تلفني حسرة كلما نظرت إلى ثالوث صناديق البريد المنزلي الخضراء المصفوفة على جدران المنازل على امتداد الوطن.. بلا جدوى! فأعود بالذاكرة إلى إعلان مؤسسة البريد السعودي "البراءة" منها منذ سنين خلت! الذي جاء بلسان عرّاب ورئيس مؤسسة البريد السعودي معالي الدكتور محمد بنتن، خلال حملة إعلامية، نجح من خلالها في كسب رضا مجلس الشورى الموقر! وتهدئة حالة اللغط التي أعقبت فشل المشروع المبكر بأسرع من المدة القياسية التي تم فيها توزيع وتركيب تلك الصناديق وما لحق بها من أعطاب! حينذاك قال بنتن: إن الصناديق ليست مملوكة للبريد، وإنها تدخل ضمن مشروع قد أُجهض! وأضاف بنتن: إن أياً من الشركات لن تتمكن من الاستفادة من ذلك المشروع الذي تم إيقافه مع مشروع البريد الدعائي ومشاريع أخرى "أُجهضت"، من بينها مشروع يكلف البريد خسائر شهرية ب 53 مليون ريال! انتهى الهرج والمرج بما جاء به التوضيح، وعند بنتن الخبر اليقين! أزعم أن لحسرتي أكثر من مبرر وسبب وجيه! منها ما يحدّث به كل من زار الدول المتقدمة، ورأى ما تلعبه صناديق البريد المنزلية من أدوار أساسية في معظم تعاملات الأفراد والتجمعات البشرية مع القطاعات الخدمية الرسمية والأهلية لتوفير متطلباتهم الحياتية من ضرورية وكمالية وإلى الترفيهية والسياحية، وحتى إجراءات تحنيط وتجهيز الموتى ومراسم الدفن! ومبرر آخر لحسرتي تجلى بذهاب نجلي ذات صباح باكر مع زملائه المتخرجين معه من الدراسة الثانوية للبحث عن مكتب بريد لإيصال مستنداتهم ووثائقهم للجامعات التي تقدموا للالتحاق بها، وفق الاتفاقات التي وقعها البريد السعودي مؤخراً مع الجامعات السعودية كوسيط وحيد بين الطلاب والجامعات على طول البلاد وعرضها فيما يتعلق بالتقديم والقبول والتسجيل! وأحسب أن البريد قد عاد إلى حياة الناس وذاكرتهم من هذا الباب الواسع الذي جاء بطوق نجاة لهذه المؤسسة العريقة من غرق ونسيان وشيك! وحضرت الحسرة والمرارة عندما وجدت أحلام المواطن وآماله وتطلعاته لخدمات أكثر حضارية وانضباطاً تذهب مع الريح بكلمة "أجهض" من أربعة حروف، وكأن المسؤول المعني الأوّل لم يجد لها المرادف الألطف في قواميس لغتنا العربية الجميلة! وللذين نسبوا فشل مشروع صناديق البريد المنزلية للتلفيات التي أحدثها بزعمهم بعض الصبية الذين لم يحسن آباؤهم تربيتهم! أقول متسائلاً: ما بال العابث لا يفعل بصناديق أخرى مجاورة على الجدر ذاته، وضعتها شركات توزيع الصحف والمطبوعات منذ عشرات السنين، وفي البيئة والظروف ذاتها ومع التركيبة السكانية والحالة الاجتماعية ذاتها؟! وأظن أن المتهم هنا بالعبث جيل لم ترق له وعود في صناديق (الوهم) الخضراء المستفزة لصبره بجمودها وسلبيتها! التي حيرته بمكوثها على الجدران أعواماً بانتظار إشارة خضراء! أمست شاهد حال.. على حسراته!