في 18 تموز/يوليو 1994 تعرض المركز اليهودي في مدينة بوينس آيرس الارجنتينية لتفجير ضخم ادى الى مقتل 85 شخصا واصابة 300 آخرين بجروح. طهران (فارس) ورغم مضي سنين عدة على هذه الحادثة، جرى طرح العديد من الوثائق والشهادات تبين فيما بعد انها كاذبة ومختلقة بشكل صارخ، لكن المحاولات الرامية الى توجيه اصابع الاتهام لايران وتورطها في هذا التفجير لم تتوقف لحد الآن من قبل الصهاينة وعملائهم في الارجنتين. فبمجرد وقوع الانفجار في مركزي "اميا" و "دايا" بادر المسؤولون الصهاينة الى توجيه اصبع الاتهام لايران وتسميم الاجواء ضدها من خلال تنظيم تظاهرات امام السفارة الايرانية في بوينس آيرس. بعد ذلك تم تسليم الملف المذكور الى القاضي الفيدرالي خوان غاليانو عام 1993. لكن افتضاح امر هذا القاضي على خلفية تزويره العديد من الوثائق واعتماده ايضا على عدد من شهادات الزور والاعترافات الكاذبة والمتناقضة والمختلفة، ارغم مجلس القضاء الاعلى في الارجنتين على محاكمته ومن ثم عزله بعد ما ادين رسميا ب 11 اتهاما. عزل القاضي غاليانو يكشف بوضوح الرواية الكاذبة والاتهامات الموجهة ضد ايران ورعاياها في خصوص تورطها بتفجيرات بوينس آيرس على مدى الاعوام ال11 الماضية. طبعا من الواضح ان غاليانو لم يكن الممثل الوحيد للوبي الصهيوني في الجهاز القضائي الارجنتيني في خصوص ملف اميا، وخير دليل على ذلك ان وتيرة توجيه الاتهامات لايران لم تتوقف بعزل هذا القاضي. وادلى عدة شهود بإفاداتهم لمصلحة فرضية غاليانو القاضية بتورط ايران في تفجيرات بوينس آيرس. ومن هؤلاء يمكن الاشارة الى احد مدافعي ملف آميا وبعض الايرانيين الهاربين بتطميعهم باستلام رشاوى او منحهم حق اللجوء. غاليانو واضافة الى سجن اربعة ضباط ارجنتينيين زورا ما بين 8 و 10 سنوات بتهمة التورط في ملف اميا، دفع 400 الف دولار كرشوة الى سمسار يعمل في بيع وشراء السيارات المسروقة ليدلي بشهادة مزورة مفادها انه سلم عناصر من حزب الله الموجه من قبل ايران، شاحنة صغيرة لكي تستخدم في عملية التفجير ضد المركز اليهودي. وفي عام 2003 اصدر القاضي غاليانو حكما قضائيا دوليا يقضي باعتقال 8 دبلوماسيين ايرانيين من بينهم سفير ايران لدى الارجنتين هادي سليمان بور. وعلى اثر ذلك تم اعتقال سليمان بور في 21 آب/اغسطس 2003 في مدينة دورهام البريطانية، لكن المحاكم البريطانية رفضت الوثائق التي رفعها القاضي الارجنتيني ضد سليمان بور ليطلق سراحه في 12 ايلول 2003 من قبل المحكمة البريطانية العليا بوضع كفالة بقيمة 750 الف جنيه استرليني. وبعد شهرين اعلنت المحكمة البريطانية عدم وجود ادلة كافية لاثبات المزاعم التي قدمها القاضي الارجنتيني ومن ثم اصدرت حكما نهائيا يمنع بموجبه ملاحقة سليمان بور واختتم بموجبه الملف. هذا الحكم القضائي هو احد اوضح الادلة التي تكشف عن ان الوثائق التي قدمها غاليانو الى المحكمة البريطانية لاتهام الدبلوماسي الايراني في تفجير المقر اليهودي، والتي وصلت الى 6 الاف صفحة، هي وثائق واهية ومختلقة ويكشف ايضا عن مدى نفوذ اللوبي الصهيوني في القضاء الارجنتيني. ** اصدار حكم دولي ضد سبعة ايرانيين ولبناني بعد عزل غاليانو واحالة الملف الى القاضي كانيكوبا كورال ورغم انكشاف زيف الوثائق المقدمة والاتهامات المطلقة ضد ايران، الا انه وفي 21 ايار/مايو 2006 عقدت الحكومة الارجنتينية محكمة للتمييز بهدف التحقيق في طلب استئناف الحكم للمدعين بالنسبه ل"آميا" و "دايا" ومجموعة جديدة تضم اسر الضحايا بهدف الغاء حكم براءة المتهمين في هذه التفجيرات، لكن الجدير بالاهتمام ان المحكمة وبعد استماعها لافادات الشاكين ومحاميهم اكدت على الحكم الذي اصدرته المحكمة السابقة والذي اسفر عن تبرئة المتهمين بانفجار مبنى آميا وكذلك ادانة حكومة كارلوس منعم والقاضي خوان خوزه غاليانو، لتكشف مرة اخرى زيف المزاعم الكاذبة للمؤسسات الصهيونية. وحين نتحدث عن محاولات اللوبي الصهيوني وانفعال الحكومة الارجنتينية في مقابله، لا ينبغي ان نشعر بالدهشة حيال طلب الارجنتين تعليق قرار الاعتقال الدولي للرعايا الايرانيين من قبل الشرطة الدولية "اينتربول". اعتراض الارجنتين على قرار الاعتقال عام 2004 ادى الى احالة اتخاذ القرار النهائي بهذا الشأن الى الاجتماع القادم للجمعية العامة للانتربول، حيث اعلن رئيس الجمعية في تصريح له في ايلول/سبتمبر 2005 ان القاضي الارجنتيني ارتكب مخالفات. واثر ذلك صوتت الجمعية بصورة نهائية لصالح قرار في اجتماعها الذي عقدته في ايلول سبتمبر عام 2005 في برلين بالمانيا يقضي بالغاء حكم اعتقال 12 ايرانيا وذلك بعد التدقيق ودراسة الوثائق الايرانية. وقد صوت في هذا الاجتماع 95 بلدا لصالح ايران من مجموع 100 بلد شاركوا في الجلسة. ولم ينته الموضوع عند هذا الحد فقد بادر مدعو العام الجدد الى إعداد ملف جديد من 855 صفحة وطلبوا بناء عليه اصدار قرار باعتقال 7 مسؤولين ايرانيين وابلاغ الحكومة الايرانية بهذا القرار. والطريف ان اسماء 5 اشخاص من المتهمين في الملف الجديد كانت مذكورة في قائمة غاليانو التي رفضتها الشرطة الدولية في وقت سابق. وعلى اي حال فإن الضغوط السياسية التي تمارس على الحكومة الارجنتينية في خصوص هذا الموضوع غير خافية على احد. ولذلك فإن الحكومة الارجنتينية مرغمة على مواصلة مزاعمها ضد ايران واتهامها بالتورط في انفجارات بوينس آيرس رغم إثبات خوائها بشكل لا يقبل الشك. اللقاءات التي عقدت بين اللوبي الصهيوني الاميركي "ايبك" مع الرئيس الارجنتيني نستور كريشنر ووزير الخارجية خورخه تايانا وكذلك لقاء وزير خارجية الارجنتين مع وزيرة خارجية الكيان الصهيوني (تسيبي ليفني) على هامش اجتماع الجمعية العامة للامم المتحدةبنيويورك اسفر بالتالي عن إصدار قرار مسيس وغير مسبوق يفتقر الى اي اسس قانونية من قبل الشرطة الدولية عام 2007 اشتمل على انذار احمر لعدد من المسؤولين الايرانيين. وهؤلاء المسؤلون الثمانية الذين جرى اتهامهم زورا هم كل من اكبر هاشمي رفسنجاني رئيس الجمهورية آنذاك وعلي اكبر ولايتي وزير الخارجية وعلي فلاحيان وزير الامن ومحسن رضائي قائد الحرس الثوري واحمد وحيدي القائد السابق لفيلق القدس ومحسن رباني الملحق الثقافي الايراني واحمد رضا اصغري السكرتير الثالث في السفارة الايرانية اضافة الى عماد مغنية احد قياديي حزب الله. الانذار الاحمر هو ليس قرار اعتقال دولي، بل ان الشرطة الدولية تطلب من اعضائها (186 بلدا) بموجبه ان تعتقل الاشخاص الذين ذكرت اسماؤهم آنفا في حال مشاهدتهم وتسليمهم. **عدم وجود اي وثيقة طرح موضوع اميا في اجتماع الجمعية العامة للامم المتحدة يكشف قبل كل شيء عن المحاولات التي يبذلها الصهاينة لممارسة الضغط على ايران. ورغم ان هذا الملف أثار الكثير من اللغط على الصعيد الدولي وجرى تغيير عدد من القضاة ولم يقدم لحد الآن اي دليل يربط ايران بتفجيرات بوينس آيرس، الا انه مازال مفتوحا لأسباب سياسية بهدف ممارسة الضغط على ايران. **النار التي تأججت بوزارة وحيدي واستمرت الاوضاع على هذا المنوال الى عام 2009 حيث تم ترشيح القائد السابق لفيلق القدس (والذي كان آنذاك نائب وزير الدفاع) الى منصب وزير الدفاع، فاستعرت نيران غضب الصهاينة مرة اخرى وبدأت هجمة شرسة في وسائل اعلامها لتثار مسالة تفجيرات اميا مرة اخرى. وقد ركزت غالبية وسائل الاعلام على موضوع ملاحقة الشرطة الدولية للعميد وحيدي باتهام المشاركة في تفجيرات بوينس آيرس. وعلى سبيل المثال فقد كتبت صحيفة "جيروزالم بوست " الصهيونية نقلا عن ايهود باراك وزير الحرب الصهيوني قوله: "ترشيح وحيدي، احد متهمي تفجير اميا في الارجنتين يكشف عن ماهية ونوايا الحكومة الايرانية". وتابع باراك مزاعمه قائلا: "على العالم ان يستخلص العبر من هذه الحادثة ويكتشف ماهية ونوايا ايران التي رشحت ارهابيا لمنصب وزير الدفاع". ويتهم باراك العميد وحيدي بالارهاب في ظل عدم وجود اي دليل يثبت مزاعمه، وفي المقابل لكن هناك ادلة كثيرة تثبت زعامة باراك لجماعات ارهابية صهيونية، والصورة التالية هي غيض من فيض الجرائم التي يرتكبها الصهاينة العنصريين ضد المجاهدين الفلسطينيين (دلال المغربي) وجرى توثيقها. وعلى اي حال فإن المحاولات الصهيونية لم تسفر سوى عن حصول العميد وحيدي على نسبة عالية من الاصوات ليتولى حقيبة الدفاع وترتفع شعارات الموت لاسرائيل في اروقة المجلس تزامنا مع الاعلان عن نتائج التصويت. العميد وحيدي وبعد انتهاء فترة خدمته في فيلق القدس وتولي منصب رئيس مركز الابحاث الاستراتيجية بوزارة الدفاع اجرى حوارا مع مجلة "تراز" تطرق فيه بشكل موجز الى عملية البت في هذا الملف حيث اشار الى تفجير اميا وضغوط الكيان الصهيوني على الجهاز القضائي الارجنتيني وقال: هنالك بعض القضايا التي يجب ان تؤخذ بالحسبان ويتم استخلاص الدروس منها، احداها مسألة ملف اميا. لا نتحدث عن ما لدينا، راجعوا ما قاله الرئيس الارجنتيني ووزير خارجيته قبل عدة اشهر، لقد طلبوا من ايران التوصل الى تفاهم لإنهاء القضية. وحين مارس اللوبي الصهيوني ضغوطه على الحكومة وانتقد موقفها من هذه العملية اعلنت الارجنتين بأن الجانب الاسرائيلي لم يقدم لها اي دليل رغم دعواتها المتكررة وبما انه قبل ملف اميا كان هناك انفجار آخر استهدف الاسرائيليين فإن الحكومة الارجنتينية بدأت تسألهم عن اسباب عدم متابعة ذلك الموضوع. اي ان المسؤولين الارجنتينيين وبعد ان تعرضوا للضغوط كشفوا عن هذه الامور. واضاف وحيدي: في الواقع ان ما يطرح في هذا الخصوص هو من فبركة الصهاينة ولا توجد أية أدلة او وثائق لدى اي جهة حول هذا الامر. احضروا شخصا وقدموه باعتباره شاهدا وأدلى بمزاعم خاوية هي اشبه بقصص الخيال، وهذه القصة ايضا كانت مليئة بالاخطاء، لذلك ليس لديهم اي وثيقة او دليل. وصرح القائد السابق لفيلق القدس قائلا: والآن الدرس الذي يجب ان نستخلصه هو ان بعض الاجهزة القضائية بالعالم لا تحكم على اساس الحقائق والأدلة، بل ان احكامها مسيسة بامتياز. وهذا هو سر عدم اقتناع اي شخص بهذا الموضوع. ونرى ان المسؤولين الملاحقين يقومون بزياراتهم الى الخارج بدون اي مشكلة خاصة. وتابع وحيدي: إحدى النقاط المهمة هي ان هذا الموضوع تم إهماله إبان حدوثه ومن ثم تم إثارته بعد 13-14 عاما. اين كانوا خلال هذه الفترة؟ لماذا لم يتم متابعة موضوع بهذه الاهمية؟ هنالك الكثير من التساؤلات في خصوص هذا الموضوع. واشار وزير الدفاع السابق الى زيارته لبوليفيا خلال فترة تصديه لوزارة الدفاع والضغوط الصهيونية والارجنتينية على بوليفيا في خصوص هذه الزيارة وقال: بوليفيا هي إحدى جيران الارجنتين ولها صلات وثيقة مع هذا البلد، ورغم ذلك فإن زيارتنا لم يتم الغاؤها. ومن الطبيعي ان تشعر الارجنتين بالاستياء حيال هذا الامر. يشار الى ان وكالة رويترز وقبل عدة ايام اشارت في تقرير لها الى لقاء وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف مع نظيره الارجنتيني هكتور تيمرمن في نيويورك حيث وعده بالعمل وفق الاطار المتفق عليه في خصوص حادثة تفجير بوينس آيرس. كما اتفق الجانبان على تشكيل لجنة مشتركة للتحقيق في الحادثة في نوفمبر بمدينة جنيف السويسرية. تجدر الاشارة الى انه ووفقا للاتفاق الموقع بين وزيري خارجية ايرانوالارجنتين العام الماضي، تقرر ان يقوم البلدان بتشكيل لجنة مشتركة للتحقيق حول حادثة انفجار مقر الجالية اليهودية في بوينس آيرس. وقد جرت المصادقة على هذا الاتفاق من قبل البرلمان الارجنتيني الا ان العملية القانونية للمصادقة على هذا الاتفاق لم تنته لحد الآن من قبل البرلمان الايراني. /2926/