كانت حياتُك كلها شاماً وحمصا. كانت بلادُك كلها رَغَدا ورقصا. قد جاءك الطاعونُ في زي الطبيبِ فصار نهرُ الخيرِ بئرا للدماءْ. والياسمينُ تجردتْ من عطرهِ الحاراتُ وانتحرت مباهجُها فأجهشَ بالبكاءْ. كانت حياتُك كلها حلباً وحمصا. صارت بلادُك كلها قصفاً وقنصا. قد جاءك الأمنُ المؤدلجُ والمدجّجُ لابسا ثوبَ التقدمِ والوئام. كانت بلادك كلها عزا وشاما. صارت بلادُك كلها رزقا حراما. صار المثقفُ راقصاً ومنافقا صارَ الإمام. جفت حقولُ القمحِ وانتحرَ الحمامْ. كانت حياتُك كلها شاماً وحمصا. صارت حياتُك كلها ألماً ومغصا. قد جاءكَ المفطومُ عن لبنِ المجددِ والمقاوم. صارت بلادُك كلها سوقا لتجار الغنائم.. والمآتمْ. يا أنبل الأطفالِ في زمن الحداد! إن الجوارحَ تستحي من بطشِ حامية البلادْ. حتى النخاسة تستحي من سوقنا الحرة. يا أيها المدفون في القرية! يا أيها المولود في الغربة! إن السياسةَ للثعالب واللّصوصِ .. وأنت للثورة. يا أيها المصلوبُ فوق جراح قلب عروبتي! تبقى حياتُك كلها شاماً وحمصا يبقى خلودُك كله حلبا. يا أيها الولد المشرد في المنافي! يا أيها الولد المُشَبّع بالمناقبِ والمغذّي بالعزائمْ! للعدل ذاكرةٌ وعينٌ لا تزوغ عن الجرائم. إياك أن تنسى بأن الشمسَ إن مالتْ فإن الفجرَ قادم. يوسف حمدان - نيويورك دنيا الوطن