كنا نتناول إفطارنا بالمقهى صامتين حين قطع رفيق الصمت قائلاً: سمعت أن لك باعًا في تفسير الأحلام.. راودني قلق فأجبتُ بعد تردد: إيّاك أن تقول فسّر لي حلمًا.. نظر إليَّ بعتب وقال: ما جدوى إجادة أمر تضن به على الناس، خاصة إن كانوا من أصدقائك؟ تأكدت مبررات قلقي، ما أكثر المرات التي سقطتُ فيها فريسة من يريدون تفسيرًا لكل حلم يرونه، بصرف النظر عن قيمة الحلم وجاهزية المُفسِّر، ولا رغبة عندي لاستهلاك صباحات كل يوم في تفسير ما رآه رفيق في ليلته. قلتُ له: يستحيل في أغلب الأحوال تفسير حلم شخص لا تربطك به معرفة لصيقة، كذلك ولا كل أحلام أقرب الناس إليك يسهل تفسيرها، تفسير حلم أشبه بجلسة تحليل نفسي، التحليل لا ينصب على الحلم إنما الحالم.. تنفّست الصعداء حين قال: غريبة الأحلام دي، المفروض أنك نائم مفتقد للحواس والوعي، فكيف تعي الحلم؟ أجبت: النوم أربعة مستويات، استدلوا عليها عن طريق ما يصدر عن مخ النائم من إشارات، تتدرج من الخفيف إلى العميق إلى الأعمق، وتقع الأحلام في المستوى الأخف الذي يسبق اليقظة. كمثال توضيحي، اللا شعور مثل بحر هائل الاتساع والعمق، الوعي كرة طافية فوقه، أثناء النوم تأخذ في الغرق متحركة من مستوى إلى الذي تحته، عند المستوى الرابع تعود للحركة في الاتجاه المعاكس، هذا التردد يحدث أثناء النوم مرات حسب طول ساعاته، وتقع الأحلام عند المستوى الأول الأقرب لليقظة، لولا هذا القرب من الحالة الواعية لما تذكَّر أحد أحلامه ولا رآها أصلاً، بل نحن لا نتذكر إلاّ الأحلام التى تعقبها يقظة ولو قصيرة. تساءل رفيق بفضول: طيب، الكرة الغائصة في البحر تظل كرة، يعني الوعي موجود، مكانه فقط ما اختلف! رددت: لا، أنت تفترض أن الكرة شيء آخر غير البحر، هي ليست كذلك، الوعي من نفس مادة اللاشعور ثم تمايز عنه لطول مرانه على الاتصال بالحواس.. هز كتفيه بحيرة أقرب للاحتجاج وقال: إذن ما الذي يغرق ويطفو؟ أجبت: هو ذلك الجزء المتخصص في الاتصال بالحواس، ومنها إلى الواقع الخارجي، الكرة مجرد مثال توضيحي، الأقرب أنها تذوب في بحرها وتتلاشى فيه عند النوم. في الحلم الوعي بعيد عن حواسه الجسدية، ومنقطع الصلة عن عالمه الخارجي، مع ذلك قد استعاد بعضًا من قواه نتيجة قربه منه، فانفتح جزئيًّا على عالمه الداخلي اللاشعوري المفتوح بدوره على ما لا نعلم من روافد وأصقاع. لذلك الحلم نتاج تفاعل الوعي واللا شعور، ولهذا هو منتج شديد الغرابة واللامألوفية. سأسألك سؤلا يُحيرني.. ابتسم رفيق قائلا: هو مين فينا الخبير، أنا أم أنت؟ قلت: لا أنا ولا أنت، إننا مجرد متحاوران في مقهى. أنت ترى نفسك في الحلم، فأيهما أنت، الذي في الحلم أم الذي يتابع أحداثه؟ بعد قليل تروي أجاب: ما دام الوعي والأنا شيئًا واحدًا فلا بد أنني مشاهد الحلم لا من يقوم بدور فيه، كيف أكون الممثل والمشاهد معًا؟ علّقت: أهنئك لجرأتك على طرح الفروض، فرضك منطقي ومحتمل، سوى أن لديَّ شكوكًا حوله. عندما ترى نفسك في الحلم لا تشك أنه أنت، درجة عالية من التماهي بين الرائي والمرئي، كيف تصبح الأنا ذاتًا وموضوعًا في نفس الوقت؟ قال: عندك إجابة؟ قلت: عندي فروض يتساوى احتمالها مع ما افترضت. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (32) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain