بقلم د. رمزي بارود ترجمة د.إبراهيم عباس يتكشف السيناريو الأسوأ في سوريا فيما يحدث للاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك، الذين يدفعون ثمنا باهظا لحرب قاسية لا ناقة لهم فيها ولا جمل.. فهم يتضورون الآن جوعا، على الرغم من غياب المبرر لذلك وعدم وجود تفسير منطقي يجيب عن السؤال لماذا يتعين عليهم الموت جوعًا؟ فقد ذكر المتحدث باسم وكالة الأممالمتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، كريس جونيس لوكالة فرانس برس مؤخرًا، أن هناك 5 أشخاص على الأقل لقوا حتفهم في مخيم اليرموك المحاصر منذ سبتمبر 2013 بسبب سوء التغذية، وبذلك يصبح إجمالي عدد الحالات المبلغ عنها حتى حينه 15 حالة وفاة.. لكن التقديرات الأخرى، وخاصة تلك الصادرة من قبل السكان المحليين، تؤكد أن الرقم الحقيقي أعلى بكثير. وكان المخيم، الذي يقع إلى الجنوب من دمشق، يضم قرابة ربع مليون فلسطيني، منهم 150 ألفا مسجلين رسميًا لاجئين فلسطينيين. لكن المخيم يبدو الآن بعد مرور ما يقرب من 3 سنوات على الحرب السورية الوحشية أنقاضًا بعد أن تهدمت غالبية بيوته، وتقلص عدد سكانه إلى نحو 180 ألف نسمة، هم الذين لم يتمكنوا من الفرار إلى لبنانوالأردن أو أي مكان آخر ووفقا لتقرير لهيئة الإذاعة البريطانية من دمشق، نقلته ليز دوسيت ذكرت فيه استنادًا إلى أحد مسؤولي الإغاثة أن أبواب المخيم مقفلة منذ يوليو الماضي، حيث لم يسمح بدخول أي مساعدات إنسانية للمخيم منذ ذلك الحين. قصة مخيم اليرموك أنشئ مخيم اليرموك عام 1957 ليكون مأوى لآلاف اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من فلسطين على يد العصابات الصهيونية في 47-1948 . وبالرغم من الحقيقة بأن هذا المخيم يقع في سوريا، فإنه بقي قريبا من نبض المأساة الفلسطينية، وهو ما تجسد في استشهاد المئات من سكانه في مواجهة الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982.. ورغم المعاملة الطيبة التي عومل بها اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، إلا أن تلك المعاملة سرعان ما تغيرت.. فقد وجد آلاف اللاجئين الفلسطينيين في سوريا أنفسهم ضحايا حملات التطهير السياسي نتيجة الخلافات بين الرئيس السوري حافظ الأسد والرئيس ياسر عرفات. ومع اندلاع الأزمة السورية، حاولت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، السيطرة على مخيم اليرموك نيابة عن الحكومة السورية، لكنه قوبل بالرفض من قبل سكان المخيم الذين رأوا أنه من الأفضل لهم عدم التورط في النزاع السوري.. لكن بالرغم من ذلك فإن الأطراف المتحاربة- شاملًا ذلك قوات النظام، والجيش السوري الحر، والجماعات الإسلامية الأخرى- حاولت يائسة استخدام كل الأوراق المتاحة لها لإضعاف الأطراف الأخرى حتى لو كان ذلك على حساب اللاجئين الأبرياء. وبصرف النظر عن ال 1،500 فلسطيني الذين قتلوا وآلاف الجرحى، الذين سقطوا على هامش تلك الحرب، فإن الغالبية العظمى من اللاجئين ينتظرون نفس المصير طالما ظلت تلك الحرب الوحشية مستمرة.. ووفقا لبيان صادر عن الأونروا في 17 ديسمبر الماضي (2013) فإنه من بين ال 540،000 لاجئ فلسطيني مسجلين لدى الأونروا في سوريا، فإن 270 ألفًا منهم تشردوا في أنحاء البلاد، فيما فر نحو 80،000 . وصل منهم 51،000 إلى لبنان، و11،000 إلى الأردن، و5،000 إلى مصر، ووصلت أعداد أقل إلى غزة وتركيا وأماكن بعيدة. ووفقًا لتقارير الأممالمتحدة أيضًا، فإن أولئك الذين وصلوا إلى لبنانوالأردن ومصر يواجهون مأزق قانوني محفوف بالمخاطر خاصة في ظل الظروف المعيشية الصعبة بحيث قررت أعداد كبيرة منهم العودة إلى الأخطار داخل سوريا. ولكن الكارثة الأخيرة تعتبر الأسوأ في استهداف هذا المخيم.. ففي ديسمبر 2012، حاول ثوار الجيش السوري الحر السيطرة على المخيم. تلا ذلك اندلاع قتال شرس، أعقبه في 16 ديسمبر القصف الجوي لطائرات النظام للمخيم بما أسفر عن سقوط العشرات من الضحايا فيما لاذ الآلاف بالفرار حفاظا على أرواحهم. من المسؤول؟ على الرغم من مؤشرات الخطر التي كانت تحيط بالوجود الفلسطيني في سوريا منذ اندلاع الأزمة قبل نحو ثلاثة أعوام، إلا أن القيادة الفلسطينية لم تكلف نفسها عناء محاولة التفاوض من أجل وضع خاص لمخيم اليرموك يجعل الفلسطينيين في منأى عن التورط في النزاع الذي لم يشاركوا في صنعه، لكن مع الأسف فإن بعض الفصائل الفلسطينية، التي استخدمت من قبل قوى إقليمية أخرى أعلنت عن مواقف سياسية بشأن النزاع في سوريا بما أخل بالقاعدة التي تنص على أنه لا ينبغي أن يستخدم اللاجئون الفلسطينيون كعلف لحرب قذرة، لكن مع الأسف فشلت كل محاولات تجنيب اللاجئين الغوص في وحل تلك الحرب القذرة. بالطبع فإن المجتمع الدولي يتحمل القدر الأكبر من المسؤولية إزاء هذه المأساة الإنسانية، فهناك إحباط شديد يسود الوسط الإغاثي لأن العالم الذي هب سريعًا للتعامل مع ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية بالتضامن معا لم يفعل الشيء نفسه، عندما تعلق الأمر بأزمة إنسانية متفاقمة، وهو ما دفع دوسيت إلى الاستشهاد بقول أحد مسؤولي الإغاثة: «لم أر في حياتي كارثة إنسانية بهذا الحجم لا يصدر بشأنها قرار من مجلس الأمن». ويمكن أن يقال الشيء نفسه بالنسبة للسلطة الفلسطينية في رام الله المشغولة بالسعي وراء سراب عملية السلام، التي لا يلوح أي مؤشر بإمكانية نجاحها في الوقت، الذي يتوجب عليها تركيز جهدها في الضغط على المجتمع الدولي من أجل إنقاذ مخيم اليرموك. تبلغ المأساة ذروتها في أن الكثير ممن عرف عنهم تضامنهم مع الفلسطينيين، توقفوا عن التفكير في اللاجئين الفلسطينيين، تحديدًا في حقهم بالعودة إلى الأراضي التي طردوا منها، وباعتباره لب النضال الفلسطيني من أجل الحرية، وأصبحوا يكتفون فقط بالدوران حول نفس القضايا التي تطرح في المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، والتي تبتعد كلية عن القضايا الرئيسة المسؤولة عن استمرار الصراع وتأجيجه، فيما أن الحقيقة التي تفرض نفسها في ظل المآسي التي يتعرض ويتعرض لها اللاجئون الفلسطينيون في سورياولبنان والعراق وغيرها تفترض أن يحتل موضوع اللاجئين أولوية قصوى في العمل والتحرك لاسيما عندما يقتل الفلسطينيون بالمئات ويجوعون حتى الموت. رب قائل لماذا الاهتمام بمأساة الفلسطينيين في سوريا، في الوقت الذي تفوق فيه معاناة الشعب السوري تلك المأساة بمراحل؟.. نعم هذا صحيح، لكن مع الأسف فإن اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ليس لديهم وضع قانوني، أو تمثيل سياسي، أو دعم دولي جاد (على نسق مؤتمرات أصدقاء سوريا، وجنيف.. إلخ)، ولا قيادة معنية بمحنتهم بشكل يتناسب مع فظاعة هذه المحنة، ولا مكان للذهاب إليه، أو العودة إليه.هم في حقيقة الأمر ليس لديهم شيئًا.. وهم يموتون الآن جوعًا.. وحتى الآن لا يوجد أي تفسير لماذا يصر نظام الأسد والمعارضة السورية على الزج باللاجئين الفلسطينيين في حربهم التي لايبدو نهاية قريبة لها. وما العمل؟ يمكن أن نخلص في ضوء ما سبق بأنه ينبغي على المجتمع الدولي والجماعات المتضامنة مع الشعب الفلسطيني وضع قضية اللاجئين الفلسطينيين أولوية مطلقة في أجندتهم، وأن لا يستخدم الغذاء سلاحًا في هذه الحرب القذرة، وأن لا يترك الفلسطينيين يموتون جوعًا مهما كان الدافع أو المنطق. من هو رمزي بارود: كاتب وصحفي أمريكي مخضرم من أصل فلسطيني، مقيم في واشنطن.. ولد في مخيم النصيرات في قطاع غزة.. وهو رئيس تحرير «بالستين كرونيكل دوت كوم»، وينشر مقالاته في العديد من الصحف الأمريكية مثل «الواشنطن بوست»، و»الانترناشونال هيرالد تريبيون»، و»كريستيان ساينس مونيتور»، وله العديد من المؤلفات الصادرة بالإنجليزية، منها «أبي كان مقاتلًا من أجل الحرية»، و»الانتفاضة الفلسطينية الثانية: وقائع نضال شعب»، و»قصة غزة التي لم ترو». المزيد من الصور : صحيفة المدينة