الأخطاء الطبية القاتلة والمميتة مسلسل لا ينتهي، حلقاته كارثية يدفع ثمنها آلاف المرضى ممن يقعون ضحايا للإهمال الطبي في مختلف دول العالم، والمحظوظون منهم قد يخرجون من تلك الأخطاء وهم على كراسي العجزة، يطاردون بها الأطباء في المحاكم، بينما هناك من دفعوا حياتهم بالكامل ثمناً لجريمة طبية عنوانها الإهمال حتى ظلت الأخطاء الطبية هاجساً مخيفاً لكل من يدخل المستشفيات. ونقلت الصحف ووسائل الإعلام في السعودية خلال العام الماضي، قصصاً مرعبة ظلت قضايا رأي عام ودخلت أروقة المحاكم كالطفلة التي أصيبت بالشلل الرباعي بسبب خطأ طبي، وطفلة حقنت بالكيماوي وهي ليست في حاجة إليه وقد تصاب بالعقم بسببه، وأطفال رضع يفقدون أعضاءهم التناسلية بسبب خطأ في الختان، وطفل يلفظ أنفاسه تحت وطأة جرعة عالية من البنج وحالات أخرى لم تجد طريقها لوسائل الإعلام. وتؤكد الإحصاءات الرسمية أن مجموع قضايا الأخطاء الطبية المعروضة على الهيئات الصحية الشرعية في المملكة خلال السنوات الثلاث الماضية، وصلت إلى نحو5105 قضايا، صدرت أحكام في 2139 قضية، من بينها 1239 قراراً متعلقاً بوفيات الأخطاء الطبية، وصدرت إدانة في 415 منها استغرقت 6545 جلسة. مدير الخدمات الطبية في مستشفى القطيف المركزي، استشاري المسالك البولية الدكتور حسن الفرح أشار في ندوة أقيمت مؤخراً إلى أن المملكة بها دراسات صحية تؤكد أن نسبة الأخطاء الطبية التي تحدث أثناء الولادة تبلغ 27% وأثناء العمليات الجراحية 17% والباطنية 13% والأطفال 10%. وخلال السنوات الأخيرة وقّعت الهيئة الشرعية الصحية عقوبات وغرامات وفرضت ديات على ممارسين بينهم أطباء وممرضون. ووصلت العقوبات في بعضها إلى نحو المليون ريال، مع توصيات أحياناً بشطب الترخيص، وهي قرارات بالطبع لا تنفذ في الوقت الذي يتمناه المتضرر وغالباً ما يخوض جولة مطالبات أخرى لتنفيذها. غفوة الأطباء ويقول الصحافي بشرى السباعي: إن من يستطلع واقع ظروف عمل الكادر الطبي بالمستشفيات السعودية يكتشف أن السبب ليس في عديد من الأحيان، يرجع إلى عدم الكفاءة والإهمال، إنما ظروف عمل لا إنسانية يتم إخضاع الكادر الطبي لها تتمثل في تشغيلهم لعدد ساعات تفوق طاقة الجسد، والعقل البشري. وأظهرت دراسة محلية على عينة من أطباء المملكة في برامج زمالة الهيئة السعودية للتخصصات الصحية في كلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز معاناة 87 % من أفراد العينة بالحرمان الحاد من النوم، حيث يتاح للطبيب النوم لحوالي ساعتين بالمستشفى خلال مناوبة تستمر لأربع وعشرين ساعة وخلالها يتم مقاطعة نومه وإيقاظه بشكل متكرر. وتشير الدراسة إلى أن الأطباء المقيمين يعملون لساعات متواصلة قد تتجاوز 36 ساعة في الوردية الواحدة بدون راحة ولا نوم. وأنه بحسب دراسات أجنبية كانت قلة ساعات نوم الأطباء السبب الأساسي في حوالي 50 % من الأخطاء الطبية الفادحة والقاتلة ولهذا سنت الدول حداً أعلى لساعات عمل الأطباء. وعلى الرغم من ضبابية المشهد حيال الأرقام التي تُعلن أحياناً حيال الأخطاء الطبية، وندرة هذه المعلومات أحياناً، إلاّ أن ظاهرة تفشي أخطاء طبية بعينها وانتشارها في المدن والقرى والمحافظات، السعودية يقرعان الجرس، ويثيران الاهتمام، ويصبحان حديث الناس.. ففي الآونة الأخيرة تفشت ظاهرة إصابة المواليد بأمراض وعاهات مستديمة أحياناً مردها حسب أولياء أمورهم إلى لحظات الولادة في المستشفيات، فقد أصبحت عملية ما يسمى بخلع الولادة، وكذلك نقص الأكسجين عند الولادة إحدى أهم القضايا التي تشغل بال كثيرين في ظل تنامي أعداد المراجعين للمستشفيات للتداوي من آثارها، كما أن آباء وأمهات فقدوا أجنة أثناء مراحل متأخرة من مراحل الحمل يعتقدون أن أخطاء طبية كانت تقف وراء تلك الخسارة. البيان الاماراتية