أكد النائب عدنان عبدالصمد أن من خلال استعراض التاريخ السياسي للكويت من ثلاثينيات القرن الماضي وتحولها من مشيخة إلى إمارة ثم الى دولة دستورية ودولة مؤسسات وقانون، الصراع كان يجد أساسه الرئيسي في حماية المال العام، وأشار عبدالصمد في الورقة التي قدمها في ورشة العمل المالية التي عقدت في تركيا الى ان المالية العامة كانت مختلطة مع مالية الحاكم ثم تطور الحال الى ان أصبحت المالية العامة مستقلة تماما في ظل القواعد الدستورية والقوانين المالية. وأهم وعاء للمالية العامة هو الميزانية العامة.. إضافة الى المؤسسات الاستثمارية. وبين ان الدستور الكويتي قد أعطى حماية كبيرة للمال العام من خلال الصلاحيات الكبيرة جدا الممنوحة للبرلمان (مجلس الأمة)، وذلك من خلال لجنة الميزانية والحسابات الختامية والصلاحيات الكبيرة لها، واللجنة المالية التي تشرع القوانين المالية التي تهتم بالإصلاحات المالية، حيث انفصلت اللجنتان لمزيد من تفعيل الرقابة المالية، ولجنة حماية الأموال العامة وأكثر اهتمامها بالاستثمارات الكويتية ولأن الكويت لديها مؤسسات استثمارية مليارية تحتاج الى رقابة مالية محكمة. وأضاف: المجلس يستطيع تشكيل لجان تحقيق لها صلاحيات كبيرة للتحقيق في أي شبهات فساد مالية، اضافة الى الأدوات الدستورية المعروفة مثل الأسئلة والاستجوابات، وسبق ان تم تقديم عدة استجوابات لوزراء مالية متعددين أدت الى استقالة بعضهم بسبب ممارسات مجلس الأمة لصلاحياته. كذلك فهناك كما هو الحال في دول اخرى ديوان المحاسبة. وهو ايضا له صلاحيات كبيرة جدا وخطيرة سواء في الرقابة المسبقة أو الرقابة اللاحقة على الميزانية العامة للدولة أو الحساب الختامي ومن صلاحياته المحاكمات التأديبية وبالتالي فهو يقوم بالتفتيش والرقابة، وله استقلالية كبيرة ورئيسه يعين من قبل مجلس الأمة (البرلمان) ويعتبر عين مجلس الأمة على المال العام، ويستطيع المجلس في اي وقت تكليفه بالتحقيق في اي موضوع مالي. وزاد في نفس الوقت هو ايضا تحت رقابة مجلس الأمة من خلال وجود لجنة تشرف على الامور الادارية فيه وتضم رئيس اللجنة المالية ورئيس اللجنة التشريعية في المجلس، كما ان ميزانيته تخضع لرقابة مجلس الأمة بعد خضوعها لرقابة وزارة المالية. كذلك من ضمن الادوات الرقابية نظام المراقبين الماليين، «الذين تحدث عنه اخواننا الكرام من فلسطين وليبيا»، ولقد جاهدنا كبرلمانيين من اجل فرض هذا النظام على الحكومة لانها كانت تمانع في وجوده وتفعيله، وهي تمثل رقابة مسبقة لاي مبلغ يصرف في الجهات الحكومية لكي يكون ضمن القوانين واللوائح المالية، والآن نسعى الى تفعيل هذا النظام وزيادة صلاحياته وجعلها تستند الى القانون لا الى قرار وزير، اضافة الى وضع جزاءات على المقصرين من المراقبين الماليين. وذكر ان دور البرلمان في مراقبة الميزانية دور كبير ومهم جدا ويستطيع إلغاء مبالغ او تخفيضها اما زيادتها فيحتاج الى موافقة الحكومة او توفير ايراد مقابل تلك الزيادة. كما يراقب المجلس الصرف الفعلي بالتفصيل من خلال التقارير التي يعدها ديوان المحاسبة ولا تستطيع اي مؤسسة مستقلة عامة تغطية خسائرها «في حال وجودها» الا عندما يوافق المجلس على الحساب الختامي، حيث تنقسم الميزانية الى ثلاثة اجزاء: ميزانية للوزارات وميزانية للهيئات المستقلة وميزانية للهيئات الملحقة. واكد ان اللجنة لها الحق في ان تحيل اي موضوع يثير شبهة فساد مالي الى لجنة حماية الاموال العامة او تشكيل لجنة للتحقيق فيها. واللجنة والمجلس يراقبون جميع بنود الميزانية حتى ميزانية الديوان الاميري وميزانية مجلس الوزراء، ووزارة الدفاع وصفقات الاسلحة ووزارة الداخلية، اضافة الى جميع الجهات الحكومية. ولفت الى ان الجهات الحكومية بعد اقرار الميزانية لا تستطيع النقل بين أبواب الميزانية الا بقانون يوافق عليه مجلس الامة، اما النقل بين البنود داخل الابواب فلا يتم الا بموافقة وزارة المالية، وفي بعض الاحيان نحن نضع ضوابط بمثابة شروط قانونية حتى بالنسبة للنقل بين البنود داخل الابواب يجب على الجهات الحكومية الالتزام بها. وسبق ان رفضت الميزانية وأجبرت الحكومة على الموافقة على التعديلات التي اجراها البرلمان. وقال هناك امور لا تدخل في الميزانية وهي اموال الاحتياطات وهي على نوعين. الاحتياطي العام وهو مستودع تذهب اليه ايرادات الميزانية تضاف له وفورات وفوائض الميزانية على مدى السنوات المتعاقبة، ويسحب منه لمصروفات الميزانية ولتغطية عجوزاتها ان وجدت كما تسحب منه تكلفة بعض الميزانيات الاضافية اذا صدرت قوانين طارئة ذات تكلفة مالية صادرة بعد اعتماد الميزانية. واحتياطي الاجيال المقبلة وهو مستودع يضاف له نسبة 25% تقتطع من ايرادات الميزانية في كل سنة ولا يمس هذا الاحتياطي الا بقانون مستقل، «وسابقا كانت نسبة الاقتطاع 10%» وهذا الاحتياطي نوع من ضمان ايراد للاجيال المقبلة. وأوضح ان الاحتياطات تعتبر بمثابة الصناديق السيادية في بعض دول الخليج والدول الاوروبية واموال هذه الاحتياطات تستثمرها هيئة مستقلة وهي هيئة الاستثمار وهي ايضا تخضع لمراقبة مجلس الامة من خلال لجنة الميزانية او لجنة حماية الاموال العامة اضافة الى رقابة ديوان المحاسبة وبكل تفاصيلها حيث يجب على الحكومة وبنص الدستور ان تعرض سنويا الحالة المالية للدولة اصولها وخصومها، وندرس الآن قانونا لانشاء هيئة مستقلة لتقييم الاداء الاستثماري. خلاصة القول وازاء كبر حجم الاموال التي يجب ان يراقبها البرلمان فإننا نسعى دائما لاستكشاف الآليات الرقابية الفعالة والمجدية دون اضاعة الجهود في الغرق بتفاصيل الارقام. واشار الى ان التحديات التي تواجهنا هي تضخم الميزانية نسبة الى عدد السكان «نحو 22 مليار دينار = 80 مليار دولار تقريبا في حين يبلغ عدد السكان المواطنين 1200000 نسمة «الوافدون عددهم 2400000 نسمة». والخلل الكبير في الميزانية لاعتمادها بشكل اساسي على النفط كدخل وحيد وما يشوب ذلك من جدل وخطورة، «اثيرت في جلسة سابقة للورشة» تزيد النسبة عن 95%. وكبر حجم نسبة المصروفات الجارية الى المصروفات الاستثمارية. واذا كانت نسبة الانفاق الاستثماري في دول اخرى كما ذكر بالنسبة للعراق 40% فإنه في الكويت لا تتجاوز نسبة 25%. واضاف زيادة نسبة الرواتب والاجور تبلغ 43% لان اغلب المواطنين يعملون في القطاع العام واذا اضفنا مبالغ الدعم تزيد النسبة الى نحو 64% من الميزانية وتبلغ الدعومات 5.500 مليون دينار «تشمل: الكهرباء والماء والعمالة في القطاع الخاص والغاز وفوائد القروض العقارية والرسوم الدراسية وتعليم الطلبة، والمعاقين ..الخ». واكبر تحد حقيقي هو مدى استخدام البرلمان والمؤسسات الرقابية الاخرى للصلاحيات الكبيرة المخولة لهم دستوريا منذ اكثر من 50 عاما، والتي اشرنا اليها ومدى تنفيذها على ارض الواقع ذلك بسبب صعوبات وعوائق عملية تقف حائلا امام المزيد من الرقابة على المال العام وامام المزيد من الاصلاح الذي ننشده. تلك الصلاحيات التي لو طبقت مع هذه الوفرة المالية لتوصلنا الى ما يشبه المدينة الفاضلة.