بعد أن تأكدت أن رفض الخطوة سوف يتبعها جدل في العالمين العربي والإسلامي, والحل هو مجموعة من الخطوات التصعيدية ضد السلطة الفلسطينية في مرحلة ما بعد الحصول علي الوضع الدولي الجديد في المنظمة العالمية بمعني أن المرحلة القادمة سوف تركز علي احتواء آثار الخطوة في المحافل والمنظمات العالمية وأمام المحاكم الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية التي تمثل الهاجس الأكبر لإسرائيل خشية ملاحقة الفلسطينيين لجنرالاتها. المواجهة حول وضع الدولة الفلسطينية تأجلت تحت ضغوط كثيرة لمدة أكثر من عام كامل إلا أن المفاوضين الفلسطينيين عقدوا العزم علي طرح الأمر للتصويت عبر الجمعية العامة, بدعم من132 دولة من أصل193 دولة في المنظمة, بعد أن وقفت أمريكا ودول غربية أخري ضد الطلب الفلسطيني للاعتراف بدولة كاملة العضوية في مجلس الأمن الدولي العام الماضي وهو ما حرك الفلسطينيون للحصول علي وضع أقل ولكنه يظل فوق الحدود المقبولة في واشنطن وتل ابيب. الإنتقال من ملعب الإعتراف بحق الدولة المراقب في الأممالمتحدة- وضع تتمتع به دولة الفاتيكان اليوم- إلي الخطوات العملية التي ستعقب الإعتراف هو ما تحضر له الولاياتالمتحدة من خلال مجموعة من الخطوات التصعيدية ضد السلطة الفلسطينية في حال ظهور مؤشرات قوية علي الإصرار علي ملاحقة إسرائيل أمام المحاكم الدولية بدعاوي ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية وربما التلويح الأول في واشنطن هو المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية والثاني هو تعطيل مسار المفاوضات بحجة أن الخطوة المتسرعة تعطل العملية التي تدفع من خلالها واشنطن التسوية علي أساس حل الدولتين ويعرقل عودة إسرائيل إلي مائدة التفاوض مجددا. فريق الصقور الموالي لإسرائيل في واشنطن يستعد لشن حملة واسعة علي المنظمة العالمية في الفترة المقبلة من خلال تحريك دعايتها الضخمة ضد المنظمات التابعة للأمم المتحدة سواء القانونية أو الحقوقية أو الثقافية أو الإنسانية أو الاقتصادية لتحجيم الدبلوماسية الفلسطينية في تلك المنظمات التي تحظي فيها معاناة الشعب الفلسطيني بمساندة ملحوظة بعيدا عن حسابات الدول الكبري في مجلس الأمن الدولي حيث تعقد تلك الدول صفقات لتحقيق توازنات ومصالح وليس بالضرورة لإقرار حقوق شعوب مضطهدة أو الوقوف إلي جانب حقوق مشروعة. ويلوح دبلوماسيون أمريكيون سابقون- من أنصار إسرائيل- بإمكانية قطع التمويل الأمريكي عن منظمة تلجأ إليها الدولة الفلسطينية من أجل مقاضاة أو إظهار الدعم لإسرائيل ويقول إيليوت إبرامز مسئول مجلس الأمن القومي في عهد جورج دبليو بوش أن ما حدث مع منظمة التربية والعلوم والثقافة اليونسكو يمكن أن يتكرر ثانية عندما جمدت الولاياتالمتحدة تمويلها للمنظمة ولم يتمكن الموالون للفلسطينيين من تعويض الحصة الأمريكية التي كانت تبلغ22% من تمويل المنطمة والسيناريو نفسه يمكن فرضه لإفلاس تلك المنظمات لو تحركت ضد إسرائيل. كما ان الاعتراف بفلسطين دولة مراقب يثير مشكلة للولايات المتحدة خاصة بقبول مخاطبات رسمية من منظمات الأممالمتحدة تشير إلي مصطلحات مثل دولة فلسطين والقدس المحتلة والأراضي المحتلة وهي التعبيرات التي تحركت وزارة الخارجية الإسرائيلية ضدها مبكرا وأصدرت تعليمات لسفارتها في الخارج برفض أي مراسلات من المنظمات التابعة للأمم المتحدة تتضمن تلك المصطلحات وفي حال تصعيد إسرائيل في إتجاه المنظمات الدولية من المرجح أن تجد واشنطن نفسها منغمسة في معركة دبلوماسية محرجة تقوض اكثر من مصداقيتها بشأن القضية الفلسطينية وأمام العالمين العربي والإسلامي. وكافة تصريحات المسئولين الأمريكيين تركز علي التأثير الضار لخطوة الجمعية العامة علي مفاوضات السلام المتوقفة وزيادة فجوة الثقة بين الطرفين إلا أن المفاوض الفلسطيني يدرك أن وضع الدولة المراقب يقدم القضية الفلسطينية بطريقة مختلفة في حال إدارة الأمر بشكل محترف في المحافل العالمية فهو في المقام الأول يرسخ لمبدأ حقوق الفلسطينيين علي أراض ما قبل الخامس من يونيو عام1967 بموجب القرارات الدولية ويؤكد أن الدول تضم الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس المحتلة. ويعتبر التصويت علي الدولة المراقب في التوقيت الحالي نوعا من الإنتصار المعنوي للرئيس الفلسطيني محمود عباس في مواجهة أزماته الداخلية والعلاقة المتوترة مع حركة حماس التي سيطرت علي قطاع غزة قبل سنوات وإنتزعتها من قبضة حركة فتح التي تمثل الشعب الفلسطيني في الخارج. المشاورات الحالية في نيويورك تشير إلي أن السلطة الفلسطينية برئاسة عباس تبعث برسائل طمأنة إلي كل الأطراف في واشنطن وتل أبيب وحلفاء إسرائيل أنها تركز علي إستئناف عملية السلام وليس الإسراع بالإنضمام للمنظمات التابعة للأمم الأممالمتحدة. وقد أكد سفير فلسطين رياض منصور علي تلك السياسة في تصريحات عديدة مؤخرا. ويتفق الموقف الفلسطيني الرسمي مع طبيعة التفاهمات التي توصل إليها المفاوضون في إتصالاتهم مع عواصم أوروبية دفعت عدد كبير من الدول إلي إعلان تأييد حصول فلسطين علي دولة مراقب وإن كان الموقف الفسطيني سوف يتعرض لضغوط من الداخل لإستخدام ورقة المحكمة الجنائية الدولية وهو الحق الذي طالما سعت أطراف فلسطينية وعربية ودولية إلي دعمه علي مدي عقود طويلة ورغم انه مسألة متفق عليها من كل الداعمين للشعب الفسطيني في نضاله من أجل دولة مستقلة وإستعادة أرضه كاملة فإن للدبلوماسية حسابات أخري خاصة في المواجهات مع الدولة الكبري والأكثر إنخراطا في القضية الفلسطينية والتي يمكن ان تحجم المسعي الفلسطيني في مقابل بعض الإمتيازات الأخري ومنها المساعدات وإستمرار دعم إستكمال بناء الدولة. إحتفال الفلسطينيين اليوم بوضع الدولة المراقب في الأممالمتحدة هو مقدمة لتغيير نوعي في التعامل مع القضية علي المستوي العالمي إلا أنه يحمل السلطة الفلسطينية بأعباء وضغوط كثيرة من بينها واقع عربي شديد الإضطراب في دول محورية للقضية وتراجع في الإهتمام بعملية السلام في واشنطن وعدم رغبة إسرائيلية حقيقية في العودة للمفاوضات وربما لن تجد الدولة الفلسطينية سوي السعي لتأكيد حقوق شعبها عبر المنظمات الدولية حتي اشعار أخر في المنطقة العربية وفي واشنطن.