مشكلة السلطة في البحرين أنها تعتمد على نوعين من البشر ، "المرتزقة" الذين تجلبهم من كل أصقاع الأرض ليقوموا بحمايتها ، ومجموعة من "العبيد" تختبىء خلفهم لتنفيذ أجنداتها في السيطرة على العباد والبلاد، وكلا الطرفين همهم الوحيد زيادة عدد الأصفار في حساباتهم البنكية. فلا المرتزقة قادرين على أداء مهامهم، ولا العبيد إستطاعوا أن يقفوا حجر عثرة أمام مطالب شعب البحرين الحقيقية ، كما يراد منهم. وليس ذلك فقط .. بل أن السلطة إبتلاها الله بشعب "حر" مبدع قادر على الاتيان بالجديد في كل يوم ، ولديه قدرة عجيبة على حل المشكلات وتجاوزها مهما كانت صعبة وقاسية، كما أنه قادر على إبتكار وتنظيم الأفكار وإظهارها في بناء جديد يخدم بها أهدافه وفي ذات الوقت يفشل بها مشاريع السلطة بمرتزقتها وعبيدها. من أهم إيجابيات ثورة الرابع عشر من فبراير هي كشفها لهذه الحقيقة التي كانت ملتبسة على البعض، وهي أن في البحرين "أحرار"، أطلقوا العنان لعقولهم وأفكارهم فنجحوا ، وهناك "عبيد" ليس لديهم عقول تنتج وكل إنتاجاتهم وحركاتهم هي عبارة عن تقليد الأحرار في أعمالهم ونشاطاتهم. عندما تفجرت ثورة الرابع عشر من فبراير تجمع "الأحرار" في الدوار وكشفوا عن حقيقتهم من خلال إبداعاتهم وأساليبهم ، وصنعوا من مكان الحدث رمز إضطرت السلطة إلى إزالته من على وجه الأرض لأنه كان مركز الاشعاع الذي يبث روح الثورة والحرية ظنا منها أن إزالته سينهي الحراك وسينهي المطالب. وعلى الجانب الآخر حاول "العبيد" تقليدهم فتجمعوا في الفاتح ليس بإرادتهم ، بل بإرادة غيرهم ، وبدل أن يتعلموا من الأحرار كيفية المطالبة بحقوقهم، إنغمسوا أكثر في العبودية فصاروا في صف النظام الظالم يحاربون الأحرار. وحتى عندما تقدم "الأحرار" بمطالبهم في العزة والحرية والكرامة، صاغوا هم مطالبهم التي تنسجم مع عبوديتهم فطالبوا بزيادة معونة الغلاء وزيادة الرواتب وهي أقصى ما يطمحون اليه. الفرق شاسع بين "أحرار" يطالبون بالعزة والحرية والكرامة، وبين "عبيد" همهم علفهم وقدرهم ما يخرج منهم. وكل حركاتهم ونشاطاتهم وفعاليتهم جاءت تقليدا لللآخرين، فليس لديهم ما يبتكرونه ولا عقولهم قادرة على الانتاج والابداع لأنهم لا يرسمون سياسات وإستراتيجيات ، بل ينفذون إرادات تملى عليهم. ليس لديهم أهداف ولا مطالب ولا حتى خطاب سياسي واضح. كل أفعالهم عبارة عن ردات فعل لا تقدم ولا تؤخر، بل تفصح عن تخبطهم وإرتباكهم في أغلب الأحيان. اليوم وبعد أن قام الأحرار بدوس صور من ينفذون إرادته وأسقطوا بذلك ما بقي له من هيبة ، جاء "العبيد" كالعادة يقلدونهم فقاموا بوضع صورة الشيخ الجليل ووطؤها بأقدامهم. والفرق واضح.. أن "الأحرار" داسوا على صورة من تجبر وطغى ، وقتل وسجن وعذب وإعتدى على الأعراض والمقدسات، بينما "العبيد" داسوا على صورة رجل جليل ورع ، أياديه بيضاء لم تلوثها دماء الأبرياء، ولم يعتد على أحد لا بقول ولا بفعل. الأحرار داسوا على صورة ديكتاتور يقر دستوره الذي فرضه على الناس بأنه ذات لا تمس. فقام "الأحرار" لأنهم أحرار بمس ذاته وعروه أما العالم بأنه مطلوب للعدالة وأنه مرتكب جرائم بحق الإنسانية. بينما العبيد داسو على صورة رجل لا يفارق المحراب وليس لديه دستور فرضه على الناس ودون فيه مادة أنه ذات لا تمس. الأحرار داسوا على صورة من إنتهك حقوقهم لكي يقطعوا الصلة بينهم وبينه ويعرفوه قدره وهو المتجبر الذ وضع نفسه ملكا وصدق نفسه. بينما العبيد داسوا على صورة رجل ينادي بحقوق الناس صباحا ومساء، وحتى حقوق أولئك الذي داسوا صوره. الأحرار داسوا على صورة رجل شكك بعروبتهم وباسلامهم ، وأيضا بعروبة وإسلام العبيد الذي يطبلون له، بينما هم داسوا على صورة رجل لا يفرق بين مواطن وآخر، ولم يتفوه في يوم من الأيام بكلمة تمس من يختلف معه في الرأي أو المذهب. عندما داس الأحرار على صورة الديكتاتور فهم داسوا على نهجه وفكره ، بينما العبيد داسوا على صورة الشيخ لشخصه ، وهذا هو الفرق بين الأحرار والعبيد وهو أن الأحرار يدافعون عن أفكار مهما كان الأشخاص الذين يحملونها، في حين أن العبيد يدافعون عن أشخاص مهما كانت الأفكار التي يحملونها. الفرق بين الدواسين إذا صح التعبير هو أن "الأحرار" داسوا على صورة رجل متكبر متجبر يمتلك السلطة والقوة والجبروت ويستطيع أن يفعل بهم ما يشاء من إعتقال وتعذيب وتسفير وحتى إعدام، لكن لأنهم أحرار فهم لا يخافون. بينما "العبيد" يظهرون شجاعتهم ويدوسون على صورة رجل لا يمتلك من حطام الدنيا شيئا ولا يعيش في قصر تحيطه الجند من كل حذب وصوب ، ولا يمتلك الجيش والأمن والحرس الوطني وقوات المرتزقة، فضلا عن الجيش السعودي. بقي أن نقول أن دوس العبيد لا يؤثر على أحد بمن فيهم الشيخ الجليل لأن هيبته وإحترامه وحب الناس له لم يأت بفرض منه، بل لصفات توافرت في شخصيته لا يستطيع قائد العبيد أن يوفرها في نفسه . لكن دوس الأحرار أثر أي ما أثر على الديكتاتور وجعله يهدد بغلق المآتم ومنع مواكب العزاء، ومع ذلك قبل الأحرار التحدي فأخرجوا المواكب، وأستمروا في الدوس وسيستمرون. وأخيرا فليفرح الثوار اليوم بإنجازاتهم وإبداعاتهم، فهاهم العبيد يقلدونها في دليل واضح على تأثيرها الكبير عليهم وعلى أسيادهم. ثورة 14 فبراير البحرين