أجلس مع إمام المسجد وهو من علماء الحديث، ونتبادل الحديث عن العلم، هل يختلف أحد على تحصيل العلم، بالطبع لا، فقد ورد في كتاب الله العزيز آيات كثيرة تحث على العلم وتبين قدر العلم والعلماء منها على سبيل المثال الآية رقم 18 من سورة آل عمران «شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط» ومنها الآية رقم 11 من سورة المجادلة «يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات» ومنها الآية رقم 9 من سورة الزمر «قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون» ومنها الآية رقم 28 من سورة فاطر «إنما يخشى الله من عباده العلماء» ومنها الآية رقم 43 من سورة الرعد «قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب» ومنه الآية رقم 40 من سورة النمل «قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك» ومنها الآية رقم 80 من سورة القصص «وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً» ومنها الآية رقم 43 من سورة العنكبوت «وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون».. وأيضاً ورد في كثير من أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الحث على تحصيل العلم والعمل به ومنها قوله: «العلماء ورثة الأنبياء» ومنها «يستغفر للعالم ما في السماوات والأرض» ومنها قوله: «أفضل الناس المؤمن العالم الذي إن احتيج إليه نفع، وإن استغني عنه أغنى نفسه» ومنها «العالم أمين الله سبحانه في الأرض». والأحاديث كثيرة في هذا الصدد، ونعود إلى حديثي مع الإمام: أي علم؟ وما علاقة العلم بالعبادة والعمل، وما المعنى الكبير للعبادة؟ قال الإمام ويدعى محمد يسلم من موريتانيا (العلم هو التفقه في الدين، ولا غير ذلك، فكل شئ بعد علوم الدين هي علوم زائلة ولا معنى لها) ويعني الإمام بذلك أن العلم الحقيقي هو التفقه في الدين والتقرب إلى الله بمعرفته ومعرفة الدين الذى ارتضاه لنا وحسن العبادة عملاً بما تعلمناه من ديننا. هل تتفقون مع الإمام؟ أم تخشون الاختلاف معه؟! قبل التفحص فيما قاله الإمام ومناقشته سوياً، دعونا نعي حقيقة العبادات، وهي ليست فقط في الشعائر الدينية مثل الصلاة والحج والدعاء والذكر وتلاوة القرآن وما إلى ذلك، وإنما العبادة تشمل أمرين آخرين في غاية الأهمية لا تستوي العبادة دونهما وهما: العلم والعمل به، ومن هنا نأتي إلى ما قاله الإمام، هل يحتوي كلام الإمام على خطأ ما؟ بالطبع لا وألف لا، فما قاله الإمام صحيح بالضرورة ويؤيده أحاديث نبوية كثيرة، ولكن أهذا الفهم للعلم والعمل به شاملاً لكل ما أراده الله سبحانه وتعالى من بني آدم، أم به قصور واختصار؟! أنا أقول للإمام أنه إذا كان حسن العبادة هو غاية المنى ومنتهى الأمل، فالوصول إليه ليس فقط بفهم العقيدة وهو أمر هام، وليس فقط بالتفقه في الدين وهو أيضاً أمر هام ومطلوب، ولكن أليس نفع الناس عبادة؟ أليست كل الأعمال الصالحة عبادة؟ يجب على الإنسان أن يكون عبداً ربانياً لا يفعل إلا خيراً، ولا يقول إلا طيباً، وأن يتوجه في كل فعل أو قول أو عمل لله وحده. المهندس الاستشاري الذي يشرف على البناء أليس في حاجة لتحصيل العلم الذي يُؤهّله للقيام بعمله بالكفاءة والإتقان المطلوبين، فإذا قام بتحصيل العلم اللازم وتطويره، ثم قام بتطبيق ما تعلّم، ألا يكون عمله في صالح الناس، وإذا كان قاصداً وجه الله ورضاه، عالماً أن ما تعلمه هو من علم الله وهداه، وأنه اهتدى في عمله بهدى الله، وأن رزقه على الله، ألا يكون جل ما يقوم به عبادة؟! الطبيب الذي يجتهد سنوات طويلة ليكتسب العلم اللازم، ويستمر في البحث الدؤوب لتطوير علمه وخبراته لينفع الناس ويتقن عمله في تشخيص الأمراض ومداواة المرضى، وقلبه متعلق بالله، ويعلم أن الشافي هو الله، وإنما يهتدي بهداه، ألا يكون عمل مثل هذا الطبيب عبادة لله؟! أنا أكتفي بهذا مثلاً، وأقول على كل من يتولى مسؤولية عمل ما، أن يعلم أنه من عبادة الله أن يتعلم ويحصل العلم اللازم والكافي ليقوم بعمله على أكمل وجه، وأن يسعى دائماً لتطوير عمله واكتساب كافة الخبرات اللازمة، وعليه أن يعلم أن الإبداع في العمل والإبتكار وهو لا يبتغي إلا وجه الله وهو مؤمن، فإن كل ما يقوم به عبادة تكتب له بها حسنات، فيكون عبداً صالحاً وسعيداً في الدنيا والآخرة. المستشار/ محمود إبراهيم [email protected]