هل المرء بأصغرَيْه (قلبه ولسانه) فقط، كما هو مشاع ومتداول في قصة الفتى الذي أحرج الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز، وكما يقول شاعرهم "لسان الفتى نصف ونصف فؤاده"؟! أم أن تصرفات المرء تشي بأن هناك بواعث أخرى، قد لا تُلمس حجماً، ولا تُدرك أثراً، إلا أنها كبيرة في رمزيتها ومعناها؟! شخصياً أرى أن المرء يقاس ب(همته وعقله)! يحمل العديد من بني آدم ألسنة ذرفة، وقلوباً جامدة، لكنهم لم ينتفعوا بها كثيراً، فلا ألسنتهم نفعتهم، ولا قلوبهم بصّرتهم؛ لأنها سارت دون قائد كالعقل، وبلا وقود كالهمّة. وهذا لا يعني بأي حال تنقيصاً أو ثلباً في اللسان وما أجراه، والقلب وما حواه، لكنها محاولة في فرض معادلة متوازنة، في معمعة هذا التراث العربي الذي تقبل مروياته دون نقاش، ويُؤمن بها دون تمحيص. كم من الألسنة العصماء قادت أناساً إلى التهلكة؟ وكم من قلوب جامدة قادت أمماً إلى المحرقة؟ دون أن يؤدي ذلك إلى نقد هذه الرموز، ومحاولة تفكيكها، وبيان أن ما صنعوه ما هو إلا باطل ليس بعده باطل، حتى أن بعض الأمم في تاريخها الحديث تحولت إلى (ظاهرة صوتية). الهمة في تعريفي البسيط لها: هي النيّة المحرّضة على الأفعال والسلوك؛ لذلك قال عنها الفاروق رضي الله عنه: "لا تصغرنّ همتك فإني لم أر أقعد بالرجل من سقوط همته"، فهي التي جعلت ابن عباس رضي الله ينشد العلم على أبواب المحدّثين فيما الغبار يحثو في وجهه حتى يخرجوا إليه، وجعلت صحابياً آخر يقال له ربيعة بن كعب يسأل الرسول الله صلى الله عليه وسلم مرافقته في الجنة. ومن علماء الحضارة الغربية، ولاسيما في جانبها المادي، من ذوي الهمم العالية، كثير ممن نعرفهم وقرأنا سيرهم وأخبارهم، سواء منهم من طُرد من المدرسة، أو أودع السجن، فلم يزدهم ذلك إلا علماً وتنويراً. أما حكاية العقل فإن القرآن الكريم وحده يكفي تدليلاً وبرهاناً على من غيّبوه –ولاسيما في الوقت الحاضر- أنهم مخطئون في تقديرهم، وأن الكثير من الآيات والشواهد في هذا الكون لا تدرك إلا بالتفكير التي هي أداة العقل، وأن آيات القرآن تنضح بالتساؤل حول إغفال العقل وعدم إعماله {أفلا يعقلون}، {هل في ذلك قسم لذي حجر}، حتى أن عدد مرات ذكر العقل ومشتقاته في القرآن وصل إلى 49 مرة. وقد كان هذا العقل سبباً لأحد الأعراب في دخوله الإسلام، يوم أن دخل كافراً على النبي - صلى الله عليه وسلم - وخرج مسلماً، ولما سئل عن سبب إسلامه قال: والله ما أمرَ بأمر قال العقل ليته نهى عنه، ولا نهى عن أمر قال العقل ليته أمر به. هي دعوة مجانية، إن لم تنصفوا هذين الكبيرين فلا أقل من أن تعطوهما نصف الكعكة!