الأردن برسم سؤال المؤامرة: فركة إذن أمريكية أعقبها دعم لفظي وتصعيد في هتاف 'إسقاط النظام' وملثمون غامضون أثاروا الرعب ثم إختفوا عن الأنظارعمان 'القدس العربي': كلمة 'مؤامرة' هي المفردة الأكثر رواجا اليوم بين الأردنيين بعد غياب تفسيرات منطقية للكثير من الأحداث التي إجتاحت البلاد طوال الأسبوع الماضي دون إجابة موحدة بطبيعة الحال على السؤال التالي: من يتآمر على من بصورة محددة؟ وفي لعبة المفردات التي صعدت إلى السطح طوال الأسبوع العاصف يمكن رصد بعض العبارات التي أثارت الكثير من الجدل والضجة من طراز 'الشعب الأردني متعطش للتغيير'. وهي العبارة التي وردت على لسان الناطقة بإسم الخارجية الأمريكية قبل أربعة أيام عندما سئلت عن موجة الإحتجاجات العنيفة التي إجتاحت الأردن. لاحقا إستعمل سياسيون ونشطاء مقربون للسلطات مفردة التعطش لتكريس القناعة بأن البلاد تتعرض لمؤامرة خارجية على أساس إستعارة مباشرة لقاموس الربيع العربي في وزارة الخارجية الأمريكية. مقابل هؤلاء إحتفى نشطاء بالفكرة نفسها بإعتبارها مقدمة تدعم التغيير في الأردن خصوصا بعدما تبدلت الكثير من المعطيات وأهمها بروز مقلق ولافت لهتاف 'إسقاط النظام'. بعد أقل من 48 ساعة إستدركت جهة ما في القرار الأردني وأجرت إتصالاتها الإستفهامية مع الإدارة الأمريكية فولد التصريح الثاني لوزير الخارجية هيلاري كلنتون والذي يطلب بوضوح ومباشرة من حراك الشارع الأردني تجنب الإحتفال بمفردة 'تعطش'. كلنتون قالت بوضوح مسألتين هما: واشنطن تدعم خارطة الطريق الإصلاحية التي يعتمدها العاهل الأردني الملك عبدلله الثاني وهي نفسها الخطة التي يعتبرها الأخوان المسلمون نكوصا عن الإصلاح كما تدعم - أي واشنطن - الإتجاه الإصلاحي الإقتصادي الذي تعتمده الحكومة الأردنية والمعنى واضح وهو رفع الأسعار. ليس سرا أن واشنطن التي زار سفيرها ستيوارت جونز مقر وزارة المالية الأردنية قبل إعلان رفع الأسعار بأربع ساعات فقط وراجع الأرقام مع الوزير سليمان الحافظ كانت تستطيع برأي الناشط السياسي محمد الحديد الإستغناء تماما عن مشاهد موجة الإحتجاج الأردنية ودفع البلاد للإسترخاء تماما لو انها 'غمزت' حلفاءها في الخليج وطلبت منهم تقديم المساعدة فورا للخزينة الأردنية بدلا من رفع الأسعار. عاصمة الشر كما يصفها الحديد لم تفعل ذلك وبالتأكيد لم تفعله لسبب وهو نفسه السبب الذي يملح إليه الناشط الحراكي موسى برهومه عندما يتحدث عن مخطط للصدام في الأردن قد تشارك به أطراف خارجية وداخلية وعن عقاب تتعرض له المؤسسة الأردنية بسبب عدم تجاوبها مع مخططات سعودية وقطرية كانت تسعى لدور أردني مركزي في جنوب سورية. هنا حصريا يبرز سيناريو عبر معلومات حصرية حصلت عليها 'القدس العربي' تفيد بان الأمير السعودي بندر بن سلطان قضى مؤخرا أوقاتا طويلة بين واشنطنوعمان بل وأقام في عمان ونقل رسائل متعددة بينها وبين الجمهوريين وحملة رومني قبل إنتخابات الرئاسة الأمريكية التي إنتهت بفوز أوباما. الواضح أن الجانب الأردني أحاط إتصالاته مع الأمير بندر بسرية مطلقة ووفقا للتحليل تكون مفردة 'التعطش' الأولى عبارة عن 'فركة إذن' للمؤسسة الأردنية تم إستدراكها لاحقا بعدما حققت أغراضها بتعليقات كلنتون التضامنية. لكن لعبة المفردات الغامضة في الأردن لم تقف عند هذه الحدود فقد ظهرت وفقا لبرهومه طبقة من المجهولين الغامضين أرعبت المواطنين وأطلقت الرصاص على المراكز الأمنية وفجرت قنابل مولوتف وأحرقت بعض المؤسسات وسطت على بعض البنوك وأجبرت شاحنات على إنزال بضاعتها في الشارع قبل التواري عن الأنظار. بالتوازي صدرت تلميحات رسمية تتحدث عن 'غرباء' يظهرون في فعاليات الحراك وهوامش الفوضى وهو ما أشار له حزب الرفاه الوسطي في أحد بياناته قبل ان يطرح مسؤول بارز في الأمن علنا سؤالا بحجم: من هم هؤلاء الذين يحطمون الإشارات الضوئية؟ السؤال حول هؤلاء أصبح لغزا في الأردن ففي بداية الإحتجاجات تحدث رئيس الوزراء عبد الله النسور عن جهات تعبث وتحرض وتشكل إنطباع بانه يقصد الأخوان المسلمين لكن سرعان ما 'برأ' النسور جماعة الأخوان وقال للصحافيين أنهم لا يشاركون في تحريض وتأجيج الشارع. بالنسبة للكاتب والمحلل الإسلامي حلمي الأسمر ما يؤجج فعلا الشارع هو إصرار الحكومة على الظهور علنا عدة مرات لتذكير المواطنين بأنها لن تتراجع عن رفع الأسعار. مقابل ذلك وفي جلسة خاصة جدا جمعت نخبة من السياسيين إستفسر أحدهم عن ما إذا كان رفع الدعم الكلي عن الخدمات والسلع يعني ضمنيا القضاء على العلاقات 'الريعية' التي طالما إنتقدها وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر بين الدولة والحكم والمواطن متسائلا فيما إذا كان ذلك يعني عمليا تغيير عناوين التمثيل والتعبير السياسي المعتادة للأردنيين عبر البدء فعليا بمخطط تفكيك الدولة الأردنية؟