حث الله سبحانه وتعالى على التسامح والعفو والتغاضي عن الأخطاء، ودرء الزلات، والحلم والصبر على الهفوات، وعدم الغضب والانفعال والاستمرار في الخصومات؛ لأن الحياة أقصر من أن نمضيها في خلافات وتشاحن وبغضاء.. ولكنّ هناك أموراً تُخرج الحكيم من حلمه وصبره؛ إذ يتم الاعتداء على الحقوق، والتمادي في الظلم والتعامل بخسة وقذارة وأنانية، وحقد وحسد دفينَين.. عند ذلك ليس على الإنسان إلا ردع الظالم بقدر استطاعته، والذهاب إلى الأجهزة المختصة من محاكم وشرطة بعد استنفاد جهود الصلح، وإقفال الأبواب دون ذلك. وهنا يأتي دور العدل الذي هو أساس في الحياة وقوانينها، وذلك بأن من تذهب إليه لإنصافك يكون عادلاً نقياً نزيهاً طاهراً، يعمل بالحق، ويكون الله - عز وجل - رقيبه وحسيبه بعيداً عن الهوى والميول والظلم. وعندما يخون القاضي وكل من أوكل له الفصل بين الناس فهذه مصيبة ما أكبرها من مصيبة؛ ولهذا شدَّد الإسلام على العدل وإقامته لتستقر الحياة بعيداً عن الميل مع القبيلة أو الأسرة أو العشيرة أو الهوى والميول الشخصية التي تخلق الحسرة والألم، وتنفرط أسس الحياة ونظمها، وتسود المحسوبيات والتدخلات الشخصية التي يتوه فيها البسطاء ومن ليس لهم إلا الله عز وجل. أما التعامل مع الخصومات فتكون البداية بالتجاهل والتغاضي والترفع في الدخول في خصومات، وخصوصاً عندما يكون الطرف المقابل جاهلاً وبسيطاً وأرعن، ولا يوجد سبب مقنع للخصومة سوى أمور تافهة لا معنى لها؛ إذ يتم الإساءة للعلاقات الإنسانية والتأثير عليها. ولهذا الدخول مع الجاهل والبسيط في حالة خصام إنقاص من منزلة رفعك الله بها؛ ولهذا قُل سلاماً، وترفع عن مخاصمته؛ لأنك تعطيه أكبر من حجمه. والمشكلة عندما يكون معك من هم في حالة تلون وابتسامات صفراء، بينما يشحنون آخرين؛ فيقع الإنسان الطيب في الفخ بعد تضخيم الأمر وصب الزيت على النار. وبطبيعة الحال، هناك من أوغر الحسد والحقد صدورهم، ويغيظهم أن يسود الحب والتفاهم والسلام والتصافي والتقارب بين الناس؛ فيعملون بالنميمة والهمز واللمز لخلق الخصومات وافتعال المشاكل وزرع الفتنة بين الناس. وفي كل الأحوال حاول التقيد بالتوجيه الرباني الوارد في سورة الفرقان في كتاب الله القويم؛ إذ قال تعالى {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً} صدق الله العظيم.