أزمة دستور.. ام أزمة بلد؟المظاهرات في مصر تتناسل وتتناسخ، وباتت كل مظاهرة تلد اخرى، بل أخريات، ولا يلوح في الافق اي امل بامكانية التوصل الى مخارج آمنة، او حتى شبه آمنة من هذه الازمة المتفاقمة. الاسلاميون ردوا على مظاهرة المعارضة الليبرالية باعتصام كبير في ميدان النهضة امام جامعة القاهرة اختلفت التقديرات حول اعداد المشاركين فيها، فالبعض قدرها بخمسة ملايين بينما قال البعض الآخر انها بمئات الآلاف، الكل يقدر حسب موقعه، وحسب موقفه السياسي والعقائدي. الاعلان الدستوري للرئيس محمد مرسي الذي فجر الحراك السياسي الحالي المتفاقم في مصر، فرّخ اعتماد الدستور الذي وضعته اللجنة التأسيسية، وصدر مرسوم بطرحه على الاستفتاء الشعبي. الازمة تدخل كل اسبوع، بل كل يوم، مرحلة من التعقيد اصعب من التي سبقتها، فمظاهرات المعارضة مرشحة للانتقال من ميدان التحرير الى قصر الاتحادية الرئاسي، وتحت عنوان الانذار الاخير، ولا نعرف ما هو المقصود بهذا الانذار ولماذا هو الاخير، ثم ماذا سيحدث لو لم يعمل به الرئيس؟ المحكمة الدستورية العليا التي باتت نزاهتها موضع شكوك انصار الرئيس من الاخوان المسلمين والسلفيين، اعلنت بالامس تعليق اعمالها احتجاجا على الضغوط 'النفسية' و'المادية' التي تعرضت لها وقضاتها بسبب المظاهرات التي نظمها انصار الرئيس يوم امس. فاذا كانت المحكمة تعلق اعمالها بسبب مظاهرة، ومؤسسة القضاء تعلن مقاطعتها للاستفتاء على الدستور الجديد، فهذا يعني عمليا ان الفوضى لم تعد تقتصر على المظاهرات والشعارات المطروحة فيها، وتصل في بعض الاحيان الى درجة من البذاءة بحيث تصعب علينا الاشارة اليها تلميحا. هذه الفوضى بدأت تصل الى اكثر مؤسسات الدولة انضباطا وحكمة، مثل المؤسسة القضائية. المؤسسة القضائية، في اي بلد من بلدان العالم الديمقراطي المتحضر، يجب ان تكون هي الحكم، وتقف على ارضية محايدة بين الحكم والمعارضة، واي انحياز لهذا الطرف او ذاك ينسف نزاهتها، ويلغي وجودها، ولذلك يتطلع الكثيرون الى هذه المؤسسة، داخل مصر وخارجها، كطوق نجاة للبلاد من الازمة الحالية التي تعصف بها، ولا يبدو انها تريد، في الوقت الراهن على الاقل، ان تلعب هذا الدور. القضاة عادة، ومثلما يؤكد خبراء القانون واساتذته في محاضراتهم لتلاميذهم قضاة المستقبل، يطبقون القانون حرفيا، ولكن عندما تستدعي الضرورة، والمصلحة العامة للبلد، لا مانع من ان يلجأ هؤلاء الى روح القانون، والاهداف التي وضع من اجل تحقيقها، ولا تثريب عليهم في هذا. مصر تنجرف بسرعة الى هاوية سحيقة لا يبدو ان لها قاعا، بينما يتبادل الجميع دون استثناء اللوم، وتوجيه الاتهامات، ويديرون ظهورهم للبيت الذي يحترق. نشعر بالمرارة والالم ونحن نتابع فصول المشهد المصري الحالي، وكل ما نستطيع قوله في الوقت الراهن، وباختصار شديد، ان هناك من يريد تقويض الثورة المصرية من الداخل، لصعوبة التدخل العسكري الخارجي مثلما حدث ويحدث في بلدان اخرى، ومن المؤسف ان هناك قوى داخلية تتسابق فيما بينها من اجل انجاز مهمة التدمير هذه، واضفاء ما تعتقد انها الشرعية عليها. وما هو مؤلم اكثر، بالنسبة الينا على الاقل، ان عقلاء مصر الذين كنا نعتقد انهم كثّر، اختفوا من المشهد في الوقت الذي تحتاجهم مصر وشعبها.