل من ربع المناصب التي تحتاج اليها هذه الدول. ويعد القطاع التجاري القطاع الأكثر استقطاباً وجاذباً لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي، لأن الترقيات والمكافآت في القطاع الحكومي تتم دوماً وفق المحسوبية وبعيداً عن الواقع الاقتصادي. وعلى سبيل المثال: فمعدل الراتب الشهري في القطاع الخاص في الإمارات العربية المتحدة لا يتجاوز 700 دولار، بينما يصل الى 5500 دولار في القطاع الحكومي. ولذلك اصبح مواطنو دول الخليج من اصحاب الشهادات الجامعية، يفضلون الالتحاق بقوائم الانتظار املا في الظفر بمنصب في القطاع الحكومي، على قبول منصب في القطاع الخاص. والنتيجة هي ارتفاع اعداد العمالة الوافدة التي يتم استقدامها لتعويض النقص في العمالة الوطنية، لدرجة انها اصبحت اليوم تمثل ثلثي سكان دول مجلس التعاون الخليجي. اما الاجراءات التي وضعتها السلطات لفرض كوتة من المواطنين في المؤسسات الخاصة، فلم تسمح بتوظيف المواطنين جميعهم. واذا ما اخذنا بعين الاعتبار ميزانيات دول مجلس التعاون الخليجي، وتأملنا تفاصيلها، لأدركنا ان الانفاق العام الى ارتفاع بايقاع غير منضبط، وهذا بسبب النمو القوي للسكان المستفيدين، والى ممارسة الانظمة السياسية، التي تعيد توزيع جزء من الريع لشراء السلم الاجتماعي، فالدولة السعودية على سبيل المثال تنفق اربع مرات اليوم اكثر مما كانت تنفق في تسعينات القرن الماضي. واذا ما انخفض سعر برميل البترول في الوقت الراهن تحت 40 دولارا، ستصبح ميزانيات دول مجلس التعاون الخليجي عاجزة، فيما لجأت كل من البحرين وسلطنة عمان اصلا الى احتياطياتها من اجل تمويل جزء من المصروفات. واما في الامارات العربية المتحدة، فالتوازن في الميزانية مضمون وفق المعهد الدولي للمالية، وان انخفض سعر برميل النفط الى 85 دولارا، والامر نفسه بالنسبة للمملكة العربية، حيث من الممكن ان يقفز الى 115 دولارا حتى 2015، اذا ما ارتفع الانفاق الحكومي بالنسبة المتوقعة سنويا وهي 4 في المائة. ضبط الميزانيات واذا ما حدث هذا السيناريو في السعودية، فستستنفد هذه الاخيرة.، كل احتياطيات روؤس اموالها المستثمرة في الخارج قبل نهاية هذه العشرية. واما في قطروالكويت، فضبط الميزانية مضمون وان بلغ سعر برميل النفط 50 دولارا، ولكن هذا المستوى تضاعف منذ 2003 والوضع يختلف من بلد لآخر، لكن المسارات المنتهجة متشابهة في كل الدول. ويقلل البعض من شأن هذه الازمة البطيئة الملاحظة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، بسبب برامج العصرنة الاقتصادية الطموحة، التي اطلقتها الانظمة. وان كانت هذه الدول، قد بدأت منذ عام 2008 في الاصلاح، الا ان السياسات المنتهجة لم تقم الا بتعزيز البنى الانتاجية الموجودة. فالانتاج الزراعي والصناعي ما يزال ضعيفا، حيث لم يمثل في عام 2000، سوى 11في المائة من الناتج المحلي الاجمالي، حيث ما يزال الخليج يستورد كل شيء من الفستق الى سيارة الهامر، مرورا بالمكيفات والالواح الشمسية. وعلاوة على ذلك تستورد دول الخليج كلها الخدمات، باستثناء البحرين. ورغم الاحتياطيات الضخمة والثروة، فان استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي لم تحرك سوق العمل، وفي مثل هذه الظروف من الضروري التساؤل حول كفاءة وفعالية بعض المشاريع التي أقيمت وتقام في المنطقة كالجزر الصناعية وساحات التزلج في عمق الصحراء والمجمع الفندقي الذي يقع تحت الماء في الإمارات العربية المتحدة. ان ثقة النخبة الخليجية في تحويل نظامها الاقتصادي الريعي الى اقتصادات شبه صناعية، ومنتجة مشكوك فيها، فان كانت هذه الدولة قد استطاعت بفضل اموال البترول استيراد الحياة الغربية لجزء من مواطنيها في ظرف خمسين عاما، فان وضع أسس اقتصاد منتج في اقل من جيل مهمة معقدة جدا. ● لوموند ●