انفراد.. "يمنات" ينشر النتائج التي توصلت إليها لجنة برلمانية في تحقيقها بشأن المبيدات    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    بعثة اليمن تصل السعودية استعدادا لمواجهة البحرين    عودة خدمة الإنترنت والاتصالات في مناطق بوادي حضرموت بعد انقطاع دام ساعات    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    صيد حوثي بيد القوات الشرعية في تعز    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    عاجل : تأكيد مقتل الرئيس الايراني و جميع المسؤولين في حادثة تحطم المروحية .. شاهد اولى صور الجثث    أول رئيس إيراني يخضع لعقوبات أمريكا . فمن هو إبراهيم رئيسي ؟    قادم من سلطنة عمان.. تطور خطير وصيد نوعي في قبضة الشرعية وإعلان رسمي بشأنه    تغاريد حرة.. هذا ما احاول ان أكون عليه.. الشكر لكم    أول فيديو من موقع سقوط طائرة الرئيس الإيراني ووصول فريق الإنقاذ "شاهد"    هادي هيج: الرئاسة أبلغت المبعوث الأممي أن زيارة قحطان قبل أي تفاوض    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    تناقض حوثي مفضوح حول مصير قحطان    الليغا .. سقوط البطل المتوج ريال مدريد في فخ التعادل وفوز برشلونة بثلاثية    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    قبيل مواجهة البحرين.. المنتخب الوطني يقيم معسكر خارجي في الدمام السعودية    عاجل: نجاة أمين مجلس شبوة المحلي ومقتل نجله وشخصان آخران (صور)    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    مصدر برلماني: تقرير المبيدات لم يرتق إلى مستوى النقاشات التي دارت في مجلس النواب    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    وفاة وإصابة عشرة أشخاص من أسرة واحدة بحادث مروري بمأرب    عدن.. وزير الصحة يفتتح ورشة عمل تحديد احتياجات المرافق الصحية    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    إعلامية الإصلاح تدعو للتفاعل مع حملة للمطالبة بإطلاق المناضل قحطان وجعلها أولوية    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    ريبون حريضة يوقع بالمتصدر ويحقق فوز معنوي في كاس حضرموت    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    مصرع عدد من الحوثيين بنيران مسلحي القبائل خلال حملة أمنية في الجوف    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحدود السورية التركية بحماية "الأطلسي"
نشر في الجنوب ميديا يوم 29 - 11 - 2012

"إن قذائف المدفعية السورية سقطت في قلعة كالي ولم تسقط في روسيا، ولم تُضرب طائرة الفانتوم التركية على الحدود الروسية"، هكذا علق مسؤول تركي رفيع على انتقادات روسيا لفكرة نشر صواريخ باتريوت تابعة لحلف الناتو على الحدود التركية - السورية . في إشارة إلى الاختلاف الكبير بين رؤية كل من أنقرة وموسكو لمقتضيات الوضع العسكري على الحدود، لكن هذا التفسير لدوافع تركيا إلى نشر صواريخ "باتريوت"، تحاول أنقرة تسويقه لدى موسكو وطهران محاولة لإظهار أن الأمر يتعلق بالأمن التركي مباشرة . وهو المنطق الذي ترفضه روسيا وإيران بوضوح، بل وتعتبرانه منطقاً معكوساً . وبين الموقفين تكمن كثير من التفاصيل والملابسات المتعلقة بحسابات كل طرف تجاه الأزمة السورية في مستوى، وتجاه الوضع الجيواستراتيجي في المنطقة ككل في المستوى الأشمل . حيث تتقاطع أزمة سوريا مع مصالح وأدوار القوى الإقليمية والدولية في المنطقة، الأمر الذي يجعل ''عسكرة'' الحدود التركية السورية شأناً إقليمياً عالمياً بامتياز، بغض النظر عن حقيقة دوافعه وحدود دلالاته العسكرية المباشرة .
في تطور لافت بوجهيه الاستراتيجي والسياسي، قرر حلف الناتو نشر بطاريات صواريخ باتريوت على الحدود بين تركيا وسوريا . الأمر الذي يحمل دلالات مهمة لجهة التقديرات التركية والغربية لاحتمالات دخول الأزمة السورية مرحلة مواجهة مسلحة قد تمتد نيرانها إلى تلك الحدود . فضلاً عن التداعيات الكثيرة التي ستنجم عن وضع ميداني جديد كهذا، من بينها تغيير المعطيات اللازمة لإدارة الخيارات العسكرية المتاحة، خصوصاً عملية فرض حظر جوي على بعض المناطق السورية . لكن في الإطار الأوسع، لتلك الخطوة أبعاد وتداعيات تتجاوز حدود الأزمة السورية، وتصل إلى العلاقات بين موسكو وأنقرة من جانب، وكذلك بين تلك الأخيرة وإيران، فضلاً عن تأثر العلاقات الملتبسة أصلاً بين موسكو والعواصم الغربية خصوصاً الولايات المتحدة . ما يجعل الحدود التركية السورية وتغيير الوضع العسكري والاستراتيجي بشأنها، رقماً صعباً في معادلات كثيرة إقليمية ودولية يصعب التنبؤ باتجاه تأثير تلك التغيرات عليها .
السياق الأوسع
جاء التطور المتعلق بقبول حلف الأطلسي (الناتو) طلب تركيا نشر صواريخ "باتريوت" الدفاعية على الحدود مع سوريا، ليكرس النمط الذي تسير عليه الأزمة السورية في الأسابيع الأخيرة، وهو نمط القفزات المفاجئة سواء في المسار العسكري أو في المسار السياسي . فبعد أن استمر الوضع السياسي معلقاً على مهمة الأخضر الإبراهيمي لما يزيد على شهرين، وراحت كل الأطراف تتجاذب الإبراهيمي لأفكارها وتصوراتها . فجأة انتهت مهمة الإبراهيمي عملياً ومن دون إعلان، بعد أن فشلت هدنة الأضحى التي لم تكن تحمل أصلاً أي مقومات للنجاح . فضلاً عن أن مهمة الإبراهيمي من بدايتها لم تكن هي الأخرى مرشحة للنجاح، إذ لم يكن لديه أفكار محددة أو مبادرة واضحة، لكنها كما بدأت واستمرت من دون مبرر قوي، انتهت أيضاً دون تفسير واضح . هذا بينما فجأة أيضاً أصبح انقسام المعارضة محور اهتمام القوى الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة، فضلاً عن بعض فصائل المعارضة ذاتها . فراحت تلك القوى تجتهد حثيثاً في لملمة شمل المعارضة والعمل على خلق كيان واحد يضمها أو على الأقل يُنظر إليه كذلك . هذا رغم أن الانقسام في ما بين فصائل المعارضة قائم ومعروف وتداعياته ملموسة منذ بدايات الأزمة السورية في مارس/آذار ،2011 ثم تجسد ذلك الانقسام مؤسسياً مع تشكيل المجلس الوطني السوري، الذي لم يضم كل الأطياف المعارضة، بينما استأثر وحده بصفة ممثل المعارضة السورية حتى أسابيع قليلة مضت .
عسكرياً، لم تشهد الأزمة تطورات مفصلية في الأشهر الثلاثة الأخيرة، وكذلك الأمر بالنسبة للحدود التركية السورية . بما في ذلك سقوط بعض القذائف من جانب قوات النظام السوري داخل الحدود التركية، وقبلها إسقاط طائرة تركية كانت دخلت الأجواء السورية . ولم يمثل كلا الحادثين تطوراً نوعياً لا في مسار الأزمة عسكرياً ولا تصعيداً ذا أهمية في التوتر الشامل الذي يسود العلاقة بين أنقرة ودمشق . بل على العكس تم التعامل من الجانبين بدرجة عالية من العقلانية والرغبة في تجنب التصعيد . من هنا فإن خطوة نشر صواريخ "باتريوت" على الحدود مع أنقرة تثير التساؤل حول دوافعها الحقيقية، خصوصاً أنها مطروحة من جانب تركيا على "الناتو" منذ أسابيع .
وهو ما يدفع إلى التساؤل حول دوافع تركيا لتقديم هذا الطلب والاستعانة بالناتو لحماية حدودها صاروخياً . فالمناوشات السابقة المشار إليها بين أنقرة ودمشق مثلت اختباراً تم اجتيازه بالفعل، ولم يعد من المتصور أن يبادر أي منهما إلى استفزاز الآخر عسكرياً أو الإقدام على خطوات ميدانية من شأنها تفجير الموقف وتحويله إلى مواجهة مسلحة مفتوحة بينهما . أخذاً في الاعتبار أن النظام السوري ربما يكون أكثر تمسكاً من أنقرة بهذا التوافق الضمني على تجنب المواجهة المباشرة، فهو الأضعف حال حدوث تلك المواجهة، وهو أيضاً الأكثر احتياجاً إلى التفرغ للعمليات العسكرية في الجبهة الداخلية . كما أنه يملك أدوات أو بالأحرى جبهات أخرى لمناوشة تركيا عسكرياً من خلالها، منها بصفة خاصة الورقة الكردية .
يتمحور المنطق التركي في طلب الحماية الصاروخية من "الناتو" حول أن الصواريخ دفاعية وليست هجومية، وهو ما حرص مختلف الساسة الأتراك على إبرازه في سياق تبرير تلك الخطوة، خصوصاً أمام الانتقادات الروسية المباشرة . فوفقاً لما جاء على لسان وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، "لا مدعاة للقلق من نشر تلك الصواريخ على أراضيها كونها منظومة دفاعية" . بيد أن ما لم يشر إليه أوغلو، ولم تتطرق إليه التصريحات والمواقف التركية، أن المسألة ليست في وجود خطر هجومي مباشر في تلك المنظومة الصاروخية، ولا في استخداماتها العسكرية المعروفة مسبقاً أنها دفاعية . فالنقطة الجديرة بالتفكير في خطوة كهذه أنها تعكس التحسب والتحوط التركي من تطور الأوضاع داخل سوريا أو ربما على الحدود بشكل يجعلها في حاجة إلى الدفاع عن أراضيها بتلك المنظومة .
وبالتالي يصعب النظر إلى هذه الخطوة بمعزل عن السياق العسكري المحيط بها، حيث لا تزال حالة الكر والفر سارية، ولا يملك أي من الطرفين (النظام والجيش السوري الحر) القدرة على الحسم العسكري لصالحه . وكذلك الأمر بالنسبة للسياق السياسي، حيث تمثل جهود توحيد المعارضة (بغض النظر عن مدى نجاحها حتى اللحظة) محاولة أيضاً للخروج من السبات السياسي للأزمة . وهو ما يعني غياب أي إشارات أو تطورات طبيعية مثيرة للقلق تبرر تلك الاحتياطات الدفاعية التركية . وعليه يمكن قراءة عملية تزويد الحدود التركية السورية بصواريخ "باتريوت" كإشارة إلى استعدادات أو ربما تحضيرات تركية غربية لمرحلة جديدة من إدارة الأزمة سواء عسكرياً بشكل مباشر أو سياسياً بشكل يفضي أيضاً إلى تطورات عسكرية على الأرض . ولعل هذا ما دفع دمشق إلى إدانة الخطوة التركية ووصفها رسمياً بأنها "استفزازية" وغير مبررة . لكن يلاحظ على رد الفعل السوري أنه أقل من المتوقع، بل إنه أقل من ردود أفعال أطراف أخرى مثل إيران وروسيا التي تصدت بقوة لرفض الخطوة التركية، وكأن الخطر المرتبط بهكذا خطوة موجه بالأساس إلى موسكو وليس إلى دمشق، حتى وإن لم يكن ذلك بشكل مباشر .
الرد الروسي
هذه القراءة هي بالضبط ما وصلت إليه دوائر التخطيط الاستراتيجي الروسية، لذا جاء رد الفعل الروسي هو الأشد والأكثر تعبيراً عن القلق من الخطوة التركية . فقد عكست التصريحات الرسمية الروسية قلقاً بالغاً من الوضع العسكري واحتمالات تطوره في ضوء خطوة تركيا والناتو . فرغم محاولات أنقرة تهدئة المخاوف الروسية، فإن الأخيرة ترى في الأمر تهديداً بإثارة مواجهة مسلحة "خطيرة" . كما غلب على المواقف الروسية الرسمية الخشية من مجرد رفع مستوى التسليح على الحدود، على اعتبار أنه يؤدي بذاته إلى زيادة احتمالات وقوع المواجهة، أو كما قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف "بقدر ما نكدس أسلحة يزداد خطر استخدامها" .
قراءة موسكو للحماية الأطلسية لحدود تركيا، تذهب بعيداً عن فكرة الدفاع عن الحدود في المرحلة الحالية . إذ لا مبرر في تلك المرحلة بمعطياتها الآنية إلى القلق الحدودي . لذا تعتبر موسكو أن الخطر الحقيقي يكمن في النوايا والاحتمالات المستقبلية وليس في الخطوة الآنية بذاتها . بل إن بعض التقديرات الروسية لا تستبعد استخدام تلك الصواريخ ضد الطائرات السورية مباشرة من دون التعرض لهجوم، وذلك في إطار عملية حظر جوي يتم فرضها على نظام دمشق، خصوصاً في المناطق الشمالية القريبة من الحدود التركية . لذا ترى موسكو أن الخطوة جزء من تحضيرات أوسع لعمليات عسكرية في سوريا، أقلها فرض حظر جوي على الطائرات السورية . لكنها قد تمتد أيضاً لتشمل غزواً لسوريا يقوم به "الناتو" . وهذه هي المداولات والمشاورات التي تجري في أروقة السياسة والإستراتيجية الروسية، وإن لم تنعكس بوضوح بعد في التصريحات الرسمية . حيث يعتقد بعض الخبراء العسكريين الروس أن ثمة تخطيطاً لاجتياح محتمل لسورية عبر الأراضي التركية، ليس بواسطة الجيش السوري الحر أو غيره من القوات والفصائل التي تحارب قوات النظام، وإنما مباشرة بواسطة قوات الناتو . وهو أمر لا تقبله موسكو ولن تسمح به، وهذا هو السبب وراء ارتفاع حدة اللهجة الروسية في رفض فكرة نشر الباتريوت في تركيا .
المهم في رد الفعل الروسي، أنه لم يقتصر على التصريحات والمواقف السياسية، فقد بادرت موسكو إلى إجراءات مضادة للخطوة التركية/ الغربية . ما يعني أن روسيا ليست فقط قلقة للغاية، ولكنها أيضاً تأخذ الأمر بجدية تدفعها إلى التحرك العملي وعدم الاقتصار على المواقف والتصريحات أو حتى الاتصالات السياسية وحسب .
فقد قررت موسكو إرسال 4 بوارج إلى مرفأ طرطوس، وهي رسالة واضحة ومباشرة إلى واشنطن وليس فقط إلى أنقرة أو "الناتو" . ذلك أن زيارات القطع الحربية الروسية إلى طرطوس تتم عادة بشكل فردي وعلى التوالي، وليس بأكثر من قطعة في وقت واحد . وتجب الإشارة هنا إلى أن روسيا لها أكثر من عشر قطع بحرية تجوب مياه المتوسط، ينتظر تدعيمها في القريب العاجل بعشر قطع أخرى، خلاف الأربع المخصصة للرسو في طرطوس .
يعكس هذا التطور في سلوك موسكو وموقفها العملي، مدى استشعارها الخطر مما يجري داخل سوريا، وما قد يجري على الحدود التركية . لكن الملاحظ أن هذا السلوك الروسي يسير في اتجاه الرد على الخطوات التركية والغربية، وليس في اتجاه منعها . وهو ما يرجع بالأساس إلى افتقاد موسكو وسائل الضغط الكافية للحيلولة دون نشر "الباتريوت" أو دفع "الناتو" إلى التراجع عن أي قرار في هذا الاتجاه . وهو ما اعترف به صراحة وزير الخارجية الروسي بقوله: إن روسيا "ليست عضوا في الحلف ولا تستطيع عرقلة قراراته"، ورغم استدراكه بأن بلاده تقر بأنه لا أحد "ينوي جر الحلف إلى الأزمة السورية"، إلا أنه عاد وأشار إلى أن "في المجال العسكري لا تهم النيات، وإنما تهم الاحتمالات، وعندما تزيد الاحتمالات تزيد المخاطر" . ورغم أن موسكو ليست وحدها في رفض الخطوة التركية، حيث تشاركها إيران الذي قام وزير خارجيتها بجولة شملت سوريا والعراق وتركيا ذاتها، إلا أن الرفض الروسي يظل هو الأقوى والأكثر تجسيداً للقلق، ما يؤكد أن عسكرة الحدود التركية - السورية ليست عملية محصورة النطاق فقط في الأزمة السورية، على الأقل من وجهة نظر موسكو .
موقف "الناتو"
في المقابل لم يبد الجانب الآخر (الغرب والناتو) رغبة قوية في طمأنة موسكو، بل ربما العكس، فقد رد الأمين العام للناتو أندرس فوج راسموسن على الانتقادات الروسية بوصفها بغير المبررة، وتأكيده أن الحلف سيفعل كل ما يلزم "للدفاع عن حليفتنا تركيا" . في إشارة إلى منح "الناتو" تلك الخطوة أهمية خاصة . وهو ما يؤكده الواقع بالفعل، فمن بين 28 دولة عضو في الحلف، لا تملك صواريخ "باتريوت" سوى ثلاث دول هي ألمانيا وهولندا والولايات المتحدة . ويشير هذا بدوره إلى أن عملية نشر الصواريخ لم تكن ليقبل بها "الناتو" إذا لم تكن تقديراته لأهميتها وضرورتها عالية .
ثمة مؤشرات أخرى تصب في ذات الاتجاه، أي أهمية تلك الخطوة من وجهة نظر الناتو، من بينها الصعوبات الفنية التي تواجه عملية نشر الصواريخ . والمتطلبات اللوجستية والبشرية اللازمة لتشغيل البطاريات . وكانت لجنة من "الناتو" قامت بزيارة إلى تركيا لتحديد مواقع نصب بطاريات "الباتريوت"، التي ينتظر أن يتراوح عددها بين 4 و،6 وهنا تبرز مشكلة تتعلق بالجانب العملياتي في تلك الخطوة، حيث يحتاج الإشراف على إدارة تلك البطاريات وتشغيلها إلى ما يقرب من150 خبيراً من خارج تركيا . ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت أنقرة ستستضيفهم فوق أراضيها أم فقط عدداً منهم، بينما سيعمل الباقون من مواقع توجيه وتحكم خارج الأراضي التركية . الأمر الذي يثير بدوره جوانب أخرى لم تحسم بعد، منها صلاحية إصدار الأوامر بإطلاق الصواريخ، وما إذا كان القرار العملياتي سيخضع لقيادة تركية أو من جانب الناتو . وهي مسائل ربما تكون سابقة لأوانها حالياً، لكنها ستكون محورية إذ اقتضى الأمر اللجوء إلى استخدام تلك الصواريخ، خصوصاً إذا تم ذلك بشكل مفاجئ وليس في إطار عملية مخطط لها مسبقاً . وهو ما ينطبق أيضاً على الأسس والجوانب المعروفة باسم "قواعد الاشتباك"، والتي ستختلف بدورها حسب طبيعة كل حالة وملابساتها .
يمكن القول إذاً: إن نشر بطاريات صواريخ باتريوت الدفاعية على الحدود التركية السورية يصعب اعتباره عملاً دفاعياً في ظل غياب أي تهديدات حقيقية من الجانب السوري . وفي الوقت ذاته لا يمكن النظر إلى ذلك التوجه من جانب تركيا و"الناتو" بمعزل عن الصورة الأشمل للأزمة بما فيها المسارات السياسية وليست فقط العسكرية . وأخيراً ورغم أن المخاوف الروسية من تلك الخطوة تبدأ من القلق على مصير دمشق حليفها الاستراتيجي في المنطقة، إلا أنها تمتد لتشمل الخشية من تغير الأوضاع الجيواستراتيجية الإقليمية بشكل عام، بما فيها منافذ الحضور والتأثير الإقليمي الروسي . الأمر الذي يجعل وضع حدود تركيا مع سوريا تحت حماية "الناتو"، عملاً استباقياً قد يفضي في حال تطورت الأوضاع الميدانية ولو بغير قصد إلى مواجهة عسكرية . وهو ما يخلق أجواء مشابهة لأجواء الحرب الباردة، لكن هذه المرة ستكون تلك الأجواء أكثر تقلباً وغير مستقرة وليست محكومة بنظرية الردع التي منعت الحرب بين الغرب والشرق، بل قابلة للتحول المفاجئ إلى أجواء ساخنة وملتهبة إذا وقع المحظور، وفي هذه الحالة فلن تقتصر المواجهة على أطرافها الإقليميين المباشرين .
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.