على خطى أستاذه يمضي رئيس جبهة التغيير في الجزائر عبدالمجيد مناصرة في محاولة رأب الصدع ولم الشمل لتلافي ثنائية "النفاق والشقاق"!. أما أستاذه فهو العلامة الراحل محفوظ النحناج أول من جاهر بضرورة التصدي للعنف في بداية الثمانينيات، وأما الثنائية فلا يخلو منها بلد من بلدان الربيع العربي الذي نعيشه خريفاً بل صيفاً حارقاً حتى الآن. لقد بانت ملامح الشقاق في الجزائر مع اقتراب موعد انتخابات رئاسية جديدة تنتقل فيها الجزائر من "جمهورية الاستقلال" التي نشأت على يد أحرارها عام 1962 إلى الجمهورية الثانية بعد خمسين عاماً من النجاحات والتراجعات أو الاخفاقات كان أبرزها انتفاضة أكتوبر 1988، ثم بروز الجبهة الإسلامية للإنقاذ وفوزها بانتخابات ديسمبر 1991، وما أعقبه من استقالة مفاجئة للرئيس الشاذلي بن جديد في يناير 1992 وانتقال السلطة إلى "المجلس الأعلى للدولة" برئاسة وزير الدفاع خالد نزار، وحل جبهة الإنقاذ وإعلان حالة الطوارئ وبروز مظاهر العنف التي اكتملت بظهور ما يسمى بالجيش الإسلامي للإنقاذ. وسط هذه الأحداث نشأ عبدالمجيد مناصرة الذي لم يحل قربه من معلمه وشيخه دون أن يستمع وينصت ويتعلم من قادة الجزائر الأوائل في جبهة التحرير ومن شيوخها وعلمائها قبل وبعد انقسامهم ومن ساساتها البعيدين عن الأضواء والمؤثرين الصمت من نوعية أحمد طالب الإبراهيم وشريف بلقاسم وغيرهما. في تلك الفترة أيضا تعرفت على مناصرة وزرته مرات عديدة في الجزائر كصحفي لا كسياسي ولأن ذلك كذلك لم يبخل الرجل بتسهيل مهمتي في مقابلة رجال في القصر الجمهوري وآخرين في المعارضة، ومجموعات وشخصيات خرجت لتوها من السجن، وأخرى في طريقها إليه.. فإذا ما عرف هذا أو ذاك أنني "من طرف مناصرة" تحدث بأمان وراحة وحرية كما لو كان الشاب عبدالمجيد عضواً في حزب المتحدث أو في حركته! في ضوء ذلك، تصبح مبادرة رئيس جبهة التغيير مجردة من النفعية وخالية من الانتهازية ونقية من ألاعيب الاستقطابات السياسية التي اُتُهم بها أستاذه النحناح عندما قرر نبذ العنف والإنخراط في العملية السياسية بل وخوض الانتخابات الرئاسية وهو الأمر الذي اعتبره كثيرون بمثابة تحليل أو تقمص لدور "المحلل" للنظام في هذا الوقت من عام 1995!. لقد سعى الأستاذ النحناح لسد الثغرة الهائلة بين الإسلاميين الذين وصفهم المراقبون بالتشدد والغلو وبين العلمانيين الذين لم ينجوا من الوصف ذاته! ولأن روح التشفي والانتقام وروح الكبر والاستعلاء من جهة أخرى كانتا قد أحاطتا بالجزائر فقد فشل الرجل في تحقيق غايته ومات. هكذا وعلى خطى أستاذه وبحكم تلمذته وقربه وزمالته لقادة الجزائر السابقين والحاليين خرج عبدالمجيد مناصرة بمبادرته الجديدة التي تدعو إلى "رئيس توافقي" يقود مرحلة انتقالية تتراوح بين سنتين وخمس سنوات. وتستهدف المبادرة كما يقول مناصرة إلى "بناء التوافق الديمقراطي كبديل ثالث" في مواجهة ما وصفه ب"ثنائية النفاق والشقاق" حتى يختار الجزائريون مستقبلهم بحرية وبلا نفاق أو شقاق عام 2014. العجيب والمثير أن مبادرة عبدالمجيد التي تلقى ترحيبا من الكتلة البرلمانية لجبهة العدالة والتنمية و"حزب عهد 54"، وحركة النهضة فضلا عن أحزاب وحركات وشخصيات أخرى، تقابلها أو تواجهها تحركات مضادة تمثلت في الإعلان عن بروز حزب "أمل الجزائري الإسلامي الحداثي" وهذا هو أسمه ووصفه بزعامة عمر غول، فضلا عن الحركة الشعبية العلمانية التي يقودها عمارة بن يونس.. والأغرب والأعجب أن مناصرة الذي اتهم يوماً هو وأستاذه بتحليل استمرار "جمهورية الاستقلال" عبر "جبهة التحرير" يتهمه كثيرون الآن بالحيلولة دون بقاء هذه الجمهورية وتلك الجبهة!. هكذا تبدو الجزائر التي فرحتُ كثيرا لتوسط رئيسها الحالي عبدالعزيز بوتفليقة بين الخصمين التونسيين وكأنها تبدأ من جديد أو كما يقول المصريون "من أول وجديد"!! فمن ينصح من؟ ومن يتعظ ممن؟ ومن يتلافى أخطاء من؟! الشيء المؤكد أن الفائز هو من يتجرد من كل شيء إلا من حب صادق لوطنه، ومن يضحي بكل شيء تلبية لنداء ومصلحة وطنه، ومن يتسامح من أجل وطنه، ومن يصفح الصفح الجميل من أجل وطنه، الفائز هو الذي يسدد ويقارب ويقترب من قلوب بني وطنه وأمته وقبل هذا وبعده من الواحد الأحد جل شأنه. تستوي في ذلك الجزائر مع تونس مع مصر مع السودان مع اليمن مع ليبيا حتى لا يتحول الربيع العربي إلى صيف حارق يحرق الأخضر واليابس إن لم يكن قد حدث!. تخيل معي لو أنهم أجروا انتخابا لمن يضحي من أجل وحدة شعبه وتقدم وطنه؟ أو استفتاء عن أكثر المتصارعين على الكرسي تسامحا، أو أكثر الأحزاب والحركات صفحاً جميلاً؟! أخشى أن تكون النتيجة: لم ينجح أحد!. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (41) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain