360 من صواريخ «توماهوك» و«كروز» التي حشدتها واشنطن في المتوسط ووجهتها ضد محور المقاومة انطلاقا من الأرض السورية، باتت بلا مفعول اللهم إلا تحولها لمحط تستريح به طيور السنونو في المياه الإقليمية لقبرص. دمشق (فارس) 7 أيام من الحشد الإعلامي وحرب التصريحات النفسية العنيفة التي شنتها واشنطن وحلفائها ضد سوريا، ذهبت أدراج الرياح بعد دقائق من خروج رئيس أقوى دولة في العالم بصورة المتردد في أول موقف مشابه يوضع فيه رئيس أميركي خلال كلمة كان يفترض لها أن تكون إعلان حرب على الدولة السورية التي تجاهر بمعاداتها للمصالح الأميركية في المنطقة. قرار الحرب على سوريا كان مقررا وخروج أوباما يوم السبت الماضي كان موظفا لإعلان الحرب، لكن وقبل ساعات قليلة من موعد كلمة الرئيس الأميركي ورد اتصال إلى البيت الأبيض مصدره تل أبيب، ودارت مكالمة هاتفية مطولة بين رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي. الاتصال وحسب تأكيد مصادر مطلعة من داخل البيت الأبيض تمحور حول مخاوف أمنية اسرائيلية من الرد الحاسم لمحور المقاومة على أي هجوم ضد سوريا وهو ما دفع تل أبيب إلى طلب إرجاء العملية إلى أجل غير محدد: وتقوم المخاوف الاسرائيلية على شقين أساسيين: 1. الأوّل يُحذّر من أنّ شنّ هجوم بعشرات صواريخ "توماهوك" بالتزامن مع تحديد وقت زمني لانتهاء العمليّة العسكرية بهدف منع تفاقم الأمور إلى حرب إقليميّة شاملة قد لا يستجلب ردّاً من سوريا أو من القوى الحليفة لها، لكنّ فوائد هكذا هجوم ستكون كارثيّة. فالعلم المُسبق لقادة الجيش السوري أنّ الهجوم الأميركي محدّد ببضع ساعات فقط، يعني أولا أن أي إنشقاق أو تمرّد لن يقع، ويعني ثانياً أنّ الميليشيات المسلّحة لن تكون قادرة على تنفيذ أيّ هجوم مواز، ويعني ثالثاً أن قوة الجيش السوري لن تتراجع إلا بشكل جزئي جداً، ما سيرفع معنويّاته لاحقاً، وسيُضعف معنويات خصومه، ويعني رابعاً أنّ قوّة الردع العسكريّة للجيش الأميركي ستُصبح محلّ تشكيك، ويعني خامساً أنّ التهديد بتدخّل عسكري أميركي مستقبلي لن يُؤخذ على محمل الجد... إلى ما هناك من تداعيات سيئّة على واشنطن وعلى القوى الحليفة! 2. القسم الثاني يُحذّر من أنّ شنّ هجوم بمئات صواريخ "توماهوك" على مدى يومين أو ثلاثة، وهو الخيار الذي فضّله أوباما بحسب المعلومات المُتداولة، سيؤدّي فعلاً الغرض العسكري من العمليّة لكنّه سيُفجّر الوضع برمّته. فإذا كان صحيحاً أنّ هذا الخيار سيؤدّي إلى إضعاف الجيش السوري كما هو مخطّط له، أيّا كانت الأهداف المُستهدفة (مطارات، منصّات الصواريخ البعيدة المدى، رادارات وأجهزة الإتصالات، مخازن ذخيرة وثكنات رئيسة، إلخ)، وسيسمح للميليشيات المسلّحة بتنفيذ هجمات ميدانية، وقد يتسبّب بضربة معنويّة لقوّات النظام وربّما بانشقاقات، فالأصحّ أنّ هذا الهجوم لا يُمكن أن يتمّ من دون ردّ من النظام السوري والقوى الحليفة، بحسب معلومات وصلت للاسرائيليين. وإذا كان خوف الإدارة الأميركية على استمرار تدفّق النفط يُشكّل مشكلة قابلة للحلّ، فإنّ من شأن الإنزلاق إلى عمليّة الردّ العسكري، والردّ المضاد، أن يُفجّر الوضع الإقليمي برمّته، ويُدخل إسرائيل في حرب لم تُخطّط لها في هذه المرحلة بالتحديد. ومن غير الممكن أن تكون الولاياتالمتحدة الأميركية هي المُسبّبة لانفجار الوضع، ثم تترك حليفتها الرئيسة من دون أيّ دعم عسكري، ما يعني حكماً تورّط أميركا في حرب جديدة، وليس مجرّد ضربات صاروخيّة محدّدة الحجم والفترة الزمنيّة. الاتصال بين أوباما ونتنياهو انتهى عندما وجد الرئيس الأميركي نفسه غير قادر على تحمّل هذا السيناريو بشكل فردي، في ظلّ رفض الشعب الأميركي للدخول في حرب جديدة، وفي ظلّ فشل الحليف البريطاني القوي في تأمين الدعم المطلوب، وفي ظلّ خوف أو تردّد أو ضعف باقي القوى الحليفة لواشنطن. من هنا، قرّر أوباما المحرج بالموعد المسبق للقاء رمي الكرة بيد الكونغرس الأميركي ليتحمّل ممثّلو الشعب الأميركي جميعهم مسؤولية أيّ انفجار شامل للوضع في الشرق الأوسط. هكذا بات أي حديث عن عدوان أميركي ضد سوريا مجمد بقرار أوباما ذاته، خصوصا إذا ما عرفنا أنّه كان بوسع الكونغرس الأميركي قطع عطلته المستمرّة حتى التاسع من الشهر الجاري، والتصويت على قرار "الضربة العسكريّة"، سلباً أو إيجاباً، لكنّه رفض تبنّي هذا البند الوارد في الدستور الأميركي، عَمداً، وذلك بهدف إتاحة المزيد من الوقت للخبراء الأميركيّين لدراسة الوضع الميداني. المحلل السياسي السوري سامي عبد الله أكد بتصريح خاص لوكالة أنباء فارس أن فكرة منح الدستور الأميركي للكونغرس وحده حق "إعلان الحرب"، بينما حصول الرئيس الأميركي حقّ التصرّف منفرداً في حال "الخطر الداهم" يؤكد أن أوباما بات يحسب ألف حساب لرد المقاومة قبل القرار النهائي بالعدوان على سوريا. وأضاف عبد الله أن واشنطن تدرك تماما أنه إذا تمت الضربة فصحيح أنها ستبدأ بعمليّة صاروخيّة محدودة، لكنّ أحداً لن يتمكن التكّهن بكيفيّة نهايتها بعد ساعات من بدايتها. /2336/