باتت الأمراض النفسية وباء العصر، حيث صارت من أخطر الأمراض التي قد تصيب أي فرد من الأسرة، وذلك لأن أثرها لا يقف عند الشخص المصاب فقط، بل يمتد تأثيرها إلى أعضاء الاسرة ممّا قد يؤدّي إلى انهيارها بالكامل، فما بالنا إذا كان المريض يعاني من الوسواس القهري الذي يهدر حياة المريض في تكرار نفس السلوك، ويجعل حياة الأشخاص المحيطين بالمريض مضطربه خصوصًا إذا كانت المصابة الأم عماد الاسرة والتي بدونها لا تستقيم حياتهم. وفي هذا الصدد التقت «المدينة» استشارية العلاقات الاسرية والنفسية بمركز إيلاف للاستشارات النفسية الدكتورة مها حريري، لتحدثنا عن هذا المرض وتأثيراته النفسية والاجتماعية. فعن سبب الاصابه بالوسواس القهري تقول د.مها: ليس هناك سبب معين للمرض، ولكن يرجع الى شخصية الانسان، فقد يكون الوسواس وراثيًّا، وقد يكون خللاً في هرمون معين، وقد تكون ضغوط الحياة الكثيرة، فالضغط يسبب قلقًا والقلق الزائد يسبب الخوف، والخوف الكثير يسبب وسواسًا، فأي موسوس يكون خائفًا قلقًا ومضغوطًا نفسيًّا. وأضافت: الشخصية الحساسة أكثر عرضة للوسواس القهري وخاصة المرأة، فهي الاكثر عرضة للمرض، حيث تتأثر بسرعة بأي حدث كما أنها أكثرعرضة للأمراض النفسية، فقد تصاب بأمراض نفسية متعددة لأنها تتحسس من أي متغير يحدث حولها سواء كانت كلمة أو موقفًا أو أي عامل خارجي سلبي قد يؤثر عليها، وهذه التأثيرات الكثيرة تجعل الانسان ينظر الى الحياة نظرة مختلفة، فالضغط الخارجي والقلق عادة يأتي نتيجة عوامل خارجية أثرت على هذا الانسان، وهنا يعمل الإنسان حيلاً دفاعية، فمثلاً قد تكون فكرة مسيطرة عليه تجعله يشك في سلوك معين هو يسلكه بمعنى هذه الفكرة تسيطر عليه، فعلى سبيل المثال قد يتوضأ الشخص ويشك انه لم يتوضأ بشكل جيد فيضطر إلى إعادة وضوئه، فهي عبارة عن فكرة تؤدي إلى شك في السلوك والإنسان لا يستطيع مقاومتها، فإذا توفرت هذه العوامل نقول هذا الشخص مصاب بسواس قهري، ولكن عمومًا الوسواس يعاني منه جميع الناس ولكن ما ليس طبيعيًّا هو الاستسلام للفكرة والشك. وتابعت حديثها قائلة: اذا كانت حالة الوسواس شديدة نقوم بتحويل المريض الى الطب النفسي لأخذ الأدوية، فمعظم مرضى الوسواس لابد ان يتعاطوا الادوية لان العلاج السلوكي المعرفي يأخذ فترة طويلة معهم ولذلك انصح بالعلاج المعرفي السلوكي إلى جانب العلاج الطبي. وأشارت د.مها متعجبة إلى أن المجتمعات العربية للأسف مترسخ في أذهانها فكرة خاطئة عن تعاطي الادوية النفسية، حيث يرفض الكثير فكرة تعاطي الأدوية النفسية تمامًا وكأنها مخدرات. وأحب ان اؤكد من خلال جريدتكم أن الادوية النفسية لا تسبب الادمان، كما اؤكد على ان العلاج السلوكي المعرفي لا بد ان يلازمه علاج طبي. وعن آثار المرض على الاسرة أكدت حريري: اذا كان لدى الاسرة اطفال فمن المؤكد ان الاطفال سوف يتأثرون بالسلوكيات التي تمارس امامهم، وذلك لان الطفل يقلد ما يراه، فإذا كانت الام تتوضأ اكثر من مرة فالطفل لا شعوريًّا يقلد سلوك أمّه، وبذلك يكون سلوكًا مكتسبًا من الممكن أن يتلازم معه إلى الكبر، وهذا شيء خطير جدًّا. واكملت: وبالنسبة للزوج فمثلا اذا كانت المريضة تعاني من وسواس في النظافة فإن ذلك يؤثر على العلاقة الزوجية نفسها؛ لأنها تخاف عادة من نجاسة المكان او الغرفة، بالإضافة إلى التأخر الدائم والمستمر في الحمام، فقد تستغرق المريضة من ساعتين إلى أربع في الاستحمام؛ ممّا يجعلها غير متفرغة لمتطلبات زوجها، أو الاهتمام به، فتبدأ العلاقة بالتوتر وتبعد المسافة بينهما، ومن ثم يصلان إلى طريق مسدود في العلاقة؛ ممّا يؤدّي إلى إنهاء حياتهما. وبالنسبة لتأثير المرض على الحياة الاجتماعية للمريض أشارت إلى أن مريض الوسواس يميل إلى الانعزالية وذلك حتى لا يطلع او يلاحظ اي شخص مرضه، بالإضافة إلى أنه في حالة وجوده بين الناس فإن معظم وقته يهدر في دخوله إلى الحمام مثلا لغسل يده، فقد يستغرق الامر ساعتين كما ان عملية قيامه بأي نشاط في المكان الموجود فية يقابله ساعتين إلى ثلاث لإنهاء النشاط لأن المريض بهذا المرض النفسي الخطير جدًّا دقيق بصورة مرضية في القيام بأي عمل، وذلك ما يهدر وقته ويفوت عليه الاختلاط بالناس، وتبادل الخبرات فنصف عمر المريض يهدر في ممارسة سلوك متكرر.