الدوحة - الراية: شدّد عددٌ من علماء الدين على خطورة الغيبة والنميمة، مشيرين إلا أنها من الحقوق التي تجعل صاحبها يقف مفلسًا من الحسنات أمام ربّه يوم الحساب، موضحين أن هناك الكثير من الآيات والأحاديث النبوية التي تحذّر من هذه الآفات ومن عواقبها الوخيمة. وقالوا إن عقاب الشخص المُغتاب لا يقتصر على الآخرة فقط بل إن له عذابًا آخر في القبر أيضًا، لافتين إلى أن الغيبة لا تكون باللسان فقط، كما قد يعتقد الكثير من الناس ولكنها قد تكون بالإشارة أو بالهمز أو اللمز. وقال علماء الدين الذين تحدثوا " لراية الإسلام "إن هناك من ابتلي من المسلمين بضعف الإيمان وسلاطة اللسان فصرف همّته ووجّه طاقته، في سبّ وتجريح وتسفيه علماء الأمّة ورجالها المخلصين ممن نذروا أنفسهم لحماية حوزة الدين وإرشاد المسلمين وتنبيه الغافلين. ونبهوا إلى أن معرفة الإنسان بآفات لسانه أمر في غاية الضرورة، حتى يأخذ بأسباب النجاة، ويتلافى هذه الآفات التي قد يقع فيها، مؤكدين أن الغيبة والنميمة من أبرز تلك الآفات التي يرتكبها اللسان. ويقول فضيلة الشيخ فيصل العشاري الباحث بالشبكة الإسلامية "إسلام ويب" الغيبة والنميمة أمراض اجتماعية خطيرة يقع فيها الكثير من المسلمين مع الأسف ولخطورتها وللتنفير منها فقد وردت في شأنها آيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة تحذّر منها ومن عواقبها، حيث قال المولى عز وجل " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ". واضاف: الغيبة لم تعد قاصرة على الشكل الفردي المُعتاد عندما يغتاب شخص، شخصًا آخر في غيابه ولكنها أصبحت تتمّ في أيامنا هذه على مستوى القبائل والجماعات والدول أيضًا، وقد لعبت وسائل الإعلام وبصفة خاصة الفضائيات دورًا كبيرًا في بثّ الافتراءات التي أدّت إلى الكثير من المشاكل بين الدول والشعوب. وأشار إلى أن خطورة الغيبة أنها حقّ لا يسقط أبدًا ولا يغفرها الله إلا أن يتسامح فيها صاحبها ولو لم يفعل فإنها قد تكون سببًا في ضياع حسنات الإنسان يوم القيامة، حيث يقف أمام ربّه مفلسًا من أي حسنات، وفي هذا الشأن يقول رسولنا الكريم في الحديث " عن أبي هريرة - رضي الله عنهُ- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أتدرون من المفلسُ؟" قالوا":المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال:" إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناتهُ قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطُرحت عليه ، ثم طُرح في النار" رواه مسلم. وقال الشيخ عبدالكريم العديني إمام وخطيب وباحث بالشبكة الإسلامية "إسلام ويب " إن عقاب الشخص المُغتاب لا يقتصر على الآخرة فقط بل إن له عذابًا آخر في القبر، ففي الحديث الشريف "عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال " مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين، فقال: إنهما ليُعذّبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما : فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر: فكان يمشي بالنميمة فأخذ جريدة رطبة، فشقّها نصفين، فغرز في كل قبر واحدة فقالوا: يا رسول الله ، لم فعلت هذا ؟ قال : لعلّه يخفّف عنهما"، وقد دلّ الحديث على أن عذاب القبر ليس خاصًا بالكفار، بل قد يعذّب به المسلم كما في هذا الحديث، فهذان الرجلان مسلمان، كما يدلّ عليه سياق الحديث. وينبغي أن نعلم أن سعة القبر وضيقه، ونوره وظلمته، ليست من جنس المعهود للناس في عالم الدنيا، لأن الله تعالى جعل الدور ثلاثة، دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار الآخرة، وجعل الله لكل دار أحكامًا تختصّ بها، وأن عذاب القبر ونعيمه يقع على الروح والبدن، فأصله على الروح، والبدن متعلق بها. ويستفاد من الحديث التَّحْذِير مِنْ مُلَابَسَة الْبَوْل أو النجاسة بالْبَدَن وَالثَّوْب، ووُجُوب إِزَالَة النَّجَاسَة ولو لم يرد الإنسان الصلاة. وأما (لا يستبرئ)، فتدلّ على زيادة التوقّي، وهو أنه يبول ثم يقوم مباشرة قبل التأكّد من انقطاع البول، وهذه العجلة تفضي إلى بقاء شيء من البول وخروجه بعد ذلك ما يؤدي إلى ملابسة النجاسة ونقض الوضوء بسبب تفريطه وتهاونه. ، على الإنسان أن يتوقّى من النجاسات، ويبادر إلى إزالتها، ومع هذا نقول يجب أن لا يصل الأمر بالإنسان إلى الوسوسة، بل عليه أن يفعل الواجب ولا يلتفت إلى الاحتمالات. قال عليه الصلاة والسلام (وأما الآخر الذي يعذب في قبره فكان يمشي بالنميمة)، والنميمة- نقل الكلام بين الناس على وجه الإفساد، وهي كبيرة من كبائر الذنوب، تفرّق بين المسلمين، وتوقع البغضاء بين المتحابين. وأضاف: النمّام مجرم عظيم وأفّاك أثيم، ينقل الحديث إليك؛ لكي يفسد قلبك على إخوانك.. الله يجمع بين عباده ويؤلف بين قلوبهم، والنمام يفرّق ويفسد. ولهذا أخبر الله أن النمّامين فيهم المهانة والكذب والفجور، (ولا تطع كل حلاف مهين همّاز مشّاء بنميم منّاع للخير معتد أثيم).. وقال -عليه الصلاة والسلام (لا يدخل الجنة نمام). وأشار إلى أن الغيبة لا تكون باللسان فقط ولكنها قد تكون بالإشارة أو بالهمز أو اللمز. ويقول فضيلة الشيخ عبدالله إبراهيم السادة، خطيب جامع مريم بنت عبدالله: إن من مُوبقات اللسان الكبيرة القول على الله بلا علم، والتسرّع في إطلاق الفتاوى دون دراية أو فهم. وأضاف في إحدى خطبه: إن الله سبحانه وهب للناس جارحة كبرى، لها ما لها من الفوائد العظام، والغايات الجسام، لكنها مع ذلك تمثل الخطر الفعال، على الإنسان في الحال والمآل، تلك الجارحة هي اللسان، فعن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تُكفِر اللسان فتقول: اتقِ الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا» (أخرجه الترمذي). ذروة سنامه وعن معاذ بن جبل (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال له: «ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه؟ «قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه قال: «كفّ عليك هذا» فقلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون مما نتكلم به؟ فقال: «ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يَكبُ الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائدُ ألسنتهم» وبهذا يُبين لنا (صلى الله عليه وسلم) أن من أحكم زمام لسانه غاية الإحكام، وأمسكه لئلا يقع في الخطايا والآثام، فهو جدير بدار الرضوان، بعيدٌ عن سخط الديّان، مُجنب لمسالك الشيطان. أسباب النجاة وأضاف: إذا كان اللسان بهذه الخطورة، فإن معرفة آفاته في غاية الضرورة، حتى نأخذ بأسباب النجاة، ونتلافى تلك الآفات، ممتثلين قول النبي (صلى الله عليه وسلم): «أمسك عليك لسانك»، فمن عظم آفات اللسان، الوقوع في الشرك والكفران، فبكلمة واحدة قد يكفُر الإنسان، ثم يُخلد بعدها في النيران، يقول تعالى: «ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم»، ومن مُوبقاته الكبيرة وآفاته الخطيرة القول على الله بلا علم والتسرع في إطلاق الفتاوى دون دراية وفهم «ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون»، وقال: ومن آفات اللسان وأخطاره شهادة الزور فهي من أسوأ آثاره عدلت أو كادت تعدل الشرك بالله، فعن أبي بكرة (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثًا قلنا بلى يا رسول الله قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وجلس وكان متكئًا فقال ألا وقول الزور»، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت، ومن هذه الخصال الذميمة، التي تجلب الإثم وتقطع حبال المودة والحميمة، الكذب والغيبة والنميمة وها هو سيد المرسلين (صلى الله عليه وسلم) ينادي هؤلاء المبتلين «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين»، فالعاقل اللبيب من أخذ بوصية المصطفى الحبيب، وتجنب غيبة المسلمين، وإن اختلف مع إخوانه وسوّل له شيطانه وكاد أن ينطق بالغيبة أو النميمة لسانه، فليتذكر العقوبة الوخيمة، التي تزجر عن الغيبة والنميمة، ففي الحديث «لا يدخل الجنة نمّام» وفي حديث أنس (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال «لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم». ضعف الإيمان وقال: من الناس من ابتلي بضعف الإيمان وسلاطة اللسان فصرف همّته ووجّه طاقته، وضيع أوقاته سبًا وتجريحًا وتنقيصًا وتسفيهًا لعلماء الأمة ورجالها المخلصين ممن نذروا أنفسهم لحماية حوزة الدين وإرشاد المسلمين وتنبيه الغافلين، يقول الحافظ ابن عساكر رحمه الله «اعلم يا أخي وفقني الله وإياك لمرضاته، وجعلني وإياك ممن يخشاه ويتقيه حقّ تقاته، أن لحوم العلماء مسمومة وسنة الله فيمن هتك أستارهم معلومة وأن من رمى العلماء بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب». واعتبر أن من عظيم الآفات، قذف المحصنات المؤمنات الغافلات وهو يعتبر من السبع الموبقات، كما قال سبحانه «إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم، يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون» يقول ابن القيم رحمه الله «من العجب أن الإنسان يهون عليه الاحتراز من كثير من المحرمات ويصعب عليه التحرز من حركة لسانه. ويقول الحسن البصري رحمه الله «يا عجبًا لابن آدم: حافظاه على رأسه لسانه قلمهما وريقه مدادهما وهو بين ذلك يتكلم فيما لا يعنيه» ويقول عمر «من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به». جريدة الراية القطرية