عندما إتخذ الشعب البحريني وقادته خيار المقاومة السلمية لثورتهم ضد النظام الملكي الخليفي لم يكن خيارا عشوائيا, بل كان خيارا استراتيجيا لتحقيق مطالبه الحقة, وإعادة حقوقه المسلوبة بعيدا عن العنف, هذا الخيار لم يكن ناجما عن ضعف او خوف لأن من يقاوم بصدره العاري يعتبر أكثر شجاعة وأشد صلابة وإقداما من الذي يحمل السلاح. هذا الخيار أحرج الكثير من الدول الداعمة للنظام الديكتاتوري في البحرين, وأحرج وسائل الاعلام العربية والاجنبية التي طبلت وزمرت وروجت "للربيع العربي المزعوم" ولحركات ما يسمى ب (الثورات العربية) التي مارست العنف والارهاب كما هو الحال في سوريا, وقفوا عاجزين عن ان يتهموا المتظاهرين في البحرين بالارهاب وأعمال الشغب وتخريب الممتلكات العامة, لأن الشعب البحريني الثائر كان راقيا في ثورته وحركته وإنتفاضته ولم يمارس إي عنف في تحركاته, وعندما عجز النظام البحريني في الوقوف امام الزحف الشعبي السلمي, قام بالاستعانة بقوات ردع اجنبية تقودها المملكة العربية السعودية, هذه القوات مارست أبشع الجرائم بحق هذا الشعب الاعزل متسلحة بحقد طائفي مذهبي أعمى, قامت بقتل المتظاهرين والإجهاز على الجرحى وإعتقال الاطباء والممرضين, ومداهمة وانتهاك حرمات البيوت الآمنة وهدم المساجد والحسينيات والتعدي على المواطنين الابرياء, كل ذلك الارهاب لم يثنِ من عزيمة هذا الشعب ولم ترهبه كثرة الشهداء والجرحى, بل بات أكثر تصميما على إسقاط هذا النظام الديكتاتوري الارهابي بحق شعبه. قام هذا النظام بإسقاط الجنسية عن عدد من قادة هذه الثورة وأبعد الكثير من المواطنين عن وطنهم البحرين, بينما كان يمنح الجنسيات للعمال القادمين من بلدان اخرى كي يتمكن من تغيير ديموغرافية البلد, وكأن الجنسية أو الهوية الشخصية التي تربط المواطن بوطنه هي ملك شخص يهبها لمن يشاء ويسلبها ممن يشاء. فلم يعد مقبولا في عصرنا وعالمنا هذا أن يقوم رجل وعائلته بالتحكم بثروات وقدرات بلد, ويعتبرون أنفسهم خلفاء الله على الارض, فهذا أصبح من الماضي والتاريخ, وعلى كل الملوك أن يرحلوا عن السلطة قبل أن تصل إليهم قبضات الشعوب. هذا النظام الذي بات يعلم علم اليقين بأن أيامه أصبحت معدودة بفعل أوامر صدرت إاليه من أسياده في البيت الابيض بأن يختار بين التغيير أو الرحيل, وعليه الاختيار بين نموذج قطر او المكابرة كالسعودية. وما نشاهده من قمع للحريات وإفراط في السلوك الامني الارهابي ضد المواطنين الابرياء العزل, وقمع تحركاتهم بالقتل والترويع, وتفريط بأبسط حقوق الانسان, وممارسة التهديد والوعيد لقادة الثورة جعلنا نؤمن بأن هذا النظام إتخذ خيار المكابرة بناء على تعليمات "بندر بن سلطان" المصاب بجنون الهزيمة التي مني بها في سوريا ويريد التعويض عنها في البحرين وايران ولبنان. آخر جرائم هذا النظام قيامه باستدعاء الامين العام لجمعية الوفاق الاسلامية الشيخ علي سلمان ليمثل أمام النيابة العامة بتهمة "التحريض على الارهاب", وقد جاء هذا الاستدعاء بعد إدانة الشيخ علي سلمان لممارسات قوات الامن القمعية بعد مداهمتها مقر الجمعية وتخريب محتوياته التي كان قد أقيم فيها "متحف الثورة" وهو عبارة عن صور من واقع الاحداث تظهر بشاعة النظام البحريني وتفضح وتوثق جرائمه. إن استدعاء الشيخ علي سلمان للتحقيق معه تجاوز لكل الخطوط الحمراء, ومسمار آخر يدق في نعش النظام, لأن الشيخ يمثل أحد أبرز قادة المعارضة والثورة السلمية في البحرين, وكذلك يمثل المرجعية الدينية ولا يمكن السكوت عن تلك الاهانة. لقد بات النظام البحريني لا يجيد قراءة السياسة العالمية وتغيرات المنطقة, ولم يقرأ إنتصارات الجيش العربي السوري وحلف المقاومة على أسياده في البيت الابيض الذين باتوا يتوسلون الحل السياسي بعد فشلهم في الحل العسكري, فربط مصيره بمصير المملكة السعودية التي بدورها فقدت توازنها السياسي العالمي والاقليمي, وسلمت امورها الى شخص متهور متطرف منبوذ حتى في الداخل السعودي "بندر بن سلطان" الذي قد يقودها الى حافة الانهيار. فإذا استمر هذا النظام الخليفي في تجاوز الخطوط الحمراء, يكون قد حكم على نفسه بالانتحار ليلفظ أنفاسه الاخيرة أمام عنفوان ومظلومية وبطولة هذا الشعب الثائر العظيم. بقلم: حسين الديراني /2926/