سعت الأمم طويلاً على مر العصور إلى تقريب المسافات ضد الجغرافيا المتباعدة والتضاريس الصعبة، وانتهى السعي بكيانات أصبحت تفاخر بالأفكار والإبداعات والوسائل التي أوصلت الأطراف بالأطراف، وسرعت حركة الإنسان في كل الاتجاهات، لكن بقيت حركة تقريب المسافات وإلغائها بين النفوس وأرواح البشر أبطأ، إن لم تكن أصعب، خصوصاً بين المعنيين بتنظيم الكيانات البشرية وإدارة الدول وبين المجتمعات المحكومة أو التي تخضع لسلطة معينة، وكم من المجتمعات التي تكونت وتشكلت في هيئة دول وتحالفات وحدوية أو إقليمية اعترت علاقاتها بالكتل الحاكمة نزاعات وتناحر وبغضاء، وأخرى بدت فيها العلاقة عكس ذلك، لكنها غالباً ما تفتقر للبعد الإنساني الذي يستند في الأساس إلى قيم مجتمعية يشترك الحاكم والمحكوم في التمسك بها وإعمالها وصيانتها عبر الأجيال. وهنا في الإمارات حيث القيم المجتمعية متجذرة ضاربة في العمق، كثيراً ما يتقدم الملمح الإنساني في نسج العلاقة وبنائها بين إدارة الحكم ومجتمع الدولة ككل، ووراء ذلك الإيمان المطلق بالتماسك الوحدوي المدعوم بالوعي العام والمصبوغ بالحكمة الموروثة، والمطبوع بالملمح الإنساني، والمنتهي بعلاقة منتجة بين القيادة والناس. الصور من هذا الطراز في الدولة، من أقصاها إلى أقصاها كثيرة، وكثير منها ما يحدث بعيداً عن أعين الإعلام، ولن يستغربها أحد لكونها كالدم الذي يجري في شرايين الكل. أمس فقط، قدم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي صوراً شتى للبعد الإنساني في العلاقة بين الحُكم والشعب عبر جولة في المناطق الشمالية الشرقية، دخل فيها البيوت، فخالط ببساطته أهلها، وعانق بوقاره كبارها، وداعب بأبوته صغارها، وتفقد أحوال الساكنين في المنزل والحي، وجالس المريض بحديث المرح والمعنى، وأكثر من الأسئلة والاستفسارات عن الحال والأوضاع، ولبى على الفور ما ظهر من الحاجات، وحفر في الذاكرة الفردية والجماعية للناس هناك منابع لحب أصيل، وذكريات تفاخر بها الأجيال بعد الأجيال. تجول محمد بن راشد، معضداً بمنصور بن زايد، بروح الإنسان، وبذات الروح كان يوجه بالقرار، فأنتج وأهل الدار الكبرى الإمارات ليس فحسب ما يقرب المسافة، بل يلغيها. The post إلغاؤها .. لا تقريبها فحسب appeared first on صحيفة الرؤية.