مواضيع ذات صلة علي محمد فخرو متى سيعرف قادة المجتمع المدني السياسي في بلاد العرب الفرق بين المنافسة والعداوة ؟ فالأولى مقبولة وأحياناً ضرورية خصوصاً إذا كانت تسابق إلى وفي الخيرات. أما الثانية فهي تدمير أو إقصاء للآخر. نذكَّر بتلك البديهية بمناسبة ما نشاهده من معارك معيبة وما نسمعه من هتافات جارحة في ساحات التجُّمعات الجماهيرية في مدن أقطار ثورات وحركات الربيع العربي. جماهير أنصار الأحزاب السياسية الإسلامية يصمون الجبهة المقابلة لهم من خليط الليبرالية القومية اليسارية بتهمة العلمانية الموحية عند العامة بالكفر والإلحاد. بينما جماهير الجبهة المقابلة تصم الإسلاميين بالظَّلامية والتخلف. وشيئاً فشيئاً نعود القهقرى إلى الخمسينات من القرن الماضي عندما مورست العداوة الدموية المتعصٍّبة بين مختلف الإيديولوجيات في أرض العرب، فكانت وبالا على الجميع وساهمت إلى حدٍّ كبير في تخلُف الحياة السياسية العربية عن الإنتقال إلى رحاب الديمقراطية المتسامحة. ما يوجع في هذا المشهد شعور الإحباط عند الذين عملوا عبر العقود الثلاثة الماضية لتقريب وجهات النظر بين فكر الإسلام السياسي وبين فكر الحركات القومية العربية على الأخص ونجحوا في تكوين المؤتمر القومي الإسلامي الذي يضمٌّ ممثٍّلي الجهتين ويجتمع دورياً لمناقشة قضايا الأمة ويخرج بتصورات مشتركة حول تشخيص وعلاج تلك القضايا. والسؤال : ماهو هذا المرض الذي لا تريد القوى السياسية العربية أن تتعافى منه، مرض عدم القدرة على التعايش والتسامح في أجواء التنافس الشريف العفيف بدلاً من الإصرار على قلب كل خلاف في وجهة النظر إلى عداوة كريهة وإلى حروب داحس والغبراء؟ وإلاً، أين ذهبت السَّاحة الفكرية والإيديولوجية المشتركة فيما بين الفريقين، والتي كانت أكبر بكثير من ساحة الإختلاف والتباين؟ يشاهد الإنسان هذه المعارك والصٍّراعات العبثية على الأخص في مصر وتونس والعراق وليبيا واليمن والخليج العربي فيسأل نفسه : هل الإستيطان الاستعماري الصهيوني الذي يبتلع أرض فلسطين يومياً ويتجذَّر في الأرض العربية كعلاقات اقتصادية واتفاقيات سياسية وأمنية وكعلاقات حميمية مع الكثير من مسؤولي الأنظمة العربية، وهل الرَّجوع المقتحم للنفوذ وللوجود الإستعماري الأميركي في كل أرجاء الوطن العربي وصولات وجولات ساسته وعساكره وجواسيسه وصانعي الرأي فيه، وهل المحاولات المستميتة لفلول الثورات المضادًة وأزلام الاستبداد والإستغلال في السياسة والإقتصاد، وهل ضعف الجامعة العربية ومنظمة الدول الإسلامية أمام إملاءات أميركا المتناسقة مع المصالح الصهيونية إلى حدود الإبتذال والحقارة.. هل هذه القضايا لا تستدعي اعتبارها أولويات قصوى في حياة الأمة تفرض على القوى السياسية الإسلامية والقوى الليبرالية القومية اليسارية محاولة الوصول إلى حلول وسط بشأن الأمور الدستورية وأمور إدارة دفة الحكم إبَّان هذه الفترة الإنتقالية من حياة الآمَّة؟ ما يحيٍّر أنه إبًّان المعارك ضدُّ الإستبداد الداخلي لا تجتمع الجهتان لإسقاطه، وعندما تنجح جماهير الأمة بعفوية وبحسِّ الغضب لا نتزاع الكرامة والحرية والعدالة ولكنها تواجه الثورات المضادة في الداخل والتدخُّلات الخارجية لاحتواء وإغواء ما حققته تلك الجماهير فان الجهتين تفشلان أيضاً في التعاون فيما بينهما لإنقاذ ماحقًّقه الشهداء والمناضلون، ولا تستطيعان التعايش والتعاون أثناء فترة انتقالية محدودة. يستطيع الشعب العربي أن يتفهَّم وجود تنافس على السًّلطة فيما بين الأحزاب السياسية فهذا جزء من الحياة السياسية الديمقراطية في كل مجتمعات العالم الديمقراطية، ولكن مالا يمكن تفهُّمه هو قلب كل اختلاف في وجهة النظر وكل اختلاف حول ممارسة الحكم إلى صراع عبثي يضيع الأولويات ويعطي فرصة للإستبداد الداخلي والنفوذ الخارجي لكي يدمٍّرا ما ضحَى الناس من أجله. الفترة الانتقالية العربية الحالية تستدعي وجود قيادات سياسية مدنيَة ناضجة وعميقة الإدراك لحقائق العمل السياسي ولحقائق ممارسة الحكم المعقَدة، خصوصاً في أرض عاشت أربعة عشر قرناً من الإستبداد والإستغلال. على الذين لا يستطيعون الإرتفاع إلى ذلك المستوى أن يتنحُّوا ويتركوا السَّاحة لغيرهم، إذ يكفي الأمة ما عاشته من آلام وأحزان منذ أن فرض عليها الملك العضوض والظُّلم التاريخي الذي تريد أن تنهيه. دعنا نذكٍّر من يؤمنون بالإسلام كعقيدة ومن يتبنُّونه كثقافة بهذه الآية الكريمة' 'ولا تستوي الحسنة ولا السَّيئة إدفع بالتي هي أحسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنًّه وليُّ حميم' القوى السياسية العربية المتصارعة تحتاج أن تعيش حكمتها في هذه الفترة المبهرة من حياة الأمة